الجزائر: أين هو الشعب وأين هو الدستور من كل ما يحدث؟

أخبار عربية – الجزائر

تأكيدا لضبابية المستقبل السياسي للبلاد،و أمام صمت الرئيس المطبق ، دخلت الطبقة السياسية بمختلف مكوناتها سواء بعض التشكيلات السياسية المحسوبة على المعارضة، أو أحزاب الموالاة في متاهة المصطلحات،فتأرجحت الآراء من التمديد إلى الإستمرارية و أخيرا التأجيل ،بعدما كان الهدف عهدة خامسة،و محاولة تثبيتها بمبادرة الجدار الوطني قبل أن يسقط على صاحبه و يُبعد عن المشهد السياسي، أو بدعة الجبهة الصلبة التي تكسرت على رأس الدكتور و أردته شهيدا سياسيا .

يعد الحفاظ على مواعيد الإنتخابات بإنتظام طيلة عشريتين كاملتين من الحسنات القليلة و البدع المستحبة التي تحسب لحكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ،لأنه حافظ من خلال إحترام رزنامة الإنتخابات على هيكل الديمقراطية و شكلها الخارجي مع التأكيد على أنه تم إغتيال روحها ،و نعني بها التغيير وفقا للقانون يوم تم إجراء تعديل دستوري و إسقاط مادة تجبر الرئيس على التنحي طواعية، بعد إتمام عهدة ثانية،هذا الإجراء لو أُحترم كان سيغنينا عن الإشكال و الأزمة التي تعيشها الجزائر اليوم في كيفية إستخلاف الرئيس بوتفليقة،و من الناحية الإجرائية فوتت السلطة في ذلك الوقت فرصة إرساء تقليد تنحي الرؤساء بعد عهدتين كما هو حاصل في كثير من الدول مثل أمريكا و حتى روسيا ،تغيير وفقا لإحترام دستور الشعب الذي يسمح للمواطن بإختيار رئيس آخر عن طريق الإنتخاب لنعيش لحظة رئيس مغادر طواعية إحتراما للقانون و رئيس مقبل على الحكم بإرادة شعبية و وفقا لأحكام الدستور ، كان سيصبح حدثا بارزا في تاريخ الجزائر الحديث و سابقة إستثنائية في العالم العربي ،ترفعنا إلى مصاف الدول السائرة في طريق إحترام الحريات،و القوانين .

حلم ديمقراطي ضاع كان سيصنع تغييرا سلميا بمثابة جدار،يغنينا عن ويلات و تعقيدات الربيع العربي و هاجس التدخل الأجنبي،التي لم ينخرط فيها الشعب مثلما حدث عند أشقائنا في مصر أو سوريا ،مخافة العودة للعشرية السوداء ،و على أمل أن تتاح له فرصة إنتخاب رئيسه إحتراما لسنن الطبيعة المتمثلة في دورة حياة الإنسان و ليس لمبدأ التداول السلمي على السلطة ،لنتفاجأ بمصطلحات ركيكة شاذة غير قانونية و لا تحترم الدستور، لم يألف المواطن سماعها طيلة عمر التعددية السياسية في البلاد على مدار أكثر من ربع قرن ،حيث كان حين يهمس بضرورة تطبيق المادة 102 و إعلان حالة شغور منصب الرئيس ،يسمع صوتا جهوريا عالي الذبذابات يصم الأذن من طبالي السلطة ،من على منبر عام”من يريد الرئاسة عليه الإنتظار لسنة 2019″ ، نحن الآن في الموعد فماذا حدث؟ لتخف الأصوات و تبتكر مصطلحات إحتيالية تخرج من إجتماعات مغلقة في محاولة للإلتفاف على حق الشعب الذي منحه له الرب بقضائه و قدره في إختيار رئيسه ،فلما الخوف من المصدر الرئيس للحكم في إبداء رأيه في من يحكمه ؟فعلى وزن مثل شائع “لا يخاف من التغيير إلا الذي في كرشه الفساد”.

أذكر و مع ثان إنتخابات تعددية في الجزائر تم اجهاضها ،كانت الحجة ذلك الوقت هي الحفاظ على قيم الجمهورية من مكائد و دسائس الظلامية الرجعية مخافة أن ان تتحول الجمهورية إلى دولة كهنوتية التي كانت أفغانستان نموذجا لها ،المفارقة اليوم أننا نعيش ممارسات و وصاية على الشعب مثلما هو هو حاصل تماما في الملكيات المطلقة ،أين يعتبر رأي الشعب آخر شيء يتم مراعاته خلال تنصيب الملك و تثبيت حكمه أو فرض خليفته بطرق غير قانونية و بعيدة عن الديمقراطية كالتوريث أو رفع شعار الإستمرارية و تزكية من تراه البطانة الفاسدة الأصلح لمواصلة طريق الإفساد ،دون الإحتكام إلى شكليات الديموقراطية التي أتبعت على مدار عشرين سنة ،فهل سنشهد لجنة إنقاذ الجزائر مرة ثانية ،للحفاظ على الأقل على الهيكل الديمقراطي و عدم المساس بالمواعيد الدورية للإنتخابات الرئاسية بعيدا عن التمديد الذي يعني تمديد الوصاية على الشعب و التأجيل الذي تعني ترجمته الحرفية خرق القوانين و الدستور للتهرب من موعد يمارس فيه المواطن حقه في إختيار حاكمه.

يبدو المشهد السياسي في الجزائر كصورة كاريكاتورية مضحكة و مبكية في آن واحد بالمقارنة مع ما يحدث في الدول العربية آخرها السودان الشقيق ،فبينما تنادي الشعوب هناك بشعار “الشعب يريد إسقاط النظام “، تكاد تنطق القلوب هنا ” الشعب يريد إنتخاب رئيس”.