تقييد “حرية التعبير” في أميركا!

تسبب الحرب التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، بانقسام في الرأي العام الأميركي، عكستها النقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى سلسلة من عمليات الفصل من العمل، أو غيرها من الإجراءات القمعية في مكان العمل من جانب أصحاب العمل القلقين بشأن آراء موظفيهم حول الصراع.

وأشارت صحيفة “بوليتيكو” إلى إنه تم طرد رئيس تحرير “Artforum”، ديفيد فيلاسكو، من جانب ناشره، “بانسكي ميديا”، بعد نشر رسالة مفتوحة على الموقع تدعو إلى وقف إطلاق النار، وتحمل الاحتللال الإسرائيلي مسؤولية الإبادة الجماعية.

كما تم عزل مايكل آيسن من منصب رئيس تحرير المجلة العلمية “eLife” بعد إعادة تغريد مقال ساخر ينتقد “إسرائيل”.

وتراجعت الأدوار القيادية للمديرة التنفيذية الكبيرة في شركة المواهب في هوليوود “Creative Artists Agency”، مها دخيل، وذلك بعد إعادة نشر قصة على موقع “إنستغرام” تشير ضمناً إلى أن “إسرائيل” ترتكب إبادة جماعية.

وذكرت صحيفة “بوليتيكو” أن العديد من طلاب القانون تم إلغاء عروض عملهم بعد انتقادهم العلني للإجراءات الإسرائيلية. وتتراوح التصريحات بين التعبير عن التعاطف مع الفلسطينيين والانتقادات الشديدة المناهضة للاحتلال الإسرائيلي.

وعلقت جينيفيف لاكير، أستاذة القانون في جامعة شيكاغو على هذا الوضع بالقول: “يبدو الأمر وكأنه المكارثية الجديدة”. خصوصاً أنه حتى الآن، يبدو أن معظم عمليات الفصل من العمل كانت بسبب التعبير عن آراء مؤيدة للفلسطينيين.

وأوضحت منظمة المناصرة “فلسطين القانونية”، ومقرها الولايات المتحدة، أنها استجابت لأكثر من 260 حالة لاستهداف “سبل عيش أو وظائف” الأشخاص.

وقالت لاكير: “لقد كانت الجامعات تحت التهديد لفترة طويلة. وقد رأينا أن هناك قوانين تفرض عقوبات على من يشارك في حملات المقاطعة ضد إسرائيل، تم إلغاء بعضها، وبعضها لم يُلغ. لذا فإن هذا يأتي على رأس ما يبدو وكأنه الكثير من التعبئة والتنظيم في محاولة لمنع الناس من التعبير عن أنواع معينة من وجهات النظر، وفي كثير من الحالات وجهات نظر مؤيدة للفلسطينيين”.

وتساءلت لاكير عما إذا كان من الممكن أن يكون هناك رد فعل على كثافة وتنوع عمليات الفصل والعقوبات، التي حدثت في الأسابيع الثلاثة الماضية. وأضافت: “أرسل اتحاد الحريات المدنية الأميركي (ACLU) خطابًا هذا الأسبوع إلى مديري الجامعات، يحذرهم فيه من التحقيق مع الطلاب في ما يتعلق بالتعبير المحمي بموجب التعديل الأول، ويحاول تذكير الجميع بقيم حرية التعبير التي هي على المحك هنا. ومن ناحية أخرى، ربما يؤدي هذا إلى نوع من العودة إلى الوضع الطبيعي. لكنني حقا لا أعرف”.

موقع “أكسيوس” أثار ذات القضية، وأشار في تقرير إلى أن الموظفين العرب والمسلمين يشعرون بأن آلامهم لا يتم الاعتراف بها، ويخشون الانتقام في العمل. وفي الوقت نفسه، يشعر الموظفون اليهود بالمخاوف بشأن معاداة السامية.

وأوضح الموقع أن هذا الوضع يضيف مزيداً من التعقيد إلى قوانين أماكن العمل المتعلقة بالتنوع والمساواة والشمول التي أصبحت شائعة في السنوات الأخيرة، إذ قد يضطر المديرون إلى الفصل بين الزملاء الذين يقفون على جانبين مختلفين حول معظم القضايا.

ونتيجة تزايد حدة الاستقطاب، خصوصاً في مواقع التواصل الاجتماعي، فإن مدراء بعض الشركات أصدروا قرارات بمنع التعليقات على منصات مختلفة لتثبيط المحادثات الساخنة.

وذكر “أكسيوس” أنه في إحدى المنظمات غير الربحية المعنية بحقوق الإنسان في نيويورك، أصبحت محادثة جماعية حول الحرب في غزة “ساخنة للغاية”.

وقال موظف يبلغ من العمر 31 عاماً طلب عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: “إن الصراع يخلق الكثير من التوتر. وأصبحت المحادثة متوترة، حيث كان الزملاء، الذي يعملون جميعاً في قضية حقوق الإنسان، يتجادلون حول من يفهم حقًا تاريخ المنطقة”.

وقالت جويل إيمرسون، المؤسسة المشاركة والرئيسة التنفيذية لشركة “Paradigm” : “لم يسبق لي أن رأيت مستوى التوتر الشديد والألم والأذى بين الموظفين في نفس المنظمات، كما أرى الآن”.

وأشار الموقع إلى أنه لفترة طويلة، كانت ثقافات الشركات معزولة نسبيًا عن السياسة، لكن الأمر تغير منذ عام 2020 على الأقل، بعد مقتل الشاب ذوي الأصول الأفريقية، جورج فلويد، على يد عناصر من الشرطة الأميركية، إذ سمحت الشركات بالمحادثات حول العدالة الاجتماعية أو العنصرية، أو نشرت رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن تضامنها.

لكن تبين أن الوضع في الشرق الأوسط أكثر صعوبة بكثير.