كتب حسين زياد منصور
الانسحاب… بداية الانتصار
كثيرون يظنون أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان هو هزيمة أخرى لهم، خصوصا مع انهيار الحكم الموالي لهم وعودة طالبان للحكم بعد ٢٠ عاما من الاحتلال والحصار.
في الثمانينات كانت أفغانستان جزء من الاتحاد السوفياتي حتى ظهرت مجموعات تطمح للثورة على الحكم الشيوعي وكانت مكونة من الإسلاميين الذين عرفوا فيما بعد بحركة طالبان، استغلت واشنطن الموقف لضرب موسكو، فقدمت لهم الولايات المتحدة مع دول أخرى الدعم بالمال والعتاد وسموهم بالمجاهدين حتى أن الرئيس الأميركي رونالد ريغن التقى ممثلين عنهم في البيت الأبيض. تمكن “المجاهدون” الأفغان من طرد النفوذ الشيوعي من بلادهم وشكلت هذه الهزيمة ضربة قاسية وموجعة للمعسكر الاشتراكي، اذ دق الأفغان مسمار في نعش الاتحاد السوفياتي، ولم يخيب المجاهدون امال داعميهم.
وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط المعسكر الاشتراكي وجهت الدعاية السياسية الأميركية سهامها نحو أفغانستان وحولت طالبان من حليف قهر الخصم الشيوعي الى عدو إسلامي يرتكب المجازر والفظائع بحق شعبه وبشكل خاص النساء.
١١ أيلول ٢٠٠١، وقعت الواقعة وانهارت الأبراج التجارية في مدينة نيويورك الأميركية، وفي سبيل الانتقام دمر الاميركيون العراق ونظام صدام حسين تحت زريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل، وأفغانستان بحجة احتضان وحماية تنظيم القاعدة المتهمة بالهجوم على أبراج نيويورك وأسقطت حكم طالبان.
فيما بعد تبينت نية الأميركيين بعد كل هذا الخراب والدمار والفساد منها “السيطرة على نفط العراق ” والأهم من ذلك لجم المجموعات التي زرعتها لمقاتلة عدوها السوفياتي كي لا تتجرأ أكثر على قوات الغرب وابقائها تحت جناحها خصوصا مع ظهور أعداء جدد لأمريكا، حروبهم اشد خطرا من الحروب العسكرية وعلى رأسهم الاقتصاد الصيني الذي يهدد النفوذ الاقتصادي الأميركي حول العالم ،والرئيس بوتين الذي استعاد جزء من هيبة روسيا الضائعة منذ تفكك الاتحاد السوفياتي، وحديثا توسع النفوذ الإيراني في المنطقة، كل هذه المخاطر كان على واشنطن إيجاد حل لها .
ولسوء حظ الأفغان، روسيا تطل عليهم من الشمال والصين من جهة الشرق وإيران من الغرب اما في الجنوب فالصراع قائم ودائم بين باكستان المؤيدة لحكم طالبان الاسلامي والهند التي تخشاه. إذا فهم يتوسطون المعسكر المنافس لأميركا.
هنا تطرح الإدارة الأميركية السؤال المنطقي: لما علينا صرف الأموال وخسارة العتاد العسكري والبشري في دولة حدودها مع حدود اعدائنا لما علينا نحن دفع هذه الفاتورة وحدنا؟ فليتعاملوا هم مع طالبان المتمركزة على حدودهم.
انسحاب الأمريكان لن يكون ذو فائدة عسكرية فقط من ناحية المصاريف والتكاليف، بل ابعد من ذلك، دولة طالبان الجديدة ستعيد حسابات الدول المجاورة لها، فالروس عاد الى حدودهم البعبع الذي قهر السوفييت ذات مرة، والإدارة الصينية التي وضعت خططها الاقتصادية وتسعى لربط اسيا من شرقها لغربها تحت خطوطها التجارية قد تشكل امارة طالبان حجر عثرة امام هذا المشروع الضخم وعائق بينها وبين حلفائها الإيرانيين الذين أنفقوا الملايين في بلاد العراق والشام واليمن لمقاتلة اشباههم في سبيل مشروعهم الخاص أصبحوا اليوم على حدودهم دون سابق انذار.
إذا بعد ٢٠ عام من دفع الأموال وصرف المليارات من اجل بناء وتنمية الجيش الافغاني وتجهيزه بأحدث الأسلحة والمعدات، تبخر فجأة واستسلم لطالبان رغم الفرق الشاسع والكبير بين تجهيزاتهما وعديدهما، أضحت عدته ملكا لها بعد السيطرة على البلاد بالتوازي مع الانسحاب الأميركي من أفغانستان.
بعد كل ذلك، هل تظنون هذا الانسحاب هو هزيمة لأطول حرب خاضها الجيش الأميركي أم بداية انتصارات لهم دون خسائر في صفوفهم؟!؟!