“فاجعة” بيان ليست الأولى.. “قاتل خطير” في منازل اللبنانيين وسط إهمال الحكومة

سجل لبنان عددا من الوفيات جراء سخانات المياه التي تعمل بالغاز

لم تتوقع عائلة دخل الله، أن سخان المياه على الغاز الذي لجأت إليه كما العديد من اللبنانيين كحل لأزمة الكهرباء وارتفاع فاتورة المولدات الخاصة، سيكلفها روح ابنتها بيان التي لفظت أنفاسها الأخيرة اختناقا أثناء الاستحمام.

منذ حوالى الأسبوع حلّت الكارثة جنوب لبنان، وعن تفاصيل ما حصل يقول خال الضحية علي “في ذلك اليوم اصطحبتُها من الجامعة، ومساء دخلت للاستحمام، وبعد مرور ثلث ساعة على دخولها إلى الحمام اكتشف شقيقتها الصغرى الفاجعة”.

نقلت ابنة قانا، سكان النبطية جنوب لبنان، إلى المستشفى، لكن كما يقول علي لموقع “الحرة”، “بعد فوات الأوان، خسرنا الفتاة البريئة قبل أيام من الاحتفال بعيد ميلادها الثامن عشر، والسبب تسرب غاز من سخان المياه الذي تم تركيبه قبل شهر داخل الحمام”، وفيما إذا كانت العائلة رفعت دعوى ضد التاجر الذي ابتاعت من عنده الجهاز أجاب “كلا، لم تتخذ هذه الخطوة”.

دفعت الطالبة سنة أولى هندسة داخلية، ثمن الأزمات التي يمر بها وطنها، فهذا النوع من الأجهزة لم يكن رائجاً قبل استفحال التقنين الكهربائي ووصول تسعيرة المولدات الخاصة إلى أرقام خيالية حيث تجاوزت الحد الأدنى للأجور بأضعاف، كما أن بيان ليست الضحية الأولى لهذه السخانات التي أودت كذلك بحياة ابنة طرابلس أسيل يوسف في أبريل الماضي.

أحصت جمعية “الشعب يريد إصلاح النظام”، كما يقول رئيسها المحامي حسن بزي، “4 قتلى و8 مصابين خلال الأيام الأخيرة، معظمهم من جنوب لبنان”.

وكانت “الوكالة الوطنية للإعلام” أفادت قبل ثلاثة أيام، بأن مواطناً وابنه اختنقا جراء تسرب الغاز من سخان المياه، في بلدة الجميجمة جنوب البلاد، وقد نقلهما الصليب الأحمر إلى مستشفى تبنين لتلقي العلاج.

والشهر الماضي، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي خبر فقدان امرأة الوعي نتيجة نقص في الأوكسجين سبّبه سخان المياه في بلدة بخعون شمال لبنان، وإثر المشهد، أصيب باقي أفراد العائلة بحالات إغماء.

منحى قانوني

عدم تحرك النيابات العامة عند تسجيل وفاة بسبب سخانات المياه على الغاز دفع جمعية “الشعب يريد إصلاح النظام”، إلى رفع دعوى أمام قاضي الأمور المستعجلة في النبطية، ويقول بزي لموقع “الحرة”، “تقتصر النيابات العامة في مهامها على تحديد سبب الوفاة وإعطاء الإذن بتسليم الجثمان للأهل ومن ثم إغلاق المحضر بدلاً من أن تفتح تحقيقاً وتستمع إلى إفادة الوكيل التجاري وتكشف على الأجهرة التي يبيعها، حيث يفترض أن تتحرك للكشف على كل سخان مياه يؤدي إلى وفاة”.

تستهدف الدعوى التي رفعتها الجمعية سخانات المياه على الغاز التي لا تحتوي على منافذ لدخول والخروج الهواء أو تشوبها بعض العيوب الفنية والتي يؤدي وضعها في أماكن مغلقة إلى الاختناق والموت، وبحسب بزي “هذا النوع من الأجهزة متوفر في السوق اللبناني من دون أن نعلم من أعطى الموافقة لإدخاله إلى البلد، لا بل يبدو أن منها ما يصنّع في لبنان”، وهو النوع الذي تسبب بوفاة بيان دخل الله كما أكد خالها.

حددت الجمعية كما يشير المحامي “علامات تجارية، بهدف تعيين القاضي لخبير يكشف عليها للتأكد فيما إن كان يعتريها عيوب في التصنيع من عدمه، وبناء على تقريره سيتخذ القرار حول منع استيرادها وإبلاغ الجمارك اللبنانية بذلك”.

كذلك يؤكد طبيب العائلة، الدكتور غسان شرّي أن بعض الأجهزة المنتشرة في السوق اللبناني غير مطابقة للمواصفات العالمية، لكن للأسف لا تولي السلطة أهمية لخطورتها، كما أن بعض اللبنانيين يضعون الجهاز في الحمام غير مبالين بضرورة وجود مسرب للغاز المحترق وآخر للهواء النظيف، يخاطرون بأرواحهم وأرواح أبنائهم من أجل توفير تكلفة إمدادات المياه، في وقت كل ما يهم السمكري غير المختص بتركيب هذه الأجهزة، الحصول على أجرته حتى وإن كان يعلم بأنه ساهم في زرع قنابل موقوتة داخل منازل الناس”.

يضيف شرّي في حديث لموقع “الحرة”، “حتى اللحظة علمنا بسقوط عدد من الضحايا وعشرات الإصابات، ومن المؤكد أن هناك حالات لم نعلم بها، أما السلطة فلا تهتم بإعداد إحصاء لكشف العدد الحقيقي لضحايا سخانات المياه على الغاز”.

تحذير وإرشادات

وجد لبنانيون في سخانات المياه على الغاز، الحل العملي والأوفر في ظل الظروف التي يعيشونها، فبمجرد فتح قارورة الغاز تسخن المياه، في وقت تحتاج عائلة مؤلفة من أربعة أفراد إلى قارورة واحدة في الشهر إذا استحم كل فرد فيها لثلاث مرات في اليوم، مع العلم أن سعر قارورة الغاز (10 كلغ) يبلغ 507 آلاف ليرة، أي حوالي 11 دولار، وهو رقم غير ثابت حيث يتأرجح مع سعر النفط عالميا، وسعر صرف الدولار في السوق السوداء.

من مصر وتركيا والصين وألمانيا وغيرها من الدول، يتم استيراد هذه الأجهزة التي تنقسم إلى مجموعتين، بحسب ما سبق أن قاله صاحب مؤسسة “مكداشي” لبيع الأدوات الصحية، طارق مكداشي، “منها لتسخين 10 لتر من المياه ومنها لـ 6 لتر، وعلى أساس بلد المنشأ وقدرتها على التسخين”، ويبدأ سعرها من 110 دولار.

وأشار في حديث لموقع “الحرة” إلى أن ” الإقبال على هذه الأجهزة كبير جداً، وتركيبها تنطبق عليه مقولة ‘السهل الممتنع’، فعلى الرغم من أن الأمر بسيط، إلا أن هناك أموراً فنية يجب إيلاؤها أهمية كبيرة كونها تتعلق بالسلامة”، مشدداً على ضرورة “توخي أقصى درجات الحذر وعدم الاتكال على كون الجهاز مزودا بنظام أمان”.

وتشكل مثل هذه الأجهزة “قاتلا خطيرا” في المنازل، حيث يوّلد الاحتراق غير الكامل للمازوت، والغاز، والخشب والفحم، كما يقول شرّي “غاز أحادي أكسيد الكربون، الذي لديه القدرة على الالتصاق بهيموغلوبين الدم أكثر بنحو 300 إلى 500 مرة من باقي الغازات، وبالتالي لا يترك مجالاً لالتصاق الأوكسجين الذي نحتاجه لكي نبقى على قيد الحياة فتنخفض الكمية التي تصل منه إلى الدماغ ما يؤدي إلى الإغماء وصولاً للوفاة”.

يضيف “الخطر الأكبر من غاز أحادي أكسيد الكربون هو أن لا رائحة ولا لون له، لكن من الممكن أن تظهر عوارض على الشخص المستيقظ الذي يتنشقه، منها ألم في الرأس، تقيؤ، فقدان للوعي ووهن”.

ويشدد طبيب العائلة على ضرورة “وجود فتحة في مكان تركيب سخانات المياه على الغاز قطرها ما بين 20 الى 30 سنتم، لإخراج غازات الاحتراق، وكذلك فتحة لإدخال الهواء المشبّع بالأوكسجين، لكي يتم الاحتراق الكامل للغاز وعدم توليد غازات سامة أهمها غاز احادي الكربون”، لافتاً إلى أنه “من الافضل وضع السخان في شرفة المنزل، بهدف تطاير الغازات المحترقة في الجو مباشرة”.

كما نصح بتركيب جهاز صغير على طرف سخان المياه يحتوي على مادة البولي فوسفات المضادة للتكلس لمنع انسداد الأنابيب، مشدداً على ضرورة فتح النوافذ والابواب عند الدخول إلى غرفة مغلقة فيها شخص فاقد للوعي، وذلك لإفساح المجال لخروج غاز احادي الكربون ودخول الهواء المشبّع بالأوكسجين.