في ذكرى تحرير صيدا:هزمنا العدو الإسرائيلي ولكن لم ننتصر.

بقلم: وفيق الهواري

يصادف اليوم الجمعة ١٦ شباط/فبراير ٢٠٢٤، ذكرى مرور ٣٩ عاما على تحرير مدينة صيدا ومناطق اخرى من الجنوب اللبناني من الاحتلال الاسرائيلي.

ففي السادس عشر من شهر شباط/فبراير ١٩٨٥، أجبرت جبهة المقاومة الوطنية قوات الاحتلال الاسرائيلي على
الانسحاب من المنطقة المذكورة ، بعد فشله في بناء حاضنة سياسية مؤيدة للاحتلال كي تدافع عن خطته في المنطقة، وبعد تزايد العمليات البطولية لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وإنزالها مزيدا من الخسائر في صفوف الجيش الاسرائيلي، وحتى عجز لواء غولاني من السيطرة على مدينة صيدا. وبالتالي اضطرت قوات الاحتلال الى الانسحاب من المنطقة، ما يعني هزيمة إسرائيل في الميدان.
لقد دفع المقاومون في منطقة صيدا ثمنا باهظا من اجل التحرير وسقط منهم شهداء من أبناء المنطقة ومن مناطق لبنانية مختلفة.
كما شاركت في المقاومة الوطنية تيارات سياسية مختلفة عبرت عن التنوع السياسي والاجتماعي في المنطقة، لكنها اجتمعت على ضرورة التصدي لقوات الاحتلال الاسرائيلي واجباره على الانسحاب.

عام ١٩٨٢ رفعت جبهة المقاومة الوطنية شعار “الوطن باق والاحتلال الى زوال”، زال الاحتلال فعليا من المنطقة، ولكن السؤال الذي بقي بدون جواب: “هل بقي الوطن”؟.

سنتحدث عن مدينة صيدا، ويمكن النظر اليها كنموذج عن الوطن اللبناني.

هل انتصر الوطن فيها؟
والانتصار هنا يعني ان نبني سلطة تدير مؤسسات الدولة وتكون في خدمة كل المواطنين وتؤمن لهم حياة كريمة.
بعد اتفاق الطائف، بنى النظام الطائفي العميق سلطة المحاصصة السياسية التي اوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم.
والان وبعد سنوات طويلة من الانسحاب الاسرائيلي كيف ننظر الى مدينة صيدا ؟

الوضع الاقتصادي الى مزيد من الانهيار، القطاعات الإنتاجية شبه متوقفة، بسبب السياسات التي اعتمدتها السلطة التي بنيت بعد اتفاق الطائف وتبنت الاقتصاد الريعي بديلا عن الاقتصاد الانتاجي.
ويثير الوضع الاجتماعي القلق والخوف من الايام المقبلة، لا فرص عمل مؤمنة، والاجيال الشابة تتجه الى الهجرة كي تؤمن دخلا للحياة الكريمة، لا مساكن عامة للجمهور، والنموذج منطقة تعمير عين الحلوة التي تتجه الى مزيد من التدهور المعماري من دون وجود أي خطة عامة للترميم والتأهيل. كما ان الاحصاءات التي أجرتها منظمات وجمعيات تشير الى ان نحو ٨٠ بالماية من العائلات المقيمة تعيش تحت مستوى الفقر، ولا احصاءات فعلية لدى السلطات المحلية، كما ان المساعدات التي تقدم لعدد من العائلات في مناسبات محددة، فإنها تأخذ طابع الاستزلام السياسي.
اما على الصعيد الصحي، فان المدينة تفتقد لمؤسسات صحية عامة ذات سياسات موضوعية والمستشفيات العامة اما عاجزة وقاصرة او يشوبها الفساد بحماية من قوى سياسية محلية ومركزية.

على صعيد الكهرباء وان كانت الازمة هي على الصعيد الوطني، لكن هنا فان اصحاب المولدات الكهربائية تتحكم بالسوق ولا تلتزم باي قرار وذلك بحمايات مختلفة.

وتعاني المدينة من انقطاع دوري لمياه الشرب تحت حجج تقنية غير مقنعة.

وبسبب السياسة البيئية المعتمدة في كل مجالات البيئة، فان صيدا تحولت من “عاصمة المقاومة” الى “عاصمة النفايات”، وخصوصا بعد توقف مركز معالجة النفايات عن العمل وتحولت منطقة سينيق الى جبال من النفايات المتراكمة.

اما شاطىء المدينة فقد تحول إلى مصب لانابيب المياه المبتذلة بعد توقف محطة تجميع المياه المبتذلة عن العمل الجدي، واقتصار تشغيلها في المناسبات وخلال الزيارات الاعلامية او الرسمية.

تربويا، في مدينة صيدا يعاني معظم المدارس الرسمية من مشكلات بالتجهيزات وتدني مستوى التعليم فيها. عدا ارتفاع نسبة التسرب المدرسي الذي يعزوه البعض لارتفاع كلفة التعلم والتنقل.

على الصعيد الثقافي فان معظم المراكز الثقافية التي عرفتها المدينة تاريخيا بات الحديث عنها حديثا عن تاريخ صيدا.

وكنا عندما نتحدث عن مدينة صيدا نتحدث عن النسيج الاجتماعي المتنوع والموحد، ولكن التطورات والانقسامات التي شهدها لبنان تركت اثارا سلبية على هذا النسيج الذي كنا نتغنى به.

وعلى الصعيد السياسي، شهدت المدينة تراجعا واسعا في التيارات الوطنية لصالح التيارات ذات الطابع المذهبي والفءوي.

وبعد تحريرها لم تشهد المدينة سلطة محلية ذات توجه لبناء مدينة تملك خطط تنموية مستدامة، على الرغم من الخطابات الشعبوية الواسعة، ولم نصل الى مخطط توجيهي عام يحدد مجالات التنمية والتطور فيها، بالمقابل لم تشهد المدينة اي مشاركة مجتمعية جدية تفسح في المجال للتعاون بين السلطات المحلية والمجتمع المحلي، كما لم تستطع قوى المجتمع المدني ان تبني نخبة مستقلة عن القوى السلطوية لترسم خارطة طريق لتطور المدينة.
والاسوء من كل ذلك، تلك الفجوة التي برزت بين وعي الجيل الجديد القاصر عن معرفة التاريخ الوطني للمنطقة، وعدم الاهتمام بالشأن العام تعبيرا عن انسداد الافق أمامه.
بعد هذا العرض، هل من يقول اننا انتصرنا؟
نعم نقول: لقد هزمنا العدو ولكن لم ننتصر.
وعلى الرغم من كل ذلك سنبقى نعمل من اجل ان يبقى لبنان وطنا لكل المواطنين.