” غريو” طرقت باب الضاحية الجنوبية .. ونصر الله فتح لها باب التسويات

تفيد معلومات ان الاليزية اتخذ قرارا بتحريك ادواته الدبلوماسية في لبنان وخارج لبنان، من أجل إنشاء حركة إتصالات تسفر عن فتح كوة في جدار الأزمة اللبنانية الموصد.

وضمن هذا السياق، كان لافتا أمس زيارة السفيرة الفرنسية آن غريو إلى الضاحية الجنوبية ولقائها هناك برئيس الكتلة النيابية التابعة لحزب الله النائب محمد رعد.

والواقع ان زيارة غريو للضاحية لديها معان سياسية عديدة ؛ بغض النظر عن فحوى الحوار الذي دار بين رعد وغريو. وأبرز هذه المعاني يتمثل بتوقيت الزيارة ومكانها ، وهنا يجدر تسجيل ملاحظتين اساسيتين :

الملاحظة الأولى : صحيح ان التواصل بين حزب الله وباريس لم ينقطع يوما؛ ولكن اهمية اللقاء الفرنسي مع حزب الله الذي حصل امس، يكمن في توقيته وذلك لجهة انه حصل في ظرف استثنائي ، وفي توقيت يقع عند عدة مفارق سياسية حساسة دوليا واقليميا ومحليا..

وفي تفنيد معنى هذا التوقيت المركب – ان جاز التعبير- يمكن القول إن لقاء غريو – رعد اتي في لحظة دولية على صلة باقتراب لحظة توقيع اتفاق هوكشتاين ، ودور حزب الله المتصف حتى الان بأنه مسهل للتوقيع ؛ بمقابل دور هام تتهيأ توتال الفرنسية لتقوم به، وهو تسهيل تنفيذ مجمل عملية توزيع حصص الغاز بين لبنان والكيان العبري، واستدراكا تنفيذ هدف بايدن بارسال غاز المتوسط إلى أوروبا ليحل مكان الغاز الروسي..

.. وعليه يمكن القول ان عربة مصالح الغاز الاقتصادية التي تحملها توتال الفرنسية، ستحتاج لحصاني حزب الله كي تستطيع المرور بسلام بين خطوط النار القائمة على صفحة المتوسط المقابلة للبنان وفلسطين المحتلة.

كما ان لقاء رعد – غريو جاء في لحظة محلية لبنانية لها علاقة باستحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية؛ وهو استحقاق يهم باريس كون فخامة رئيس لبنان هو الرئيس المسيحي الوحيد في كل المنطقة العربية؛ وكون الاليزية تريد أن يكون لها دور اساسي في مستعمرتها اللبنانية القديمة ، وتريد ايضا ان يكون لبنان تعويضا عن خسارتها مصالحها في سورية والعراق.

.. واقليميا جرى اللقاء في توقيت تشتعل فيه من ناحية نيران الوضع الداخلي في إيران، ولكن من ناحية ثانية، و بنفس الوقت، تتم فيه مبادرات مختلفة بالمشاركة الأميركية مع إيران، لتخفيف أجواء الحرب في اليمن وفي لبنان، وتحويل التصعيد العسكري اليمني إلى هدنة ، وتحويل سيناريو الحرب بين حزب الله واسرائيل في لبنان ، الذي كان سائدا الشهر الماضي، الى فتح مرحلة تتعالى فيها أرقام الاقتصاد لها اولوية على خطاب المدافع.

الملاحظة الثانية الأساسية ذات الصلة بلقاء غريو – رعد ، تتمثل بأن باريس تقف، ولها اطلالة مباشرة على ” عقدة ” المشهد اللبناني، وذلك بين رئيس الجمهورية الذي يوجد لباريس حوار معه ، وبين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يوجد للاليزية افضل العلاقات معه ، وبين الضاحية الجنوبية التي يوجد لباريس وحدها حوار معها، فيما كل دول الغرب لا تتحدث مع حزب الله.

وكل ما تقدم يقول ان غريو أرادت أمس القول من الضاحية الجنوبية ان باريس هي الجهة الوحيدة التي تستطيع أن تكون الوسيط المقبول من كل الأطراف، لضمان تنفيذ اتفاق هوكشتاين، ولقيادة مسعى تنفيذ التقاسم غير المباشر للغاز في مرحلة إستخراجه و إنتاجه بين لبنان و اسرائيل ، خاصة وان نصر الله كان فصل بين اتفاق هوكشتاين واتفاق فيينا، وكانت هذه دعوة واضحة من حزب الله لواشنطن ولاوروبا تقول من يريد التوسط بشأن اتفاق هوكشتاين، فليتحدث مع حارة حريك.. وعليه بات مفهوما لماذا غريو ، بهدا التوقيت، طرقت باب الضاحية الجنوبية ولماذا فتح لها نصر الله الباب.

ان غريو من خلال زيارتها أمس للضاحية ، بدأت رحلة قيادة فرنسا للمسعى الخارجي لإنتاج تسوية صياغة ضمانات حول كيفية تقاسم بيروت وتل ابيب الغاز المستخرج من حقول لبنان واسرائيل، وهذه مرحلة تحتاج لتفاوض مكمل لمهمة هوكشتان، وربما تكون أصعب وأهم في تفاصيلها العملية من مهمة هوكشتاين .. فملف كيف توزع ثروة الغاز هو بلا شك له نفس أهمية ملف كيف تتم ترسيم حدوده.. وواضح أن باريس عبر دبلوماسيتها وعبر استخدام ذراع توتال، استلمت ملف كيفية التوزيع غير المباشر لثروة الغاز بين لبنان وإسرائيل؛ ويلاحظ هنا انه بمقابل ان غريو كانت أمس في الضاحية ، فإن ممثل لاسرائيل كان أول امس في باريس ليبحث مع توتال حصة إسرائيل من الغاز المشترك مع لبنان !!..

ولا شك أن عربة مصالح توتال التي تقودها الاليزية في لبنان مدعومة من واشنطن، ومتفاهما عليها مع حزب الله ، لا يزال فيها متسع لتحمل معها ايضا تسوية لملف استحقاق انتخاب فخامة الرئيس العتيد: فالغاز على ما يبدو لن يكون فقط هو ثروة اقتصادية للبنان ، فقد يكون ايضا ثروة سياسية لبلد الأرز.