“الدواء…لمن استطاع إليه سبيلا”

كتبت أريج الدنف


” لو ما الله عم يبعتلي ولاد حلال لأمن حق الدوا او لفوت عالمستشفى،كان السرطان قتلني من زمان..بس ما ارحمه السرطان قدام هالسلطة المجرمة”.
بهذه العبارات المؤلمة التي تخنقها الدموع،عبرت هنية. ز (٣٢ سنة) عن المعاناة التي يعانيها مرضى السرطان في رحلة علاجهم الطويلة،مع كل ما يرافقها من ألم نفسي و جسدي.
وضع مرضى السرطان في لبنان بمواجهة المرض الخبيث من جهة و بمواجهة السلطة الحاكمة التي تنهش بأرواحهم و أجسادهم و تحرمهم حق الحصول على الدواء و العلاج و تقضي على آخر آمالهم بالشفاء و التعافي.
لم يسلم مرضى السرطان من تداعيات الأزمة الاقتصادية و الارتفاع الهيستيري للدولار،مما ادى الى انقطاع العديد من الأدوية و ما دفع ايضا بعض التجار الى احتكار بعضها و رفع سعرها تماشيا مع سعر صرف السوق او بالأحرى وضعها في خانة السلع التي تباع بالسوق السوداء.

و بهذا يكون الدواء بمتناول الميسورين فقط،فالمواطن العادي ليس لديه القدرة لشراء دواء يفوق سعره ضعف الحد الأدنى للأجور، لا سيما بعد فقدان الأدوية من وزارة الصحة و من صيدليات الجمعيات التي اعتادت على تقديمها مجانا. و اصبح المريض بدائرة الخطر مباشرة مما دفعه للتظاهر و الاعتصام أمام وزارة الصحة للمطالبة بالحصول على الدواء.
الا انه و كما جرت العادة و عند استحقاق اي ملف يعنى بشؤون المواطن و صحته،تتقاذف المسؤوليات بين الوزارة و الحكومة و الشركات المستوردة من جهة و بينهم و بين البنك المركزي من جهة أخرى،ليبقى المواطن وحده ضحية جلاديه و ضحية وجوده في بلد يفتقر الى ادنى مقومات العيش الكريم.
و بدوره وزير الصحة الدكتور فراس الأبيض نفى ان يكون هو المسؤول عن فقدان الأدوية من السوق، و أشار في المؤتمر الصحفي الذي عقده في مستشفى رفيق الحكومي آذار الماضي، ان المسؤولية كاملة تقع على عاتق البنك المركزي الذي لم يعد يؤمن الاعتمادات اللازمة لتأمين أدوية الأمراض المزمنة و المستعصية، ولا حلول أمامنا سوى تأمين هذه الاعتمادات.


و بهذا تكون الدولة ممثلة بحاكم مصرفها،قد حكمت بالموت على آلاف المرضى عن سبق ارادة و تصميم.
ولأن بات محتما على المواطن ان يجد حلولا بنفسه لمشاكله بعيدا عن منطق الدولة، غصت مواقع التواصل الاجتماعية بنداءات الإغاثة لتأمين ثمن دواء او تغطية كلفة علاج لمرضى السرطان ، مما شكل مساحة دعم و تعاطف كبير بين الناس الذين لبوا النداء و ساندوا بعضهم البعض و لا سيما بين اوساط المغتربين الذين لم يترددوا بإرسال” الفريش دولار “لإخوانهم في الوطن لمساندتهم في محنتهم.
كما تلعب الاحزاب دورا مهما بتغطية تكاليف علاج شريحة كبيرة من الناس تحت مسمى “عالميل”، الأمر الذي ساهم بالحد ولو قليلا من تفاقم هذه الأزمة و أثبت ايضا ان المجتمع بإرادته و عزمه قادر على إدارة الأزمات أكثر من الدولة نفسها.
يبقى المواطن المحايد،غير المحسوب على حزب او فئة معينة،ولا سبيل له الى التواصل الاجتماعي، الحلقة الأضعف و الأقرب الى الموت بفعل جرائم دولته.


سيبقى المواطن ضحية الفساد المستشري ما لم تتم محاسبة كل من له صلة بوصول لبنان الى ما هو عليه اليوم.و المحاسبة لن تكون الا في صناديق الاقتراع،فهل نستيقظ في صبيحة ١٦ ايار على لبنان جديد يحمل آمالا و وعدا و نصرا لكل مظلوم،أم انه سيكون نصرا جديدا لمنظومات فاسدة يطعن في قلب الحريات و يعدم ما تبقى من حقوق؟!