الهجرةُ هي الخلاصُ الوحيدُ . تلكَ العبارةِ باتَت على لسانِ كلِّ لبنانيٍّ ذاقَ مرارةَ العيشِ


” الهجرةُ هي الخلاصُ الوحيدُ “. تلكَ العبارةِ باتَت على لسانِ كلِّ لبنانيٍّ ذاقَ مرارةَ العيشِ وَسَطَ كمٍّ هائلٍ من الفسادِ، التبعيةِ السياسيةِ، سوءِ الوضعِ الإقتصاديِّ وداخلَ موطنٍ باتَ شبهَ مَأوًى مُحصَّنًا للأقليَّةِ فقط.
فنسبةُ ٧٧٪؜ في لبنان َيفكرونَ بالهجرةِ ويسعَوْنَ إليها وهذه النسبةُ هي الأعلىَ بينَ كلِّ البلدانِ العربيةِ.
وقد كان من الجديرِ إلقاءُالضوءِ على بعضِ الحلولِ التّي تساهمُ ببطلانِ هذه الظاهرةِ المتفشيةِ وبعثَ الأملِ من جديدٍ لأبناءِ الوطنِ الواحدِ، من خلالِ مقابلةٍ خاصةٍ مع الصحافي والناقد الأستاذ ” بيار أبي صعب “.
العقولُ هي ثروةٌ مفقودةٌ في لبنان.
كيف يمكنُ استعادةَ هذه الثروةَ من خلالِ مخطّطٍ إصلاحيّ توجيهيّ يُثمر حتى سنة 2030؟
إستقطابُ الأدمغةِ التي هاجرَت أمرٌ بديهيٌّ ولكنّه لا يُعنى فقط بالأدمغةِ والعقولِ إنّما يُعنى أيضًأ بالكفاءة والمهارات في المجالات المتعدّدة منها الصحيّة، المعرفيّة، التعليميّة وغيرها، أي كلّ ما له علاقة بالعالم الإفتراضي وتطبيقاته.
فالغربُ قامَ بنهشِ الكفاءاتِ اللبنانية واستقطابها على كافة المستويات، ريثما الطبقة الوسطى، أي الإستقرارِ والإزدهارِ في لبنان، دمّرتها الحربُ سابقًا وقضَت عليها الأزماتُ المتتاليةُ إلى حدّ الإفقار.
وقد يكمنُ الحلُّ الأنسبُ بخلقِ أرضية حقيقيةٍ تستعيدُ تلك الكفاءات وتحتفظُ بها، إلى جانبِ الأدمغة والعقول، مما يفرضُ تطبيقَ سياسةٍ تنمويةٍ حقيقيةٍ داخلَ كافةِ القطاعات.
ومن الناحيةِ الأخرى، على القطاعِ الخاص أن يُغني رأسماله ويزيد من أرباحه، بوجودِ قطاعٍ عامٍ نظيف، يُغرّي تلك الأدمغةِ أكثرَ من دول الخارج. كذلك، يُحتّم بناءَ إقتصادٍ صحيٍّ سليم، إضافةً إلى وضعِ حدّ لكلّ أشكالِ الهدرِ والفساد. وتكمنُ أهميةُ دعمِ القطاعاتِ التربويةِ والتعليميةِ بشكلٍ أساسي، إلى جانبِ خلقِ سوقٍ داخليّ وصناعاتٍ على أنواعِها بأسعارٍ تنافسية يمكنُ تصديرَها للخارج، كذلك الإستيراد والإستهلاك الأعمى.
كما شددّ الصحافي بيار أبي صعب على ماهيةِ الإنتاجِ المحليّ وبناءِ سياسةٍ صناعية زراعية، تربوية وتقنية تخدم كافة القطاعات وتحييها.

ما هي التدابيُر التّي ُيمكنُ التسلّح بها لتحقيقِ تغييرٍ جذريّ يضمنُ بقاءَ أبناءِ الوطنِ بخلاف الحكومة السابقة؟
للإجابة عن هذا السؤال أبعادٌ عدّةٌ أهمها سياسية أكثر منها إقتصادية. علينا أن نأتي أوَّلًا بنخبٍ مستقلةٍ كفوءةٍ بإنتخاباتٍ نيابيةٍ تعملُ للنفعِ العامِ ولمصلحةِ الدولة وشبابها في الوطن، لا لمنظومةٍ فاسدة. ويُكمن كلّ هذا بسياسةٍ إقتصاديةٍ للمصلحة العامة لا لجيوبِ أصحابِ السلطة، فتزدهرُ عندها سائرُ القطاعاتِ حتى يعودُ لبنان كما كان، من إعادة بناء سياسة تربوية جديدة وبنى تحتية واستخراج النفط بلا صفقات.
وأشارَ أبي صعب إلى ضرورة اللجوءِ إلى وضع سياساتٍ إقتصاديةٍ حقيقيةٍ من كافة الطبقات، لبناء بلدٍ مستقرٍ دون أيّ عنفٍ وتعصب. وتبقى إمكانيةُ فرزِ سياساتٍ حسبَ القدراتِ والمساهمةَ في رؤيا إقتصادية جديدة هي الأساس، بالإبتعادِ عن مبدأ الدَين من الخارج وعمليةَ تطهيرٍ وتنقيةَ إقتصادٍ يفرزُ الصفقات، لإسترداد الأموال وعودتها للشعب.
كيف من الممكنِ أن نتصدّى للهجرة ومن مسبّباتِها الأزمةَ الإقتصادية، في ظلّ تقاعسِ الدولة عن دورِها في احتضانِ شباِبها في ربوعِها بدلَ اللجوءِ إلى الخارج؟
حكايةُ لبنان والهجرة طويلةُ الأمدِ ولا يزالُ المواطنُ اللبنانيّ يتأثّرُ بها نظرًا لغرابةِ وسوِء مراحلَ تاريخِ لبنانَ القديم . إنّ وطنَنا لبنانَ منهارٌ إقتصاديًا، كما أصبحت الجاليةُ اللبنانيّة الجديدةُ بلا علمٍ وعمل، تلجأُ للهجرة بسبب انعدامِ الفرصِ التي لا تتيحُ لها تحقيقَ أحلامِها لبناءِ مستقبلٍ مزدهر.
وقد تتفشى أنواعُ الهجرة على أنواعها، فهناكَ الهجرةُ الإقتصادية، الهجرةُ السياسيّة أو تلكَ في زمنِ الحروب أي في القرن التاسع عشر.
وعندما تستقطبُ دولُ الخارجِ معظمَ أبناءِ الوطنِ فيطمحون للهجرة إليها بأعدادٍ هائلة، فإنَّ هذا الوطنَ بحدّ ذاته لا يستحقُ الحياة، بل عليه أن يعيدَ النظرَ بنفسه، بأدواته وأسسِه القانونية والأخلاقية، بمنظومته الإقتصادية ونظامِه السياسيّ حرصًا على مستقبلِ أبناء شعبه.
أشارت الإحصاءات المثبّتة، على أنَّ طلبات الهجرة يوميًا تعادل ال ٣٤٠٠٠ طلبًا وأكثرَ من ٢٥٠٠ إلى ٣٠٠٠ جوازَ سفرٍ في اليوم الواحد.
هل برأيكَ هذه الأرقام المخيفة هي ناقوس خطرٍ ينذُر بإقتصادٍ مزر، يؤدي إلى موتِ لبنانَ بغياب شبابه؟
طبعًا، هناك النيةُ المتداولةُ لدى الشبابَ اللبناني في الآونةِ الأخيرةِ لمحاولةِ الهجرةِ بأقصى الطرق، مما يشكّلُ تهديدًا مباشرًا للإقتصادِ اللبنانيّ فيُجرّد من قواهِ المنتجة الحيّة ويُحكَمُ عليه بالإعدام. عندئذٍ يعيشُ لبنانُ بالفقر والتبعيةِ والتخلّف تحت رحمةِ النظام الريعي.
إنَّ أموالَ المغتربين التّي تدخلُ لبنان، قد ساهمَت بحلحلةِ جزءٍ من الإنهيارِ لسنواتٍ عدةٍ ولكنّها ليست باقتصادٍ بديلٍ بل تُختمُ بعودةِ الأدمغةِ العاملةِ لمصلحة الدولِ الخليجية إلى وطنِهم الأم، فيزدهرُ لبنان مجددًا.
وهل الأسوء لم يأتِ بعد ؟
نعم وللأسف ، الأسوءُ لم يأتِ بعد حتّى مع الإنفراجِ بولادةِ الحكومة الجديدة. فهذا النظامُ أعادَ نفسَه بنفسِه، فناهيكَ من رياض سلامة ووزرائه الذين أعادوا التركيبة ذاتها منذ خمسَ عشرةَ سنة حتى اليوم.
وإنَّ الآتي أعظم، فلسيت هناكَ أيةُ بوادرَ لرؤيةٍ إقتصاديةٍ حقيقيةٍ للإصلاح، تبدأُ بإعادةِ بناءِ دولةٍ غيرَ فاسدة تضعُ يدَها على جميع المواردِ إلى جانبِ القطاعِ العام، الهيئاتِ والقضاء. كما يُرجى القيامُ بتوزيعٍ عادلٍ للخسائر، لا أن يتحمّلها الفقراءُ والدولة بل مَن تسبّب بها.
وختمَ موضحًا، بأنَّه لا يجوزُ بيعَ أملاكِ الدولةِ لأنّه سيؤثرُ سلبًا على الإستقرارِ الإقتصاديّ واستعادة الأموال المنهوبةِ من قِبل زعماءِ السلطة، بيدَ أنَّه يجبُ محاسبتِهم تلقائيًا. وبعد هذا الإصلاحِ العادل، تُبنى من جديدٍ قطاعاتٍ عامةٍ صحيّةٍ وإمكانيةَ استردادٍ للكادرات وبناء بُنًى تحتية منها المياه المهدورة

كتبت كريستابيل نجم