وسّع جيش الاحتلال عدوانه على قطاع غزة ليل أمس وفجر اليوم. وأعلن الناطق باسم جيش الاحتلال أن عملياته البرية تتوسّع داخل القطاع. لكنّ المعطيات الواردة من الميدان، تفيد بأن الاحتلال يعمل على تحشيد إضافي لقواته قرب الحدود مع القطاع. وقد أعلنت فصائل المقاومة أنها تصدّت للتوغل المحدود، وأطلقت صواريخ مضادة للدروع ضد الآليات، ووردت أنباء عن مواجهات عنيفة مباشرة بين المقاومين وجنود الاحتلال.
وعاشت غزة ليلة هي الأولى من نوعها منذ بدء الحرب، صبّت فيها الآلة العسكرية الوحشية حممها على القطاع مع موجة جنون تدميري، بالتزامن مع قطع الاتصالات الهاتفية والإنترنت لتشديد الحصار على القطاع، والارتقاء درجة في مشروع عزله تماماً عن الخارج، ولمنع أي تواصل بين السكان داخله. وقال مستشار رئيس حكومة الاحتلال: «إن إسرائيل تبدأ الانتقام اعتباراً من الليلة». وأعلن جيش الاحتلال أنه أبلغ وكالتَي «رويترز» و«فرانس برس» بأنه لا يستطيع ضمان سلامة مراسليهما في غزة.
وبحسب وسائل الإعلام العربية والعبرية، كانت الغارات التي تركّزت على شمال القطاع، الأعنف منذ بدء العدوان، إذ احتشدت أكثر من مئة طائرة حربية في سماء القطاع ونفّذت قصفاً متواصلاً بصواريخ ثقيلة، استمر ساعات طويلة، وأدّى إلى تدمير مربّعات سكنية بكاملها، وكل الأبنية القريبة من حدود القطاع الشمالية. وترافق القصف مع تسريبات لجيش الاحتلال عن تقدّم حشوده المدرّعة وقوات المشاة، فيما أعلنت كتائب القسّام أنها اشتبكت مع القوات المتقدّمة وأطلقت عدة صواريخ مضادة للدروع، موقعة إصابات في الآليات، وأن كمائن نُصبت للقوات التي حاولت التوغل مباشرة على الحدود. وأشارت إلى أن الاشتباكات مع قوات الاحتلال شملت أيضاً الحدود الشرقية للمنطقة الوسطى من القطاع. وأدى القصف الوحشي الإسرائيلي إلى انطلاق تظاهرات ليلية في عدد من المدن العربية، ولا سيما في تونس وعمان.
وبحسب مصادر في حركة “حماس” فإن العملية الإسرائيلية ليل أمس، تهدف إلى اختبار قدرة الجيش على التقدّم، ومحاولة استطلاع القوة الدفاعية للمقاومة. وأكّدت المصادر أن العملية ليست متصلة مباشرة بالمفاوضات الجارية بشأن الأسرى المدنيين لدى المقاومة. ورداً على إعلان مصادر إسرائيلية فشل المفاوضات، قالت المصادر إن الوسطاء القطريين والمصريين وغيرهم، فهموا بشكل واضح أن الحديث يدور فقط عن أسرى الاحتلال المدنيين، وأن ملف العسكريين مؤجّل إلى ما بعد وقف العدوان. واتهمت المصادر قوات الاحتلال بعرقلة المفاوضات، لاعتقادها بأن الضغط العسكري سيدفع «حماس» إلى تقديم تنازلات. وأشارت إلى أن المحتل يبدو وكأنه أخطأ في فهم مبادرة المقاومة بإطلاق مدنيين لأسباب إنسانية، ويعتقد أن بمقدوره إجبار المقاومة على إطلاق كل الأسرى.
وعلمت “الأخبار” أن النقاش بين فصائل المقاومة الرئيسية في القطاع حول ملف الأسرى المدنيين أُثير أساساً بسبب وجود هؤلاء في قبضة أكثر من جهة، ولأنه لم تعد ممكنة المبادرة من دون مقابل. وعُلم أن عدد 50 أسيراً مدنياً غير نهائي، وأن التدقيق متواصل لمعرفة مَن مِن هؤلاء لم يخدم في جيش الاحتلال أخيراً. كما أن المقابل الذي تريده المقاومة هو إطلاق نحو 700 من الأسرى الفلسطينيين الذين يعانون أوضاعاً صحية سيئة، إضافة إلى إطلاق الأسرى من النساء والأطفال.
أكثر من مئة طائرة حربية نفّذت قصفاً متواصلاً لساعات ودمّرت مربّعات سكنية بكاملها.
وبحسب المعلومات، فإن المفاوضات تشمل هدنة إنسانية تقول واشنطن إنها وافقت عليها، وإنها تحاول إقناع إسرائيل بها، وتقضي بتوسيع الممر الإنساني بما يسمح بدخول كلّ الاحتياجات الطبية إلى القطاع، بما فيها الوقود، إضافة إلى كميات من المواد الإغاثية بما فيها ما تحتاج إليه المخابز. وبحسب المعلومات، فإن هناك توافقاً بين قوى المقاومة على هذه المطالب، وأن الوسطاء يعرفون أن المقاومة لم تعد في وارد القيام بمبادرات مجانية، خصوصاً في ظل توسع عمليات القصف والقتل والتدمير. وأفيد بأن عزل القطاع عن العالم من خلال قطع الاتصالات الهاتفية والإنترنت، لا يهدف فقط إلى منع نقل صورة ما يفعله المحتل، بل إلى قطع التواصل بين أبناء القطاع أنفسهم، وهو ما أثّر مباشرة على الخدمات الصحية وفرق الدفاع المدني التي عجزت أمس عن الوصول إلى المواقع التي تعرّضت للقصف بسبب انقطاع الاتصالات الهاتفية.
وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري، محمد الخليفي، إن إمكانية إطلاق «جميع المدنيين» المحتجزين لدى حركة حماس «ممكن خلال أيام»، في حال «توقّف القتال». وأوضح في مقابلة مع «سكاي نيوز» البريطانية أن «المفاوضات صعبة»، مشيراً إلى أنه «متفائل بشأن تحقيق انفراجة في ملف المختطفين». وأضاف: «هدفنا إطلاق جميع الرهائن المدنيين. هذا ما نعمل عليه ونريد تحقيقه». لكنه شدّد على أن «الوسطاء يحتاجون إلى فترة من الهدوء للتحدث بشكل منطقي مع الجانبين والتوصل إلى مبادرات إيجابية».
وقال مسؤول غربي لشبكة «سي إن إن» الأميركية إنه تم إحراز «تقدم كبير» في المفاوضات الجارية لتحرير الرهائن. مضيفاً أنه «لا يزال هناك تفاؤل بشأن إمكانية إطلاق سراح المختطفين»، لكنه قال إن «الوقت يُداهم»، مشيراً إلى أن إسرائيل لن تؤجّل العملية البرية لفترة أطول. وكان جيش الاحتلال أعلن أمس أن عدد الذين تأكّد احتجازهم في غزة ارتفع إلى 229 بينهم العديد من الأجانب.
في هذا الوقت، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأغلبية 120 دولة، على مشروع قرار عربي يدعو إلى وقف إطلاق نار إنساني فوري ودائم في القطاع. وقد هاجم مندوب الاحتلال في الجمعية جلعاد إردان مؤيدي المشروع، قائلاً: «كيف لا تخجلون من دعم اقتراح لا يذكر حتى كلمة حماس، وكأنّ هذه الحرب بدأت من تلقاء نفسها؟»، مشيراً إلى أن «إسرائيل ستفعل كل ما هو ضروري لتدمير البنية التحتية الإرهابية لحماس وإعادة المختطفين إلى وطنهم».
الاخبار