بغض النظر عن الحشد الجماهيري الذي أمّ مدينة كميل شمعون الرياضية والطرق المؤدية الى المقام الذي بُني لأمين عام “حزب الله” الشهيد السيد حسن نصرالله في الثالث والعشرين من شباط 2025، والذي تحوّل الى مادة سجالية على الساحة اللبنانية، كالعديد من القضايا التي تتحول فجاءة إلى مسائل تفرّق المكونات اللبنانية بدل أن تجمعهم على بناء وطن لجميع أبنائه. فقد رسم كثيرون، من القوى المؤيدة أو المعارضة للمقاومة في لبنان، أكثر من علامة استفهام حول الخطاب الذي ألقاه الأمين العام الخلف للحزب الشيخ نعيم قاسم، نظراً للمواقف المفصلية التي تضمنها، والتي قد تكون نقطة ارتكاز في مسار الدولة الللبنانية التي سعى إليها البطريرك الماروني الياس الحويك قبل مئة وخمسة أعوام، وأطلقها الجنرال هنري غورو الذي كان يمثل الدولة الفرنسية المنتدبة.
انقسم الرأي بين توصيفين للشيخ المعمم، الذي لم يمض على توليه أمانة عام الحزب سوى بضعة أشهر بالرغم من توليه موقع نائب الأمين العام لثلاثة عقود ونيّف، حيث وصفه بعضهم بالشخصية القوية البارعة والثابتة، في حين ذهب آخرون إلى التشكيك بقدرته على إحداث التغيير المطلوب بعد السيد نصر الله الذي شكّل حالة فريدة منزّهة في قيادة أبرز مجموعة عسكرية خاصة منذ نشوء دولة الاستقلال.
أورد الشيخ قاسم عبارة مفصلية في خطابه رد فيها على من كانوا يتهمون الحزب بأنه “حزب إيران” في لبنان حيث قال: “لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، ونحن من أبنائه”. وكأنه يُسقط كل المقولات والاتهامات السابقة، ويرفع لواء الانضمام إلى الدولة اللبنانية كخيار أخير لا رجعة عنه.
وبذلك يكون قد ردّ على المشككين بالولاء الشيعي للدولة، وعلى مفصلين تاريخيين:
*الأول: إسقاط توجّه المجموعة الشيعية التي التأمت في وادي الحجير عام 1920 وأعلنت رفضها للدولة الوليدة، ما دفع الجنرال غورو للقيام بحملة شعواء على منطقة جبل عامل كادت توازي ما حصل لمنطقة الجنوب عام 2024 من دمار.
والثاني: أن التفوق الشيعي بالسلاح في لبنان الذي لم يتعلم من الدروس الصعبة والدامية التي مرّت على الموارنة في حرب السنتين ومن ثم في الصراع بين “الجنرال” (ميشال عون) و “الحكيم” ( سمير جعجع). ومن ثم على السنّة في العام 2005 (لدى استشهاد الرئيس رفيق الحريري)، ليتيقنوا “على ما يبدو” أن لا شيء يحمي الأقليات في لبنان إلاّ الدولة اللبنانية التي يجب أن تكون عادلة ومنصفة بين الطوائف والمذاهب الثمانية عشر التي تتألف منها.
وبالتالي بات على جميع المكونات أن تتشبث بقناعة أن الدولة هي الملاذ، وأن أي خارج لن يقدم الدعم لأي فريق إلاّ من زاوية مصالحه فقط لا غير، وأنه آجلاً أم عاجلاً سيتخلى عن من يدعمه في طرفة عين!