استخدمها البابليون والسومريون والآشوريون.. عيون القير الطبيعية بالعراق كنز عمره آلاف السنين
الأنبار- تمتاز أرض العراق بأنها غنية بالثروات الطبيعية العديدة، ومنها القير وغيرها من الموارد المهمة، التي يمكن أن تدر للدولة ملايين الدولارات في حال استثمارها بالشكل الأمثل.
وتعد “هيت” في محافظة الأنبار غرب العراق من الأقضية المهمة التي تحوي على عيون القير الطبيعية، بل تعد الأكثر بين المدن والأقضية الأخرى على مستوى المحافظة والبلاد حيث تختلف كميات وأحجام تلك العيون وقطرها.
ووفق شهادات الأهالي في قضاء هيت -للجزيرة نت- فإن هذه العيون طبيعية بدون تدخل الإنسان أو الآلة، وتُباع من قبل مالك الأرض لاستخدامات عديدة منها لدهن سطوح المنازل والمباني السكنية والتجارية لمنع تسرب الرطوبة إلى الداخل، إضافة إلى الغسل بها لأصحاب الأمراض الجلدية، وأشاروا إلى أن القير كان يستخدم في صناعة الدلو الذي يشرب به الماء، وكذلك الباطية وهو إناء يستخدم عند عجن الدقيق وتحضيره للخبز.
تاريخ العيون
وبحسب مهندس البترول أحمد الفراجي فإن “هذه العيون وجدت قبل 5 آلاف سنة قبل الميلاد، حيث زارها مؤسس الإمبراطورية الأكادية سرجون الأكدي عندما استوطن الأنبار فجر عصر السلالات وأطلق عليها اسم فوهة النار”.
وقال للجزيرة نت “الحضارات التي بُنيت في بلاد الرافدين صمدت فترات طويلة ومنعت تعريتها حتى اليوم بسبب استخدامهم القير من عيون هيت ومدن أخرى شمالية وجنوبية، وحافظت على قوة المباني مثل آثار بابل وزقورة أور وقلعة هيت الأثرية والمساند الحجرية للنواعير المائية المقامة على نهر الفرات بالأقضية الغربية من محافظة الأنبار التي تروي أكتاف الفرات الزراعية”.
وحول مساحات تلك العيون فهي -وفق الفراجي- لا تتعدى 15 مترا عرضا و10 أمتار طولا، وعمقها غير محدد حيث هناك حادثة شهيرة يتداولها أهالي هيت حتى الآن وهي سقوط جرافة مع سائقها في أحد عيون القير، مما تسبب في موت السائق وضياع الجرافة.
عيون القير
وبحسب هيئة المسح الجيولوجي التابعة لوزارة الصناعة والمعادن، يوجد هناك 8 عيون للقير 5 منها في قضاء هيت: عين الطيف (525 طنا سنويا) عين المرج (550 طنا) وعين المعمورة (2250 طنا) عين السيالي (450 طنا) عين العطاعط (2550 طنا) و3 أخرى في مدينة الرمادي بمحافظة الأنبار غربي البلاد: عين الجبهة (500 طن) عين أبو جير (525 طنا) ين العوازل (430 طنا).
ويحدد خبير إستراتيجيات البيئة والمياه رمضان حمزة تأثيرات سلبية ناجمة عن تلك العيون القيرية، وقال للجزيرة نت إنها تبدأ بالتبخر خلال الصيف لارتفاع درجات الحرارة مما يولد انبعاثات كريهة وسامة للساكنين والفلاحين قربها.
وأضاف “انخفاض مياه نهر الفرات يساهم في زيادة التلوث بسبب تسربات العيون القيرية من المخلفات النفطية والصدوع الجيولوجية صوب الأنهر الفرعية والرئيسية”.
بدورهِ يعاني أحمد عبد الرزاق (39 عاما) -أحد سكان قضاء هيت- من الغازات المتبخرة من عيون القير القريبة من منزله والتي تؤدي لتآكل أجهزة التبريد والتكييف والأجهزة الكهربائية الأخرى، مناشدًا الجهات الحكومية بإيجاد حل سريع لهذه المشاكل.
الاستفادة الاقتصادية والطبية
في موازاة ذلك، قال الباحث الاقتصادي مصطفى صالح “عيون القير تعد معلماً استثماريا من معالم مدينة هيت، ويمكن الاستفادة منها علاجيا وصناعيا، ويمكن استثمارها لتدر أموالا وتوفير فرص العمل للعاطلين”.
ودعا صالح -عبر الجزيرة نت- الجهات الرسمية ذات العلاقة إلى ضرورة الاستفادة من تلك العيون القيرية الطبيعية بإنشاء معامل إسفلت ودهانات، وبين أن “هناك جدوى اقتصادية أخرى بعد استثمار عيون القير بعد تحقيق الاكتفاء المحلي من خلال تصدير الفائض منها إلى الخارج كونها عيونا غير ناضبة”.
من جهته يكشف الخبير البيولوجي الدكتور حيدر معتز محيي عن الفوائد الطبية للقير، ويقول إنه يعالج ألم الصداع والتخفيف من طنين الأذن والتهاب الجلد الدهني والصدفية والتقشر الجلدي وقشرة الرأس وتقشف الجلد المعروف بالإكزيما وأمراض الفطريات وألم المفاصل.
ويرجع -خلال حديثه مع الجزيرة نت- تلك الفوائد الطبية للقير كونه يحتوي على مجموعة من السوائل العضوية وتدخل في تركيبه مادتا الكبريت والنحاس، بالإضافة إلى العناصر الثقيلة كالرصاص والزئبق.
ويختم الباحث قائلاً “القير عبارة عن مياه نفطية متأتية من تخلف الصخور الرسوبية بعد أن تبخرت المواد الهيدروكربونية الخفيفة من النفط الخام” مشيرا إلى أن العوامل البيئية (تربة، مناخ، ماء) جعلت المنطقة زراعية بامتياز منتجة للمحاصيل الوفيرة والضرورية لإدامة الحياة لسكانها، إضافة لما توفره من مواد تدخل في الصناعات الغذائية المختلفة كصناعة الدبس (عسل التمر) والراشي (الطحينة) والخل.
المصدر : الجزيرة