حراك داخلي خارجي للتهدئة.. وأفكار معارضة لتحريك الاستحقاق الرئاسي

 كتبت صحيفة “الجمهورية”: إرتفع أمس منسوب التوقعات بتوسّع المواجهات التي تشهدها الجبهة الجنوبية الى حرب واسعة في ضوء المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الاسرائيلي في مدينة النبطية وبلدة الصوانة واستمرار التهديدات الاسرائيلية بالهجوم على لبنان، فيما نقل موقع «المونيتور» عن مصدر ديبلوماسي فرنسي، قوله «إننا نعمل مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على تجنّب اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل و»حزب الله». ورأى أنّه «لا ينبغي انتظار وقف إطلاق النار في غزة لبدء تهدئة التوتر بين إسرائيل و»حزب الله»، مشيرًا إلى أنّ «المقترح الفرنسي لخفض التصعيد يتضمّن نشر آلاف الجنود اللبنانيين على الحدود».

وأفادت صحيفة «يسرائيل هيوم»، نقلًا عن مصادر، أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن بحثا في محادثاتهما الأخيرة قضية التوصّل إلى اتفاق مع لبنان. ولفتت المصادر إلى أنّ «إسرائيل متشائمة إزاء إمكانية التوصّل إلى اتفاق في شأن لبنان قبل انتهاء الحرب في غزة». ونقلت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إنّ «المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين يعتقد أنّ التوصل لاتفاق تبادل أسرى سيعمّق الحوار مع «حزب الله».

أفكار لمبادرة رئاسية

فيما لم تشهد جبهة الاستحقاق الرئاسي أي تطور ملموس يوحي باقتراب موعد إنجازه، لم يعرف بعد موعد مجىء الموفد الفرنسي جان ايف لودريان الذي كان قد التقى قبل يومين وزير الخارجية المصري سامح شكري.

وقال مصدر في تجمّع نواب المعارضة لـ»الجمهورية»، انهم بدأوا نقاشاً واسعاً فيما بينهم (31 نائباً) حول مجموعة افكار لتحريك الاستحقاق الرئاسي، لكن هذه الافكار ما تزال في البدايات ولا يمكن الكلام عنها قبل نضوجها وستتم ترجمتها في مبادرة رئاسية جديدة تنطلق من طرح اسمٍ وسطي مقبول لدى الغالبية السياسية، والضغط لعقد جلسات انتخابية متتالية للخروج من الشغور الرئاسي، مشددين في الوقت نفسه على انّ الحل يجب ان يكون لبنانياً وبما يُناسب مصلحة لبنان.

المرّ وأماني

في غضون ذلك، زار النائب ميشال الياس المر أمس السفير الايراني في لبنان مجبتى اماني، وتناول البحث خلال اللقاء الاوضاع في لبنان والمنطقة.

وأعلن المر، عبر موقع «انستغرام»، انه «ضمن جولتِنا الديبلوماسية واتصالاتِنا السياسيّة تبقى السفارَة الإيرانية محطَة أساسية على الساحة المحليّة والإقليميّة، وتبقى ثقافَة الحِوار والانفِتاح، لمَا يخدم المصلحَة الوطنيّة، هي الأسَاس. ومصلحَتنا اليوم، في الإستقرار والتعَاون، لانتِظام الحيَاة الدستوريّة، وبناء قِوام الدَولة والمؤسسات، وهذا لا يتحَقق بالمُعارضة السلبيّة، بل بالشراكةِ والمشاركةِ الفِعليّة».

لقاءات الحريري

من جهة ثانية، وفي جَوجلة لـ»الجمهورية» حول انطباعات زوّار الحريري من كتل نيابية وقوى حزبية وشخصيات سياسية مختلفة زارته في «بيت الوسط»، خرج الجميع بانطباع واحد مفاده انّ الرجل متمسّك بقراره تعليق العمل السياسي. لكنّ الخلاصات والاستنتاجات تعددت. وبحسب ما قال الزوّار لـ»الجمهورية» انّ «استنتاجاتهم تُفيد انّ الحريري يرى انّ ظروف عودته الى العمل السياسي اليومي لم تنضج بعد، وان المناخ القائم في لبنان والمنطقة لا يسمح بالمغامرة والعودة الى العمل السياسي في بلد منهار كُلّياً بل لا حياة فيه فعلياً، خصوصاً لجهة غياب الدولة واضمحلالها، ما يدفعه الى البقاء خارج اللعبة السياسية اليومية لأنه لن يتمكن من إنتاج ما يفيد البلد».

وأكد الحريري لزوّاره أنه كان حريصاً خلال غيابه على متابعة اوضاع لبنان بكل تفاصيلها السياسية والامنية والاقتصادية. ما دفع بعض الزوار الى الاعتقاد انه لا يريد ان يحرق نفسه في هذا الجو غير المساعد ويُفضّل ان تتاح ظروف افضل تُمكّنه من العمل بإنتاجية.

لكن الحريري، يضيف بعض زواره، لاحَظ «إيجابيات تمر بها المنطقة لجهة الحوارات والمفاوضات القائمة بين ايران والسعودية، وبين ايران والولايات المتحدة الاميركية». معتبراً انها «ستريح المنطقة اذا أسفرت عن نتائج ايجابية كما ستفيد لبنان في المحصّلة الطبيعية، حتى لو استغرقت وقتاً حتى تتبلور نتائجها، لكنه يعتقد انّ الوقت ليس لمصلحة لبنان لذلك يجب استغلال الفرص المتاحة لمعالجة ما يمكن من مشكلات».

وقد لمسَ الجميع لدى الحريري تأكيداً وحرصاً على ضرورة إيجاد طريقة او فرصة لخرق الجمود في الشغور الرئاسي ووجوب انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت حتى يستقيم عمل المؤسسات الدستورية ويَنتظِم. وهو قال ما مفاده «لا يمكن للبنان ان يستمر في هذه الفوضى الداخلية، خصوصاً في ظل الظروف الاقليمية الصعبة القائمة، لذلك يجب معالجة ما يمكن من مشكلات قائمة».

وأشار الحريري، في دردشة له مع صحافيين امس، إلى أنّ «الناس قالت كلمتها أمس في 14 شباط»، مؤكدًا «أنني لا أرى انه حان وقت عودتي للعمل السياسي». ولفت إلى أنّ «لبنان يعاني أزمات عدّة، والامور لا تنتظم الّا بعودة المؤسسات وأوّلها انتخاب رئيس للجمهورية»، موضحًا أنّ «الفراغ في البلد مُميت للدولة من دون حلول والكتل النيابية مسؤولة عمّا يحصل».

وذكر الحريري أنّ «رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية صديقي تمامًا كما الوزير السابق جهاد أزعور». وقال: «هناك أحزاب لديها تواصل مع إيران، ولكن هذا لا يعني ان ليس لدى «حزب الله» أيّ هامش في العمل في الداخل اللبناني»، مضيفًا «صحيح أنني علّقتُ العمل السياسي، ولكن مش يعني الواحد ما يعطي رأيو». وأوضح أنّ «تجربة تسوية عام 2016 فاشلة لكنّ ذلك لا يعني انّ كل التجارب فاشلة»، مضيفًا: «لم أكن «راكضاً» لكي أكون رئيس حكومة لكنّي اضطررتُ لذلك، وأتمنى أن يأتي شخص غيري بخبرة أكبر». وقال: «اذا لمستُ أن سنّة لبنان يميلون نحو التطرف، ساعِتها أنا بتدَخّل». واعتبر أنّ «كل ما يُكتب عن علاقتي مع السعودية لا صحة له، فأنا علّقتُ العمل السياسي بقرار مني وليس بقرار من أي أحد آخر، ونقطة على السطر».

وزار الحريري مساء أمس رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، وخلال اللقاء «جرى عرض للاوضاع العامة وآخر المستجدات»، بحسب معلومات رسمية.

مجزرة وردود

جنوباً، ارتكب العدو الاسرائيلي ليل امس الاول مجزرة في حق المدنيين في مدينة النبطية ـ حي المسلخ، بعد ارتكابه مجزرة أخرى في بلدة الصوانة، حين أغار على مبنى سكني من 3 طبقات مليء بالعائلات ولا وجود حزبياً او عسكرياً فيه، ما أدى الى سقوط 7 شهداء من نساء واطفال، واصابة 8 مواطنين آخرين بجروح، وانهيار المبنى المستهدف على مَن فيه.

وفي رَدّ أولي ‌‏على مجزرتي النبطية والصوانة، هاجمت ‏»المقاومة الإسلامية»، بعد ‌‏ظهر امس،‏ مستعمرة كريات شمونة بعشرات صواريخ الكاتيوشا.‏ وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية انه «تم إطلاق صاروخين مضادين للدبابات على كريات شمونه من دون إنذار، تلاه وابل من 9 صواريخ، أعقَبه قصف آخر من 3 صواريخ». وانقطعت الكهرباء عن المدينة.

وظل التوتر مسيطراً طوال نهار أمس وليله على محاور الجنوب، حيث لم يوقِف العدو الاسرائيلي اعتداءاته على القرى الحدودية فيما دماء شهداء مجزرة النبطية لم تجف بعد، فشَنّ الطيران الحربي المعادي قبل الظهر غارتين على منطقة اللبونة في اطراف الناقورة، تلتها غارات جوية عنيفة على منطقة وادي السلوقي وحي «أبو طويل» في عيتا الشعب ترافقت مع قصف مدفعي على مارون الراس ومحيطها. وبعد الظهر استهدف الطيران المسيّر المعادي بلدة بليدا بثلاثة صواريخ. فيما سجّل قصف مدفعي لأطراف علما الشعب والضهيرة ومنطقة «عين الزرقاء» بين الناقورة وعلما الشعب وطيرحرفا. وتعرّضت أطراف بلدة حولا لقصفٍ متقطع، ورشقات رشاشة باتجاه بلدة الوزاني.

وعصراً، تعرضت اطراف راشيا الفخار لقصف متقطع. وطاولَ القصف أطراف الناقورة وعلما الشعب والضهيرة والجبين ويارين وشيحين، ووادي السلوقي. وألقى العدو قذائف ضوئية في أجواء موقع الناقورة البحري. وأغار الطيران الحربي بين بلدتَي مارون الراس وعيترون وعلى منزل في بليدا، وتعرضت بلدات مركبا ووادي السلوقي ورب ثلاثين لقصف بالقذائف الفوسوفورية.

في المقابل، أعلنت المقاومة استهداف ‌‏التجهيزات التجسسية في موقع رويسات العلم وثكنة زبدين في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة ومواقع الراهب والمرج والسماقة بالأسلحة الصاروخية.‏ وافادت وسائل إعلام إسرائيلية عن تفعيل الدفاعات الجوية قرب مدينة عكار وإطلاق صفّارات في مستعمرتَي زرعيت وشوميرا في الجليل الغربي ثم في كريات شمونة، وسط معلومات عن سقوط صواريخ في وسطها حيث هرعت سيارات الاسعاف الى المكان. وأفادت «القناة 12» العبرية عن إطلاق صاروخين مضادين للدروع على موقع للجيش الإسرائيلي في سلسلة جبال الرميم في الجليل الأعلى.

ومساء، أفادت المعلومات عن استهداف المقاومة 5 مواقع اسرائيلية في القطاع الغربي وسقوط صواريخ في مستعمرة كريات شمونة. كذلك استهدفت المقاومة موقع بركة ريشا و‏تجمّعاً للجنود الاسرائيليين في محيط ثكنة زرعيت. ونَعت المقاومة أمس 6 من مقاتليها استشهدوا خلال المواجهات.

وبثّت قناة «كان» العبرية أنّ «الجاهزية عالية جداً في الشمال… اليوم دخلنا فصلاً جديداً من الحرب مع «حزب الله»… الايام المقبلة ستكون صعبة».

تهديدات

وعلى وَقع التصعيد الذي شهدته الحدود الجنوبية والتوسع في رقعة الاستهدافات بين الطرفين خلال الساعات الماضية، ارتفعت وتيرة التهديدات المتبادلة بين إسرائيل و»حزب الله».

فقد أبلغَ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الى نظيره الأميركي، لويد أوستن، ان «لا تَهاون في الرد على هجمات حزب الله».

ونقلت قناة «العربية» عن غالانت قوله: «طائراتنا في سماء بيروت تحمل قنابل ثقيلة وقادرة على ضرب أهداف بعيدة، والتصعيد الراهن ضد «حزب الله» ليس سوى عُشر ما نستطيع القيام به، ويمكننا الهجوم حتى عمق 50 كلم في بيروت وأيّ مكان آخر» .

ولاحقاً، قال غالانت: «انّ سيناريو الحرب سيكون ثمنه باهظاً لإسرائيل ولكن أيضاً كارثياً على لبنان وحزب الله».

وفي الاطار نفسه، ذكرت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي انّ «جهاز الأمن أجرى تقييماً في شأن استعداد الجبهة الداخلية لسيناريو الحرب في الجهة الشمالية».

مواقف دولية

وقد شددت الأمم المتحدة على ضرورة وقف «التصعيد الخطير للعنف بين الجيش الإسرائيلي و»حزب الله» في جنوب لبنان». وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك: «إن التصعيد الأخير هو بالفعل خطير ويجب أن يتوقف. وقوات حفظ السلام التابعة لبعثة الأمم المتحدة في لبنان لاحَظت تحوّلاً في تبادل إطلاق النار بين القوات الإسرائيلية والمجموعات المسلحة في لبنان شَملَ استهداف مناطق بعيدة عن الخط الأزرق» الذي يفصل بين إسرائيل ولبنان».

واعتبر وزير الخارجية الفرنسية ستيفان سيجورنيه «أنّ الوضع في لبنان خطير لكنّه لم يبلغ نقطة اللاعودة»، مشيراً إلى «أنّ فرنسا منخرطة في حلّ النزاع، بهدف تجنّب حرب جديدة في لبنان».

فيما أبدى الناطق باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، قلقَ واشنطن من التصعيد بين الطرفين، ولكنّه قال إنّها لا تزال تحاول الدفع قُدماً لحلّ هذه القضية ديبلوماسيّاً ومنع توسّع الصراع.

الى ذلك قال وزير خارجية ايرلندا، مايكل مارتن، إنّ «خطر التصعيد في لبنان وارِد، ونحن قلقون من الأوضاع هناك»، مشيراً إلى أنّ أي تصعيد سيترك آثاراً سلبية على اللبنانيين. وقال عقب لقائه المفوّض العام للأونروا فيليب لازاريني: «لا نريد مزيداً من التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل».

إدانة وشكوى

لاقت مجزرة النبطية إدانة واسعة، وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري انها «تدلّ على الطبيعة العدوانية والعنصرية لهذا العدو الذي لم يعد خافياُ أنه على نقيض في أدائه ونهجه مع كل ما هو إنساني، وأنّ بنك أهدافه المُعلن والخفي هم المدنيون وكل مقوّمات الحياة في وطننا ومنطقتنا». ووضَعَ هذه المجزرة «برَسم الموفدين الدوليين والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان، لا لتدين وتستنكر إنما لتتحرّك بشكل عاجل وفوري لوقف آلة القتل الاسرائيلية وكبح جماح قادة كيان الإحتلال الذين يأخذون المنطقة نحو حرب لا تحمد عقباها».

ودانَ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي «العدوان الاسرائيلي المتمادي على جنوب لبنان والمجازر الجديدة التي يرتكبها في حق المواطنين اللبنانيين». وأعلن «تقديم شكوى جديدة عاجلة ضد اسرائيل الى مجلس الامن الدولي» وقال: «في الوقت الذي نشدّد على التهدئة وندعو جميع الاطراف الى التزام عدم التصعيد، نجد العدو الاسرائيلي يتمادى في عدوانه، مما يدفعنا الى طرح السؤال على المعنيين الدوليين بالمبادرات عن الخطوات المتخذة لِلجم العدو».

وفي غضون ذلك، اعلن نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، خلال حفل تأبين للشهداء حسن ترمس وحسين حاريصي وأحمد ترمس، في بيروت «لاءات ثلاثة» هي: «أولاً، لا تراجع عن مساندة غزة ما دام العدوان قائماً مهما كان الثمن ومهما كانت التطورات. ثانياً، لا نخضع للتهديدات ولا للتهويلات الإسرائيلية أو الغربية مهما كانت، لأنّنا أهل الميدان، ولأنّنا نعتبر أنّ الدفاع واجب وبغيره لا استقرار ولا وجود لنا في هذه المنطقة ولا لقضية فلسطين. ثالثاً، لا نقاش لدينا حول مستقبل الجنوب اللبناني على ضفّتيه من جهة فلسطين ومن جهة لبنان إلَّا بعد أن يتوقف العدوان الكامل على غزة، عندها تجري النقاشات. وكل النقاشات التي تجري الآن وكل الاقتراحات التي تُقدَّم هي نوع من إضاعة الوقت أو التسلية أو ما شابَه ذلك، لأنّنا غيرُ معنيين بها لا من قريب ولا من بعيد».

وأشار الرئيس السابق للحزب «التقدّمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، في تصريح عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أنّ «القرار 1701 إذا تمّ تطبيقه بشكل صحيح على جانبَي الحدود، يجب أن يوقِف المزيد من التصعيد ويمنع التدمير المُتبادَل».