بوريس جونسون تحت الضغط.. تفاصيل مثيرة لتعيين قطب إعلام روسي الأصل في “اللوردات” البريطاني

نجح الشاب الروسي الأصل يفغيني ليبيديف في نسج علاقات قوية مع النخبة السياسية البريطانية، بفضل امتلاكه لتكتل إعلامي مؤثر في الساحة البريطانية، خصوصا علاقته القوية برئيس الوزراء بوريس جونسون والتي ظهر أنها تعود لحوالي عقد من الزمان.

وجد رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون نفسه في موقف لا يحسد عليه، بعد أن كشفت صحيفة بريطانية، عن تجاهله لتحذيرات مخابرات بلاده من منح رجل الأعمال البريطاني ذي الأصول الروسية يفغيني ليبيديف عضوية مجلس اللوردات البريطاني.

وأماط تقرير لصحيفة “صنداي تايمز” (The Sunday Times) اللثام عن تفاصيل مثيرة، لتعيين رجل الأعمال الروسي في مجلس اللوردات، برعاية ودعم من جونسون الذي تربطه علاقة صداقة قوية مع ليبيديف، متجاهلا تقارير صادرة في سنة 2020 من المخابرات الداخلية البريطانية “إم آي 5” (MI5) وكذلك مكتب المخابرات العسكرية “إم آي 6” (MI6).

ووصفت تقارير المخابرات رجل الأعمال الروسي بأنه قد يشكل خطرا محتملا على الأمن القومي للبلاد، إلا أن الصحافة البريطانية تحدثت عن تدخل مباشر من جونسون لتغيير تقييم المخابرات، وهو ما وصفه الإعلام باتفاق سري بين جونسون والمخابرات لسحب هذا التحذير.

الحرب في أوكرانيا جددت إثارة أسئلة حول تسمية ليبيديف لوردا مدى الحياة في الغرفة العليا للبرلمان البريطاني (الفرنسية)

ابن ضابط المخابرات

بخلاف رجال الأعمال الروس الذين طالتهم العقوبات البريطانية، فإن يفغيني ليبيديف (41 عاما)، وصل إلى بريطانيا وهو في سن الثامنة، عندما شغل والده منصبا دبلوماسيا في سفارة الاتحاد السوفياتي بلندن.

عاش يفغيني في العاصمة البريطانية وتعلم فيها وخبر حياة البذخ والترف بين أحيائها الراقية، وورث عن والده ثروة طائلة، فوالده ألكسندر ليبيديف يعتبر من أثرياء روسيا، وفي سنة 2008 تم تصنيفه في المرتبة 38 بقائمة أغنى الشخصيات في روسيا، وكانت ثروته حينها تقدر بأكثر من 3 مليارات دولار.

وقبل أن يراكم ألكسندر هذه الثروة، اشتغل ضابطا كبيرا في جهاز المخابرات التابع للاتحاد السوفيتي “كيه جي بي” (KGB)، وبعدها مسؤولا في جهاز المخابرات الخارجية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

ورغم أنه نشأ في لندن، فإن علاقة يفغيني مع روسيا لم تنقطع، لدرجة أنه حاول أن يختار لقب “لورد موسكو” عند تعيينه في مجلس اللوردات البريطاني، إلا أن طلبه قوبل بالرفض.

نجح يفغيني في نسج علاقات قوية مع النخبة السياسية البريطانية، بفضل امتلاكه لتكتل إعلامي مؤثر في الساحة البريطانية، فهو مالك لأغلبية الأسهم في جريدة “إيفنينغ ستاندارد” (Evening Standard) وصحيفة “إندبندنت” (Independent) وقناة “لندن إيفنينغ” (London Evening).

وظل الشاب الروسي الأصل دائما علامة استفهام للصحافة البريطانية والأميركية، خصوصا علاقته القوية جدا مع رئيس الوزراء بوريس جونسون والتي ظهر أنها تعود لحوالي عقد من الزمان، وهو ما دفع صحيفة “نيويورك تايمز” (New York Times) للقول إنه “لا أدل على العلاقة الحميمية بين الروس والمؤسسات البريطانية من يفغيني ليبيديف”.

صديق جونسون

تقول صحيفة “غارديان” (The Guardian) البريطانية إن العلاقة بين جونسون يفغيني تعود لسنة 2009 عندما كان جونسون عمدة لمدينة لندن، وكان يفغيني المشرف برفقة والده على صحيفة “إيفنينغ ستاندارد”، التي أيدت الحملة الانتخابية لجونسون سنة 2012، وظهر حينها أن العلاقة بين الطرفين قوية جدا.

وفي سنة 2015 ظهر الرجلان معا في حملة للتنويه بظاهرة التشرد في صفوف قدماء العسكريين البريطانيين، وبعدها بسنة أيضا حضر يفغيني وفق جريدة “غارديان” اجتماعا في منزل جونسون حضره قادة من المحافظين من أجل دعم الخروج من الاتحاد الأوروبي.

في سنة 2016 بدأت صحيفة “إيفنينغ ستاندارد” الترويج لجونسون باعتباره الخليفة الجيد لرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، وظلت العلاقة القوية بين الرجلين مستمرة وظهرا معا في حفلة أقامها رجل الأعمال الروسي سنة 2017، حينها كان جونسون وزيرا لخارجية بلاده وكان من الشخصيات البارزة التي حضرت الحفل حتى نهايته.

ويصف جونسون يفغيني بأنه “قوة رئيسية من أجل الخير”، وعند وصول جونسون لرئاسة الوزراء توطدت العلاقة بين الرجلين، لدرجة أن جونسون تحدى مخابرات بلاده، لمنح صديقه مقعدا في مجلس اللوردات، وهو المنصب الذي يبقى فيه صاحبه مدى الحياة، ويعتبر منحة من الملكة بتوصية من رئيس الوزراء.

المخابرات تحذر

سبق ليفغيني ليبيديف أن أثار غضب المخابرات البريطانية، عندما شكك في تقرير لوزارة الداخلية البريطانية تتهم فيه روسيا، بالوقوف خلف تسميم العميل الروسي السابق ألكسندر ليتفينينكو سنة 2006، بل ولمح لإمكانية أن يكون جهاز المخابرات البريطاني “إم آي 6” هو المسؤول عن عملية التسميم.

وظل المخابرات البريطانية ترصد تحركات يفغيني لسنوات، ما دفعها للوصول لخلاصة مفادها أن “الرجل قد يشكل تهديدا على الأمن القومي للبلاد”، خصوصا بعد التقارير التي تحدثت عن ربطه لعلاقات شخصية مع الرئيس الروسي بوتين، بل إنه لعب دور الوساطة بين بوريس جونسون عندما كان وزيرا للخارجية وبين موسكو في قضية تسميم العميل المزدوج سيرغي سكريبال.

لست عميلا لروسيا

يواصل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون نفيه للقيام بأي ضغط أو تجاهل لتحذيرات المخابرات البريطانية، رغم أن اللجنة البرلمانية المختصة في النظر في الترشيحات لمجلس اللوردات البريطانية، طلبت من جونسون إعادة النظر في ترشيح يفغيني بناء على تقارير المخابرات.

حينها رد جونسون على تنبيهات اللجنة البرلمانية، بأنها نابعة من “معاداة كل ما هو روسي”، قبل أن يتغير تقييم المخابرات حول يفغيني في ظروف غامضة، ويتم تعيين رجل الأعمال الروسي في مجلس اللوردات ويحمل لقب “لورد سيبيريا”.

وبسرعة تفاعل رجل الأعمال الروسي مع الجدل المثار حول تعيينه في مجلس اللوردات عبر رسالة نشرها على صحيفة “إيفنينغ ستاندارد”، ينفي عن نفسه تهمة العمالة لروسيا أو العمل لصالح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وأكد رجل الأعمال الروسي أنه لا يشكل أي خطر على بريطانيا “البلد الذي أحبه، صحيح أن والدي كان ضابطا في المخابرات السوفياتية إلا أن هذا كان منذ سنوات طويلة وأنا لست عميلا لروسيا”.

رسالة رجل الأعمال البريطاني ذي الأصول الروسية، ربما لن تكون كافية لإغلاق هذا الملف، بعد مطالبة زعيم المعارضة كير ستارمر بفتح تحقيق في خلفيات تعيين يفغيني في مجلس اللوردات وكيف تم تجاوز كل التحذيرات الأمنية.

المصدر : الجزيرة