شهد لبنان على مر التاريخ موجتي هجرة كبيرتين الاولى كانت في اواخر القرن التاسع عشر و الثانية خلال الحرب الاهلية جرفتا معهما الأدمغة و المثقفين و المهنيين.واليوم، يعيد التاريخ نفسه اذ نشهد ثالث أكبر موجة هجرة اثر تردي الاوضاع الاقتصادية والامنية و الصحية وغياب سبل العيش الكريم.
ان الازمات التي تحل على لبنان لا تأتي من العدم بل يمكننا توجيه أصابع الاتهام نحو النظام ، نحو النخبة الغير مسؤؤولة التي تدير البلاد. نحن في حالة أزمة مستمرة منذ انفتاح البلد على السوق العالمية و على نظام الطائفية ومنذ وضعت اسس لاقتصاد مبني على تصدير سلعة واحدة (الحرير خلال موجة الهجرة الاولى)و انتظار الايرادات الخارجية، و ادارة البلد بالتوازنات الطائفية. هنا يمكننا الحديث عن عنصرين اساسيين: اخفاق تنموي و أزمة بناء دولة. واليوم نحن نشهد هذه الموجة بسبب ادراة نخبة غير مسؤولة للبلد. نحن نخسر شبابنا المعلمين القادرين على القيام بالبلد.
تتفاقم الأزمة الاقتصادية في البلد يوماً بعد يوم وتصبح أكثر حدة وتنعكس على كافة جوانب الحياة ومعها انهيار الرواتب،فيبلغ الحد الادنى للاجور اليوم 28 دولاراً مع ارتفاع سعر صرف الدولار اذ أصبح الدولار الواحد يساوي 23 ألف ليرة لبنانية مقابل ارتفاع خيالي في أسعار السلع ناهيك عن الأدوية و متطلبات الحياة اليومية.
ما لا نعيه اليوم هو تداعيات هذه الهجرة في المستقبل اذ أن العنصر الحيوي هو الذي يغادر لعدم توفر سبل العيش الكريم او ببساطة لعدم وجود فرصة عمل حيث يُقدر البنك الدولي أن شخصاً من كل خمسة فقد وظيفته منذ خريف ٢٠١٩، وأن ٦١ في المئة من الشركات في لبنان قلصت موظفيها الثابتين بمعدل ٤٣ في المئة. يعتبر هذا المؤشر مقلقاً اذ أن لبنان يخسر العنصر الاساسي لمسار التعافي والنهوض.
أزمة الهجرة ما زالت مستمرة، خير دليل عللى ذلك احصاءات الامن العام التي تشير الى ان عدد جوازات السفر المصدرة من مطلع عام ٢٠٢١ ولغاية نهاية أغسطس بلغ نحو ٢٦٠ ألف جواز سفر، مقارنة بنحو ١٤٢ ألف جواز سفر في الفترة نفسها من عام ٢٠٢٠، أي بزيادة نسبتها ٨٢ في المئة.
لبنان يفقد العنصر الفكري و المهني و النظام لا يحرك ساكناً حتى اللحظة. يبقى السؤال : ماذا بعد؟