من كان يتصوّر أن ألماً في العنق قد يُخفي وراءه مؤشراً خطيراً سيودي بحياة ابنة الـ20 عاماً؟ من يصدق أن طالبة الطب في السنة الأخيرة في الجامعة اللبنانية التي عملت لسنوات في المستشفيات لن تجد أي مستشفى يستقبلها من دون أن يطلب مسبقاً دفعة بـ”الفريش دولار”. خسرت سميرة غانم حياتها بلحظة ولم يتسنَ لعائلتها فهم الأسباب الطبية، وفي النهاية “الحرقة كبيرة والصدمة أكبر”، فيما فتحت وزارة الصحة تحقيقاً لمعرفة ملابسات الوفاة.
ما جرى مع سميرة أشبه بالخيال، كابوس تمنت عائلتها لو تستفيق منه وتُكذّب خبر وفاة ابنتهم، لكن الواقع مؤلم وما عاشته ابنة الـ20 عاماً لا يصدق. من مستشفى إلى آخر بقيت سميرة تتنقل من غرفة طوارئ إلى أخرى حتى لفظت أنفاسها الأخيرة بعد معاناة ورحلة شاقة انتهت بمأساة!
بدموع وحرقة ردّ والدها المنهك على الهاتف، لم يتمكن من الحديث، اللوعة كبيرة والخسارة لا توصف، يصعب عليه أن يصدق أن ابنته رحلت بهذه البساطة، وأن التقصير في تقديم المساعدة الطبية كانت السبب في تدهور حالتها.
يروي ابن عمتها كارل مسعد تفاصيل المعاناة التي عاشتها سميرة قبل وفاتها بالقول لـ”النهار” اشتكت من ألم في العنق بسيط ولم تهمله، بل توجهت إلى طبيب صحة عامة لاستشارته، هي التي تدرس مهنة الـsage femme وتعرف في هذا المجال، والذي أكد لها أنه لا داعي للقلق وأنه مجرد “وتّاب”. ومع ذلك، أصرّت على اجراء الفحوص الطبية اللازمة والتي كشفت عن وجود إلتهاب في عضلة القلب، ما دفع بالفريق الطبي في مستشفى الجعيتاوي إلى طلب إدخالها بصورة عاجلة لخطورة الوضع”.
حالتها الدقيقة كانت تستوجب دخول المستشفى سريعاً، طالب المستشفى بمبلغ 2500 دولار، ولم تكن العائلة تملك المبلغ، ولم يكن باستطاعتها تأمينه بهذه السرعة. أمام هذا الواقع، قررت العائلة التوجه إلى مستشفى حكومي لمعالجة ابنتهم، وفق ما يؤكد مسعد “كانت البداية مع مستشفى بعبدا الذي اطلع على التقرير الطبي ولكنه اعتذر عن استقبالها بحجة أنه لا يوجد معدات وأجهزة طبية. لم يكن أمام الأهل حلٌّ آخر سوى نقلها إلى مستشفى رفيق الحريري الحكومي الذي رفض استقبالها ولم يكلف الفريق الطبي عناء فحصها أو النظر إليها”.
ما عاشته سميرة مؤلم وقاسٍ، لم يخرج أحد إلى السيارة للكشف عن حالتها، وبعد أن كانت تضحك منذ ساعات أصبحت من دون روح. ويشير مسعد إلى أنها “ذهبت معهم على قدميها، وخرجت حتى مستشفى الجعيتاوي سيراً على الأقدام ولكن بدأت حالتها تتدهور بعد خروجنا من مستشفى بعبدا وصولاً إلى مستشفى رفيق الحريري حيث بدأت تتلاشى بين أيدينا. لم تكن حالتها تتحمل كل هذا الانتظار والمماطلة، وبعد مشاجرة مع العاملين في مستشفى رفيق الحريري الذين قالوا لنا “خدوها ع غير محل، واذا مش عاجبكم تشكوا على الإدارة”، وأخرجتُ من المستشفى بعد طلب مؤازرة أمنية، لأنني كنتُ أرفض الخروج قبل أن يفحصها أحد، ولا صحة للبيان الذي أصدره المستشفى بما جرى مع سميرة”.
أقفلت جميع الأبواب في وجه عائلة غانم، ولم يكن أمامها سوى العودة إلى نقطة الصفر حيث كانت البداية، توجهت إلى مستشفى الجعيتاوي بعد تأمين مبلغ 1000 دولار من الأصدقاء والعائلة، وأدخلت إلى غرفة الطوارئ لتلقي العلاج. بقيت تحت المراقبة، ولكن عند الساعة الخامسة فجراً أسلمت الروح، وأعلم المستشفى عائلتها بخبر وفاتها الذي يعود إلى نوبة أدت إلى توقف قلبها”.
ما يحرق قلب عائلتها وأقاربها كما يقول مسعد أنها “رحلت ولن تعود، ولكن نتحدث اليوم لكي لا نخسر سميرة أخرى. ما جرى معنا كان قاسياً، ولقد تعرضنا إلى شتائم في مستشفى رفيق الحريري لأننا رفضنا الخروج، لم يتم معاملتنا جيداً ورفضوا حتى فحص سميرة في السيارة. لقد رحلت لأنها لم تجد من يسعفها وينقذ حياتها قبل أن يتلقوا المال أو رفضوا استقبالها من دون أسباب وجيهة. لم نعرف سبب حدوث التهاب عضلة القلب طبياً وما أدى الى ذلك، علماً أنها تلقت 4 جرعات من لقاح كورونا كونها تعمل في المستشفيات كمتدربة”.
في المقابل، سارعت وزارة الصحة أمس، بعد أن ضجت مواقع التواصل بخبر وفاة سميرة إلى إصدار بيان تؤكد فيه أنها “باشرت مديرية العناية الطبية بالتحقيق لمعرفة أسباب وفاة المريضة الشابة س. ع. في أحد مستشفيات بيروت، بعد نقلها إلى أقسام الطوارئ في عدد من المستشفيات في العاصمة”، مضيفاً أنّ “التحقيق جارٍ لاستبيان حدوث أيّ تقصير من قِبل أي مستشفى توجهت اليه المريضة، وليبنى على الشيء مقتضاه”.
في حين أعلن مستشفى رفيق الحريري أن ادارة المستشفى “شكلت لجنة للتحقيق بملابسات هذه القضية، وتسرد ما جرى في بيان جاء فيه: “حضرت بتاريخ 24/08/2022 عند الساعة الحادية عشرة ليلاً، الشابة سميرة عزام يرافقها والدها إلى طوارئ مستشفى رفيق الحريري الجامعي، الذي دخل إلى طوارئ المستشفى بمفرده حيث أبقيت ابنته داخل السيارة ولم تغادرها. وقد أبرز الوالد إلى الفريق الطبي تقريراً لابنته من مستشفى اللبناني الجعيتاوي يفيد “أن المريضة حضرت إلى مستشفى اللبناني الجعيتاوي بسبب آلام في الصدر، ونزيف تحت الجلد في منطقة العينين وآلام في الرقبة والظهر”. وبحسب التقرير إن المريضة عانت من ارتفاع في الحرارة منذ أسبوع قبل وصولها إلى مستشفى اللبناني الجعيتاوي. وقد أجرى لها المستشفى تخطيطاً وصورة صوتية للقلب حيث تبين أن وضعها حرج وتحتاج إلى دخول مستشفى. هنا قرر أهل المريضة نقلها على مسؤوليتهم إلى مستشفى آخر نظراً لظروفهم المادية الصعبة، حيث تم نقلها إلى مستشفى بعبدا الحكومي الذي بدوره لم يتمكن من استقبالها لعدم جهوزيته بالمعدات والأجهزة الطبية المختصة بحالتها”.
وأضاف البيان “طلب الفريق الطبي في مستشفى الحريري من والد الشابة الانتظار قليلاً لحين إيجاد مكان للمريضة داخل الطوارئ بسبب كثافة عدد المرضى الذي تخطى القدرة الإستيعابية لقسم الطوارئ (32 مريضاً)، الأمر الذي أثار غضب الوالد، فقرر مغادرة طوارئ المستشفى ليأخذ ابنته من جديد إلى مستشفى اللبناني الجعيتاوي، حيث أدخلت المريضة إلى العناية الفائقة هناك، وقد تدهورت حالتها الصحية بسرعة وفارقت الحياة بعد ساعات من دخولها”.