2019 عام البدء بإعادة إعمار سوريا.. أين لبنان؟

أخبار عربية – مقالات

أكرم الفهد

عاد الحديث عن إعادة إعمار ​سوريا​ ليأخذ زخما أكبر في الأسابيع الاخيرة من العام المنصرم ، مع سيادة الاعتقاد في الاوساط السياسية الدولية عن ان العام 2019 سيكون عاما مفصليا في الازمة ال​سورية​ سواء لانجاز الحل السياسي ، او على الاقل الشروع به ، وقد عزز هذا الانطباع ان سوريا بدأت تخرج نفسيا وواقعيا من حالة الحرب ، ما سمح لها بتسريح عشرات الاف الجنود من الخدمة الالزامية ، كأحد الامثلة المعبرة عن الواقع الجديد .

وقد شهدت الايام الاخيرة من العام 2018 توقيع سوريا وحليفتها الاستراتجية ​إيران​ ، بالأحرف الأولى ، اتفاقية ​التعاون الاقتصادي​ الاستراتيجي طويل الأمد بين البلدين ، مع الاعلان الصريح للجانب السوري بان ل​طهران​ والشركات الايران​ية الخاصة والعامة الاولوية في المرحلة المقبلة في مشاريع اعادة اعمار ما هدمته الحرب ، وان هذه الاتفاقية تقيم تعاوناً شاملا على المستوى المالي والمصرفي ما سيتيح فرصة كبيرة للشركات الإيرانية لأن تكون حاضرة في مجال الاستثمار في سوريا.

من جانبها، اعلنت طهران أن ​غرفة التجارة​ الإيرانية شكلت منذ العام 2017 فريقا لإعادة الإعمار في سوريا بالتعاون مع بعض ​الغرف التجارية​ الإقليمية من أجل توفير الخدمات الفنية و​الهند​سية للشركات الإيرانية خاصة في بناء السدود والجسور ومحطات ​الطاقة​ والمصافي وإمدادات ​المياه​ وصناعة الأغذية والزراعة و​السياحة​ الصحية وبناء الطرق ووحدات سكنية.

كما تخلل ذلك العام توقيع دمشق وطهران عدة اتفاقيات لتحسين إنتاج الكهرباء وتوزيعها في سوريا في المناطق التي دمرتها الحرب، وتشمل الاتفاقيات التجهيزات وشبكة ال​هاتف​ ومحطات ​توليد الكهرباء​، وتشمل المشاريع المقترحة والمقدرة بمئات الملايين من ​اليورو​، بناء محطة توليد كهرباء جديدة في اللاذقية (شمال شرق سوريا) بقوة 450 ميغاوات، وبناء وإصلاح محطات حرارية في بانياس وحلب وحمص.

وهذه الاتفاقيات تضاف الى سلسلة اتفاقيات مع إيران منحت لمستثمرين إيرانيين استغلال منجم ​الفوسفات​ جنوبي سوريا ورخصة شبكة هاتف جوال وإقامة ​مرفأ​ نفطي بحري .وتأتي الاتفاقية الجديدة الموقعة نهاية العام 2018 لتكمل تغطية كافة نواحي المشروع الكبير ب​اعادة اعمار سوريا​.

ايران وروسيا

لاشك ان إيران هي الداعم الإقليمي الأساسي لسوريا ، ولكن ثمة منافس جدي من العيار الثقيل هو روسيا الحليفة الرئيسية على المستوى الدولي ، وقد باشرت اولى خطواتها في مشروع اعادة الاعمار من خلال ارسالها خلال العام المنصرم آلاف الاطنان من مواد ومعدات البناء إلى سوريا للمساعدة في “إعادة إعمار ​البنية التحتية​ الأساسية في المناطق المحررة من الإرهابيين” ، وفقا لبيان وزارة الخارجية الروسية .

هذه الخطوة على أهميتها تبقى رمزية ارادت منها ​موسكو​ توجيه رسالة الى العالم بضرورة الشروع بالتفكير بهذه العملية ، وقد ارفقت ذلك بالتقدم الى مجلس الامن لاتخاذ قرار باطلاق عملية اعادة اعمار سوريا ، الا ان القرار لم يصدر بسبب معارضة الدول الكبرى وعلى رأسها ​الولايات المتحدة​ الاميركية.

وقبل الحديث عن المعوقات الدولية لاعادة الاعمار في سوريا يجدر التوقف عن التباين ​الروسي الايراني​ حول الملف والذي يعكس التنافس المضمر حتى الآن  ، فكما منحت دمشق الاولوية لطهران ، الا انها ايضا اعلنت ان للشركات الروسية الاولوية ايضا ، وهذا التنافس ظهر في تصريحات بعض المسؤولين الايرانيين الذين عبروا عن انزعاج طهران من استحواذ روسيا على ملف إعادة الإعمار في سوريا في محاولة لإقصائها منه. وتعتقد ايران ان بإمكانها التكامل مع روسيا في العملية ، فوجود الواحدة لا يلغي دور الاخرى.

وايا يكن فان لموسكو اليد الطولى في سوريا ، وهي كانت قبل الحرب تستثمر بشكل رئيسي في قطاع النفط ، ومن المتوقع ان يستمر ذلك كونه قطاعا هاما في ​الاقتصاد السوري​ ، بالاضافة الى الاستحواذ على كل ما يتعلق باستثمار ​الثروات​ الطبيعية الاخرى.

لقد عكس توجه روسيا الى مجلس الامن حقيقة ان موسكو غير راغبة ولا تقدر على دعم الجزء الأكبر من إعادة الإعمار ، والتي قد تفوق كلفتها 400 مليار دولار ، ولهذا السبب يضغط الروس على ​أوروبا​ والبنك الدولي للحصول على المال، لكن الأميركيين يعرقلون تلك المساعي.

​أميركا

الموقف الاميركي من اعادة اعمار سوريا واضح للغاية ، فهو يقوم على شرطين ، اولا ان يتحقق الحل السياسي الذي يرضي المعارضة ، فواشنطن اعلنت ​بصراحة​ انها لن تنفق دولارا واحدا على بلد يحكمه الروس والايرانيون . واذا كان بالامكان التفاهم مع الروس الا ان الولايات المتحدة تشترط الانسحاب الكامل للقوات الايرانية او الدائرة في فلكها ، قبل التفكير باي دعم.

اما الشرط الثاني ، فيتوافق مع سياسة الرئيس ​دونالد ترمب​ التقليدية ، اي بجعل الآخرين يدفعون بدلا من الولايات المتحدة ، وقد قالها بصراحة في تغريدة له على تويتر: “انه أمر جيد أن تقوم دول ثرية بمساعدة جيرانها بدلاً من دولة عظمى تبعد آلاف الأميال”، في اشارة الى المملكة العربية ​السعودية​ ، التي وعدته بالمساهمة الجدية في اعادة الاعمار ، ودائما حسب قول ترمب. ولكن اي اعلان رسمي سعودي لم يصدر في هذا الشأن.

 دمشق

عند تطبيع العلاقات اللبنانية السورية يمكن اعادة تفعيل الاتفاقيات الموقعة مع دمشق وتطويرها، وهي تشمل جوانب اقتصادية مهمة ، فاذا ما طبقت فانها تعطينا أفضلية كبيرة للانطلاق  في العام الجديد الواعد اقتصاديا لسوريا… فأين سيكون لبنان ؟