الطبيعة ضحية السياسة و الانتخابات

تقرير الإعلامية أريج الدنف


حل الشتاء بعبئه الثقيل على اللبنانيين الذين ضاقت بهم كل سبل العيش، في بلد خاوته الاوجاع و بدأ بالانهيار تدريجيا منذ اندلاع انفجار ٤ آب مرورا بشلل الحكومات وصولا الى ازمة الدولار و ارتفاع اسعار النفط.


وكان الشتاء طويلا قاسيا على اهل الجبل الذين لاج البرد ابوابهم دون رحمة و تركهم امام عدة خيارات ارحمها مرّ عليهم. فالاستعدادات لم تكن كافية كالعادة، و اليوم الاسود اتى على غفلة منهم، فصرفوا كل ما ادخروه بالجيب، اما القليل المتبقي بين ايديهم فيتركهم في حالة تساؤل و حيرة، أيؤمنون به قوت يومهم او يذهبون به الى عملهم؟ ام يصرفونه على التدفئة و هي هاجسهم الوحيد.


تعدّ التدفئة محور القلق الوحيد لسكان الجبال لا سيما اذا كان في المنزل اطفال او مسنين، فلا يمكن ان تنطفئ نار الموقدة ابدا.


كل وسائل التدفئة في لبنان باهظة الثمن خاصة لمحدودي الدخل او لعدمه، فقارورة الغاز التي كانت ملاذا للعديدين اصبحت اليوم صعبة المنال بعد ان تجاوز سعرها المئتي و ثمانين الف ليرة لبنانية، و كذلك طن الحطب تجاوز سعره الثلاثة ملايين ليرة اي ما يفوق معاش موظف.


اما المازوت، فهو لغز الالغاز في بلد اصبح كل شيء فيه مباح و مشروع. فهو عدا عن انه يتداول بالدولار الامريكي حصرا، و في اغلب الوقت مقطوع او محتكر من قبل الموزعين و المحطات، الا انه اصبح مادة دسمة للتحضير للانتخابات النيابية المقبلة اذ احتكرته الاحزاب و وزعته باسمها بسعر اقل بكثير من سعر السوق و بالليرة اللبنانية، و بهذا تستطيع الماكينات الانتخابية احصاء الاصوات الموالية لهم من خلال رسائل نصية على ال whatsapp و من دون اي عناء.


و فيما قبل البعض بتسجيل اسمائهم و الرضوخ للضغوط السياسية، مع غياب دور الجمعيات و البلديات، رفض العديد الانصياع للأمر الواقع رغم الضائقة المادية الشرسة.


هناك اعداد لا يستهان بها من سكان الجبال تحت خط الفقر، و تشكل البطانيات وسيلتهم الوحيدة التدفئة اذ لا قدرة لهم على تأمين اي وسيلة اخرى.


و في ظل غياب الدولة و قراراتها العشوائية و سياستها غير المدروسة، تدفع الطبيعة مرة جديدة الثمن باهظا، اذ عمد العديدون، و بتوجيهات من جهات مختصة، الى قطع الاشجار و استعمال حطبها التدفئة. و بما ان الرقابة غير موجودة، أضحت بعض الشوارع شبه خالية من الاشجار او اشجارها مبتورة الاغصان بشكل واضح و مشوّه.


و لم يتوانى اهل القرى النائية عن استعمال اي طريقة بديلة و متوفرة التدفئة، كأوراق الشجر، اكواز الصنوبر، الثياب، اكياس النايلون، و بقايا معاصر الزيتون ليدفوا بهم انفسهم و اولادهم.


و فيما احتكر التجار الحطب ورفعوا سعره، و فيما تتخبط الناس بأوجاعها و تتجه للطبيعة لتلبية حاجاتها من اي غصن شجر يمكن الوصول اليه،او يتوسلون شراء كيس الحطب بمئة الف، نجد ان موسم التزلج في هذا الجبل نفسه كامل الحجوزات و بالدولار الامريكي، و نجد احد الزوار يقف متباهيا ينتقي قطعة حطب محددة الحجم و النوع ، ثمن دفى ليلته و بالدولار الامريكي ايضا.


و كأن كل ما كان ينقص هذا البلد بعد، هو عدم قدرة المواطن على تأمين مستلزمات التدفئة حتى يزداد تشويها و دمارا. و كأنه حتم على اللبناني الفقير ان يحرم الطبيعة و كل مقومات العيش الكريم فيها. و كأنه كتب له ان يسجن في حبس كبير، ان بقي فيه  دفن حيا و ان خرج منه اكلته نيران الغربة و القهر.


فإلى متى سنبقى و طبيعتنا الخلابة ضحايا السياسات الفاشلة و الخلول الآنية التي تزيد المشاكل عمقا؟