تدمير 90% من الجامعات: هكذا أجهز “العدوّ” على قطاع التعليم الغزّي

| يوسف فارس |

تفيد المعلومات الأخيرة الآتية من مربّع الجامعات غربي مدينة غزة، والذي تقدّمت إليه الدبابات الإسرائيلية قبل نحو أسبوعين، بأن جيش العدو نسف أخيراً عدداً من مباني «جامعة الأقصى» الحكومية، ليتمّم بذلك مَهمّته في تدمير نحو 90% من مؤسسات التعليم العالي في شمال وادي غزة. ويُعد مربّع الجامعات الذي جالت «الأخبار» فيه في مطلع شهر كانون الثاني الماضي، واحداً من أكثر شوارع القطاع ازدحاماً، وهو يشكّل مركز المؤسسات التعليمية العليا في غزة عموماً، إذ يضمّ ثلاثاً من كبريات الجامعات التاريخية.

ومن بين هذه الأخيرة، «الجامعة الإسلامية» التي أُسّست عام 1978 وتتربّع على مساحة تتجاوز الـ100 دونم، ويدرس على مقاعدها أكثر من 20 ألف طالب، و«الأزهر» التي افتُتحت عام 1991 (15 ألف طالب)، و«الأقصى الحكومية» العائدة إلى عام 2001، فضلاً عن مبنى التدريب التابع لـ«وكالة غوث وتشغيل اللاجئين» (أونروا)، ووزارة التربية والتعليم، والعشرات من المدارس، وكبريات المكتبات والمطابع والمراكز التعليمية ومراكز الأبحاث.

وتعرّضت تلك المؤسسات لنوعين من التدمير؛ الأول هو ما تسبّب به القصف الإسرائيلي والجرافات الإسرائيلية بشكل مباشر، على غرار حالة «الإسلامية» التي تعرّضت مبانيها الرئيسية لقصف مباشر، أتى على أجزاء كبيرة منها، من مثل مبنى المختبرات العلمية، والمكتبات المركزية، وقاعة المؤتمرات، ومباني تخصّصات الطب والهندسة، وعدد من مباني تعليم الإناث. أما المباني التي سلِمت من الهدم، فأتمّت القذائف الحارقة مَهمّة تحويلها إلى رماد، من مثل «جامعة الأقصى»، الجامعة الوحيدة التي كانت قد سلمت من القصف والعبث حتى وصولنا إليها في جولتنا الماضية، والتي أفادت مصادر ميدانية، «الأخبار»، بتعرّض مبانيها للنسف بالديناميت.

وبالنسبة إلى الشكل الآخر للتدمير، فهو العبث في كل ما تحتويه الجامعات من كنوز ثمينة، باتت عرضة لعمليات سرقة منظّمة، أو عبث غير مسؤول، وذلك بعدما تركت وحدات أمن الجامعات، تلك المباني، إثر اشتداد حدة القصف الجوي. في مبنى المكتبات المركزية في «الجامعة الإسلامية»، مثلاً، المُكوَّن من ست طبقات، والذي كان يحوي مخطوطات تاريخية ومراجع علمية يعود تاريخها إلى آلاف السنين، من الممكن أن يصيبك ما تشاهده في باحة الجامعة، بالغثيان: الآلاف من الكتب التي سلِمت من القصف، ممزّقة، وجزء منها محروق على الأرصفة. يقول أحد النازحين: «جاءت عصابات من اللصوص، وسرقت مبالغ مالية كبيرة، وعاثت في الجامعة فساداً. الأهالي البسطاء أحرقوا مئات الكتب لطهو الطعام، أو لأغراض التدفئة».

على أن تلك الخسارة، ليست سوى ذرّة رماد من حجم ما تمّ تدميره، إذ ستشاهد وأنت تتجوّل بين المباني المدمّرة، المئات من أجهزة مبنى المختبرات العلمية، الذي كان يحوي الآلاف من أجهزة الفحص المخبري، ومعدات التجارب العلمية، وقد تعرّضت للتكسير والتخريب والعبث. ويمكن القول إن كل مباني «الجامعة الإسلامية»، بما تحتويه من مراجع ومعدات علمية وأجهزة حاسوب وأثاث، تعرّضت لتخريب ممنهج، مصدره الأول القصف، الذي تسبب بإخلاء الجامعة من حاميتها الأمنية، ثم عصابات السرقة والتخريب التي تعمل جنباً إلى جنب العدو في إتمام مهمته، وأخيراً، العبث الذي تسبب به تحوّل المباني إلى مراكز إيواء سكنها عشرات الآلاف من النازحين، ممّن تباينت بينهم مستويات الثقافة والإدراك لقيمة المكان الذي يقيمون فيه. هؤلاء، اضطروا للاستفادة من محتويات الجامعة لتدبّر حاجاتهم اليومية، كإشعال النار للطهو والتدفئة، ولا سيمّا في وسط حصار تعرّضوا له هناك امتدّ أشهراً، ولم يكن ثمة ما يمكن استخدامه في مواجهته، سوى مقدرات الجامعة وكتبها وأثاثها.

وينعكس كل ما تقدّم، على حال «جامعة الأزهر» التي حازت تاريخياً سبق افتتاح قسم الطب البشري والطب المخبري، وتضمّ أيضاً «مكتبة جواهر لال نهرو» التي لا تقل أهميةً عن مكتبة «الإسلامية»؛ إذ بعدما سلِمت مباني «الأزهر» من القصف، ولم يطاول الهدم سوى أجزاء من مبنى «الدراسات الأزهرية»، طاول النهب والعبث كل مرافق الجامعة، بعد أن حُوّلت في وقت سابق إلى مركز إيواء، سكنه عشرات الآلاف من النازحين. وكانت الأسوار الخارجية للجامعتين الأخيرتين، هدمتها الجرافات الإسرائيلية تماماً، ما حوّل باحتيْها إلى شوارع يمر بها المشاة. يقول أحد رجال الأمن في «الإسلامية»: «كنا قد أعددنا خطة طوارئ لحماية الجامعة، لكنّ الحملة الجوية خلال الـ20 يوماً الأولى من الحرب، ابتدأت من الرمال الجنوبي، حيث تعرّضت مباني الجامعة ومقرات الأمن الجامعي للقصف. وأمام ذلك، لم تعد متاحة مواصلة العمل، انسحبنا بعدما تعرّض عدد من الزملاء للإصابة ومقتل آخرين، تمركزنا في مكان قريب من الجامعة، لكن بعدما تحوّلت مدينة غزة إلى ميدان قتال عنيف، لم يعد هناك ما يمكن فعله».

ويتابع الرجل، في حديثه إلى «الأخبار»: «عدنا بعد عدة أيام من انسحاب دبابات العدو من المنطقة، وجدنا أسوار الجامعة مهدومة، وأكثر مبانيها مقصوفة، وقد خربت كل محتوياتها بأيدي جنود العدو أنفسهم، من خلال التكسير والحرق، ثم أتم اللصوص والعابثون المهمة». وعلى بعد عدة كيلومترات من مربّع الجامعات، وفي منطقة المغراقة تحديداً، التي تحوّلت إلى مجمّع توسعي لمباني الجامعات الحديثة، حيث كانت قد بنت كل من جامعتَي «الأزهر» و«الإسراء» مبانيَ حديثة الطراز، تعرّضت كل المرافق الإنشائية للقصف العنيف.

على أن الحرب الإسرائيلية لم تطاول المقدرات المادية للقطاع التعليمي فحسب، إنما لاحقت كادره البشري أيضاً؛ إذ اغتال جيش الاحتلال أكثر من 100 دكتور وعالم وأستاذ جامعي منذ بداية الحرب، من بينهم رئيس «الإسلامية»، البروفيسور سفيان تايه، الذي صُنِّف خلال العام الماضي، واحداً من أفضل 10 كفاءات علمية في العالم في مجال الهندسة المدنية. ووفقاً لبيان نشره «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان»، نفّذ جيش الاحتلال «هجمات متعمّدة محددة ضد شخصيات أكاديمية وعلمية وفكرية، العشرات منها قُتلت في غارات مباشرة استهدفت منازلها من دون سابق إنذار، لتُقتل سحقاً تحت الأنقاض مع عائلاتها». ووثّق «الأورومتوسطي»، حتى تاريخ الـ20 من كانون الثاني الماضي، اغتيال أكثر من 94 أستاذاً جامعياً، ومئات المعلمين وآلاف الطلبة، من خلال غارات طاولت علماء الجامعات على نحوٍ مقصود لذاتهم».

ولفت إلى أن من بين قائمة المستهدفين «17 شخصية تحمل درجة البروفيسور، و59 تحمل درجة الدكتوراه، و 18 درجة الماجستير»، وهي موزعة على مختلف المجالات العلمية، وغالبتيها تمثل «مرتكزات العمل الأكاديمي في جامعات غزة»، وفق البيان، الذي أشار إلى أن الحصيلة غير نهائية، وسط تقديرات بوجود أعداد أخرى من الأكاديميين المستهدفين. أيضاً، ذكر «المرصد» أن إسرائيل دمّرت على نحو مباشر وممنهج كل الجامعات في قطاع غزة المحاصر، على مراحل.

الاخبار