هوكشتاين يرجئ عودته والشروط تقيّد وساطته…

يترقب لبنان بحذر نتائج المساعي التي يقوم بها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين لتثبيت التهدئة على جبهة الجنوب، وسط استمرار التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم ضد “حزب الله” لإبعاده عن منطقة جنوب الليطاني.

ففي جولة هوكشتاين الاخيرة بين لبنان وإسرائيل وهي الثالثة منذ هجوم “طوفان الأقصى” واندلاع المواجهات على جبهة الجنوب، لم يُسجل تقدم يمكن البناء عليه لاطلاق التفاوض حول القرار 1701، وذلك رغم الإصرار الأميركي على منع الحرب التي باتت أكثر احتمالاً خلال الأسابيع المقبلة مع انسداد الأفق حول التوصل إلى وقف لاطلاق النار، والتصعيد الذي عكسه موقف وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خلال لقائه هوكشتاين الثلثاء الماضي، وتلويحه بالحسم العسكري في حال فشل الجهود الديبلوماسية.

في ظل الانسداد الحاصل على جبهة الجنوب، وفشل الوساطات لإعلان الهدنة في غزة، بدأت تُطرح تساؤلات حول مهمة هوكشتاين وإمكان استمرارها مع انشغال الأميركيين بالانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني المقبل، ما يعني تخفيف الضغوط على بنيامين نتنياهو الذي يستمر بحربه على غزة ويلوح بنقلها إلى لبنان، في ظل حديث إسرائيلي عن استعدادات لشن هجوم بري أو توسيع نطاق الحرب بين أذار ونيسان ما لم تتوقف عمليات “حزب الله”. وإذا كان لبنان ومعه الحزب يعتبران هذه التهديدات نوعاً من التهويل، إلا أن الوقائع تشير وفق مصدر ديبلوماسي متابع، إلى أن إسرائيل تضع خططاً لاجتياح الجنوب يتولى رسمها كبار الضباط في الجيش، تحاكي حرب غزة، أو توسيع المعركة الحالية التي باتت تدمر أحياء بكاملها في القرى الحدودية.

وبالفعل شهدت جبهة الجنوب تغيّرات كبرى مع استئناف المبعوث الأميركي مهمته لتهدئة الوضع واطلاق التفاوض في ظل المعركة المحتدمة التي بات “حزب الله” يعتبرها لحماية لبنان، بعدما كانت لمساندة حماس. وما يزيد المخاوف هو أن هوكشتاين لم يتمكن من وضع أسس يمكن الانطلاق منها للتهدئة، علماً أن جولته في لبنان تخفي وفق المصدر الديبلوماسي بعض التفاصيل المتعلقة بتسوية الوضع، وبينها قد يفسر بأنه رسائل تهديد وشروط أو تحضير للبنان من مغبة استمرار المواجهة جنوباً. ومن ضمن التفاصيل أو ما يحكى عن اقتراحات، وقف العمليات العسكرية لـ”حزب الله” في الجنوب ومختلف الأنشطة المرتبطة بها في منطقة عمل قوات اليونيفيل وسحب الأسلحة الثقيلة إلى مناطق شمال الليطاني، فيما يطالب لبنان بتطبيق إسرائيل للقرار الدولي ووقف الطلعات الجوية والخروق في سماء لبنان، لكن وقف الحزب لعملياته مرتبط بوقف اطلاق النار في غزة، وهو ما يعني أن لا فصل أقله حتى الآن بين الجبهتين.

التطورات في الجنوب الذي بات الجبهة الوحيدة المنخرطة في مساندة حماس، بعدما تراجعت عمليات المقاومة في سوريا والعراق، تفاقم الأخطار وتزيد المخاوف من إمكان انفجار الوضع، لا سيما مع التحذيرات المستمرة للبنان من جهات دولية عدة حول استمرار المواجهات. وهذه التحذيرات جاءت قبل تعثر مسار الهدنة في غزة، إذ أن إسرائيل كانت ستواصل عملياتها العسكرية في لبنان وتوسع نطاقها، وهو ما عكسه كلام هوكشتاين في بيروت من أن هدنة غزة قد لا تنسحب على لبنان، علماً أن المبعوث الأميركي، كان يقصد بوضوح ان جبهة لبنان مع إسرائيل باتت مفتوحة بما يعني أن لا عودة إلى ما قبل 7 تشرين الأول 2023، وبالتالي باتت الشروط واضحة لوقف الحرب الإسرائيلية بمعزل عن غزة، أي انسحاب “حزب الله” مع أسلحته من جنوب الليطاني إلى منطقة لا يعود ممكناً فيها استخدام الأسلحة المضادة للدروع.

لكن فشل الهدنة في غزة بفعل شروط الاحتلال واستمرار الحرب، واحتمال اجتياح رفح، لا يعني ترك جبهة الجنوب على حالها، فالحرب الإسرائيلية على لبنان قد تحدث مع الهدنة أو من دونها. ويقول المصدر الديبلوماسي في هذا الصدد أن حكومة نتنياهو التي لم تثنها الضغوط الأميركية، مصممة على تهجير الفلسطينيين من غزة، وهي تستغل الانشغال الاميركي بالانتخابات لتنفيذ مخططاتها. وهذا الامر سينعكس حكماً على جبهة الجنوب حيث ستتراجع مساعي واشنطن بما فيها وساطة هوكشتاين لتجنيب لبنان الحرب، وقد تتراجع ضغوطها على بنيامين نتنياهو الذي يسعى لتوسيع نطاق الحرب على لبنان وفرض أمر واقع لا تستطيع الإدارة الاميركية معه وقف التصعيد.

في الواقع، حمل هوكشتاين في جولته الاخيرة أوراقه إلى لبنان قبل أن ينتقل إلى تل أبيب، على وقع حرب إسرائيلية باتت اشد شراسة عبر التصعيد المتمادي بالقصف والتدمير في القرى الحدودية لمنع الأهالي من العودة إلى منازلهم، وهو ما يعني إطالة أمد الحرب. وتأتي هذه الخطة الإسرائيلية لفرض أمر واقع قد يقيّد وساطة هوكشتاين في المرحلة المقبلة، اي تحقيق هدف المنطقة العازلة بالقوة عبر افراغ القرى بحيث تصبح عودة النازحين اللبنانيين شبه مستحيلة إلا بشروط انسحاب المقاومة، وهو أمر يرفضه “حزب الله” حتى الآن، ما يعني أن الحرب قد تستمر وتتوسع اقله في منطقة جنوب الليطاني. ويندرج التصعيد الإسرائيلي وفق المصدر الديبلوماسي ضمن سياسة طمأنة سكان المستوطنات، من أن جيش الاحتلال مصر على إبعاد مقاتلي “حزب الله” من القرى المتاخمة للحدود. وقد يكون هذا التدمير هو بروفة لسيناريو هجوم عبر جعل المنطقة أرضاً محروقة تهيّئ للاجتياح.

وعلى هذا، اصطدمت خطة هوكشتاين بالوضع الميداني الذي يشير حتى الآن إلى توسع العمليات العسكرية الإسرائيلية، فالضغوط الأميركية تمنع توسع الحرب فقط حال موافقة الأطراف على الانتقال إلى مرحلة المفاوضات، وهي مرحلة صعبة بفعل ما رسخته إسرائيل بالنار. والأساس في التصعيد الإسرائيلي يبدو أنه لمنع العودة إلى القواعد السابقة في الجنوب وهو ما يرفعه هوكشتاين أيضاً، أي أن التهدئة ستكون مرتبطة هذه المرة باتفاق شامل يؤدي إلى انسحاب “حزب الله” وليس بتفاهمات سياسية ضمنية.

المشكلة أن “حزب الله” يتعامل مع الامر وكأنه يمكن إذا توقفت الحرب في غزة، العودة إلى المعادلات السابقة، ولهذا السبب يعتبر أن التهديدات الإسرائيلية هي مجرد تهويل، وأن المقاومة قادرة على الحاق الهزيمة بالاحتلال. فيستمر بربط جبهة الجنوب بغزة، ويرفض الاتفاق جنوباً من دون غزة، مستسهلاً وفق المصدر الديبلوماسي أنه يمكن العودة إلى المرحلة السابقة، فيما الحرب الإسرائيلية التي تكسر قواعد الاشتباك تدمر قرى الجنوب وترفع شعار عودة مستوطنيها أولاً على الحدود الشمالية.

كل الاحتمالات باتت واردة على جبهة الجنوب، إذ أن هوكشتاين لم يقدم حتى الآن إجابات للبنان عن مساعيه، وقد تتأخر عودته ما لم تحدث تطورات تسمح بالتأسيس لاطلاق المفاوضات والتسوية، فيما يرتفع سقف الشروط الإسرائيلية حول لبنان، وتستمر جبهة الجنوب مشتعلة مع هدنة في غزة أو من دونها، وهو ما يزيد الاخطار من حرب مفتوحة قد تكون نتائجها أكثر تدميراً من كل الحروب السابقة.

النهار