فنلندا والسويد تواجهان معضلة أمنية قبل الانضمام رسميا إلى الناتو

نشرت صحيفة “فاينانشال تايمز” تقريرا حول مصير انضمام الدولتين الاسكندنافيتين فنلندا والسويد لحلف الناتو ومدى استفادتهما من ضمان الأمن الجماعي بموجب المادة 5.

وكان دخول إحدى المقاتلات العسكرية الروسية الأجواء السويدية لفترة وجيزة، الجمعة الماضية، 29 أبريل، قد تم تفسيره بأنه تحذير للبلاد التي يحتدم فيها الجدل حول الانضمام إلى الناتو إلى جانب جارتها فنلندا. حيث حذرت روسيا مرارا وتكرارا من “عواقب عسكرية وسياسية وخيمة ستتطلب استجابة مناسبة”، إذا ما تقدمت الدولتان الاسكندنافيتان بطلب الحصول على عضوية الناتو، وهو وضع متزايد الاحتمال.

فانضمام الدولتان إلى الناتو يعني أن تصبحا مشمولتين، بموجب المادة 5، بقانون الدفاع الجماعي، الذي يجعل من الهجوم على عضو من التحالف بمثابة هجوم على التحالف بأكمله. إلا أن ما يقلق البلدان بشكل خاص هو الفترة التي تسبق حصولهما على العضوية الرسمية، بينما لا يزال تطبيق مثل هذا الضمان معلقا.

لذلك يركز كثيرون في فنلندا، الأكثر تقدما بين دولتي الشمال الأوروبي من حيث الاستعداد، على طبيعة الدعم الذي يمكن أن يقدمه الناتو ودوله الأعضاء الثلاثين خلال فترة هشة قد تستمر لأشهر أو حتى ربما عام أو أكثر.

يقول أحد الدبلوماسيين الأوروبيين إن انضمام الدولتين إلى الناتو سوف يكون “استفزازا كبيرا”، وسوف يستعد الفنلنديون والسويديون لأي عدد من الهجمات الهجينة والسيبرانية من جانب روسيا، على الرغم من أن القليل منهم يعتقدون حاليا أن المواجهة العسكرية أمر محتمل.

كذلك فقد تغيرت التوقعات من الدعم من الحلفاء أيضا خلال شهرين منذ التدخل الروسي في أوكرانيا، الذي هز النظام الأمني في أوروبا، وأجبر دولتي الشمال الأوروبي على إعادة التفكير في وضع عدم الانحياز.

فالحديث لم يعد يدور حول الضمانات الأمنية، ولكن عن المساعدة وإعلانات الدعم الصريحة بمجرد تقديم الطلبات، من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وحلف الناتو نفسه.

من جانبه صرح مستشار السياسة الخارجية لحزب الائتلاف الوطني، جماعة المعارضة الرئيسية في فنلندا، هنري فانهانين: “يفهم الجميع أن ضمانات المادة 5 ليست مطروحة على الطاولة، لكن ذلك لا يعني أنه لا يمكن تحسين أمننا الإقليمي بطرق أخرى. يمكن أن تكون هناك تصريحات سياسية، وتبادل للمعلومات، ورفع لمستوى التعاون الدفاعي مثلما يحدث في تدريبات بحر البلطيق”.

كذلك صرح مسؤولون فنلنديون آخرون بأنهم فوجئوا بعدم تعرضهم لمزيد من الأذى الروسي بالفعل، بالنظر إلى ضرورة التصرف السريع من جانب موسكو، لمنع الفنلنديين من الانضمام إلى الناتو.

وكان الرئيس الفنلندي، سولي نينيستو، قد وعد بإعلان موقف البلاد بحلول 12 مايو الجاري، مع توقعات في هلسنكي بأن طلب الانضمام سوف يتبع ذلك بسرعة. ردا على ذلك، هددت روسيا بنقل أسلحة نووية إلى مدينة كالينينغراد الروسية المطلة على بحر البلطيق، على الرغم من تصريحات ليتوانيا بأن موسكو ربما كانت قد أقدمت على ذلك بالفعل في عام 2018.

وصرح مسؤولون فنلنديون بأنهم يريدون تجنب الانطباع بأنهم يرسلون رسالة إلى روسيا أو يعاقبونها، وإنما يصرون على أن هدفهم هو تعزيز أمنهم من خلال الانضمام إلى منظومة الدفاع الغربية. لهذا فمن المحتمل أن يكون هناك مزيج من الإجراءات، بعضها سيتم الإعلان عنها، والآخر سيظل مخفيا، حيث ستكون التصريحات السياسية من الحلفاء الرئيسين وكذلك الناتو علنية، على أن يكون مزيد من الترتيبات الدفاعية الملموسة سريا، وفقا لما صرح به مسؤول كبير من “الناتو”، معقبا: “فالغموض جزء كبير من الردع”.

من جانبه صرح الأمين العام لـ “الناتو”، ينس ستولتنبرغ، الأسبوع الماضي بأنه يتوقع أن يكون التعامل مع طلب البلدين “سريعا”، حتى أن مسؤولين قالوا إن العضوية الرسمية لكل من فنلندا والسويد يمكن أن تستغرق أسبوعين.

لكن الأمر سيستغرق وقتا أطول بكثير بالنسبة لجميع دول الناتو للتوقيع على العضوين الجديدين، حيث استغرقت عملية التصديق على مقدونيا الشمالية، أحدث الدول المنضمة إلى الحلف، تسعة أشهر.

وقالت مديرة المجلس الأطلسي لشمال أوروبا، آنا ويسلاندر، إنها تتوقع أن يقوم الناتو وحلفاؤه بإجراء تدريبات ومناورات في الدولتين، بينما يمكن أن تنضم فنلندا والسويد إلى مهام الدوريات الجوية الدفاعية للتحالف في دول البلطيق. وأشارت إلى قوة المشاة المشتركة، وهي مجموعة بقيادة بريطانيا تتكون من 10 دول بما في ذلك السويد وفنلندا، يمكن استخدامها لتوفير الطمأنينة للدولتين. وتابعت: “من الممكن تجاوز هذه الفترة من خلال عدد من الخطوات والتصريحات غير الرسمية في هذه الفترة من قبل الحلفاء الرئيسين والعمل مع (الناتو)”.

وقال مستشار السياسة الخارجية الفنلندي، فانهانين، إن الانضمام السلس سيكون أيضا من مصلحة الناتو، مرددا وجهة النظر الفنلندية بأن “مصداقية الحلف ستكون على المحك، حال حدوث أي شيء”، مضيفا أن المساعدة التي تتلقاها فنلندا والسويد ستكون رسالة “مدروسة بعناية”.

وفقا له، فإنه على الرغم من أننا بحاجة إلى إشارات ردع “يمكن لروسيا قراءتها وفهمها”، إلا أننا، من ناحية أخرى، “لا نحتاج لأي استفزازات غير ضرورية. فمن المرجح أن يكون الوضوح في هذه الحالة خيارا أفضل من الغموض.

المصدر: فاينانشال تايمز