كتب سامي كميل طانيوس في مقالته بـ لبنان_الكبير:
لم يعد لبنان أرضاً خصبةً لتحقيق الأحلام. ففي بلدٍ يتخبّط بأزماته العصيبة، أصبح الطموح ترفاً لا يملكه سوى “فاضي البال”، وباتت الأحلام تنتهي مع تباشير الفجر ليبدأ معها كابوس يومي يهمس لك: “أنت في لبنان”!
إن دلّ هذا على شيء، فعلى رداءة الحياة في بلدٍ ما انفك ينبض بالأمل حتى الأمس القريب.
إنَه الوطن الذي يُحرم فيه الفرد من أبسط حقوقه: الطموح. فحيث لا طموح لا أحلام، وحيث لا أحلام لا أمل، وحيث لا أمل لا حياة. معادلة أليمة يتجرعها اليوم شباب لبنان الذين يواجهون تحديات جمّة في ظل غياب أدنى ما يمكّنهم من السعي وراء حلم في هذا البلد.
“ماذا يحتاج شباب لبنان اليوم؟”، سؤال بغاية الأهمية لم تطرحه دولتنا الكريمة على نفسها يوماً. ففي وقت ينغمس الساسة في وحول المحاصصة والصراعات الطائفية التي أرجعتنا مئات السنين إلى الوراء، تغادر الطاقات اللبنانية الشابة بصمت أرضاً ضاقت بأحلامها إلى أوطانٍ بديلة. شباب لبنان اليوم برسم الهجرة والدولة لم تحرّك ساكناً. هي جريمة موصوفة، فالإبداع اللبناني مورد أهم من النفط والغاز، والتنازل عنه وتهجيره جرم يرقى إلى درجة الخيانة العظمى!
شباب لبنان، كسائر اللبنانيين، بحاجة إلى حياة كريمة في وطنهم. المياه، الكهرباء، المحروقات، الغذاء… وسائر مسلتزمات الحياة اليومية أصبحت إما مفقودمة أو محتكرة بأسعار خيالية. فإذا لم يكن باستطاعة الشباب تأمين أدنى مقومات الحياة الكريمة لنفسهم، كيف لهم أن يؤمنونها لأهلهم وعائلاتهم مستقبلاً؟.
يحتاج شباب لبنان إلى منارة لإضاءة ظلمات وطنهم، والعلم هو خير منارة. النظام التربوي قائم على الرغم من الشوائب، لكن اليوم وفي ظل الأزمات مهدد بجودته واستمراريته. فالمدارس الرسمية كما الجامعة اللبنانية تعاني الاجحاف وغياب دور الدولة التي تلقى عليها مهمة دعمها وتقديم المساعدات للطلاب إلى أدنى الحقوق للأساتذة. أضف إلى ذلك أن المناهج القديمة بحاجة إلى إعادة دراسة وتطوير، وهذا الذي لم يحصل بشكل جدي خلال العقدين الماضيين. كلّ هذا يشكل تهديداً مباشراً لاستمرارية القطاع التربوي في لبنان أو أقله لجودته المعهودة، مما يعني انتهاكاً صارخاً للحق الطبيعي لكل شاب وشابة بالحصول على العلم المجاني. شباب لبنان بحاجة إلى ورشة إصلاح في النظام التربوي كي يتلقوا العلم ويحدثوا خرقاً في مجتمعهم.
لا مستقبل للشباب في وطنهم وشبح البطالة يهددهم وعائلاتهم، إذ تحتاج الطاقات اللبنانية الشابة إلى سوق عمل لإبراز كفاءاتها وخبراتها. الحصول على وظيفة كريمة على قدر الشهادات والكفاءة عامل يشجع الشاب اللبناني على البقاء في الوطن واستثمار طاقاته ومواهبه في أرض بلده، مما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني. سوق العمل اللبناني بحاجة إلى تنظيم وتنسيق مع أركان النظام التربوي في عملية متكاملة تهدف إلى كبح البطالة وخلق فرص العمل.
أخيراً، ليس بالغذاء والدواء والمحروقات والكهرباء وحدها يحيا الإنسان، بل بالأحلام أيضاً. شباب لبنان بحاجة إلى وطن يتّسع لأحلامهم وطموحاتهم. من دون هذه الأحلام، تصبح الحياة في الوطن أشبه بالروتين اليومي. من ليس لديه حلم شخصي ليس لديه هدف في الحياة، وشباب لبنان بحاجة إلى أن يحلموا بمستقبل أفضل كي يساهموا في نهضة وطنهم.
حياة كريمة وتعليم وفرص عمل و… أحلام. هذا جلّ ما يحتاجه الشباب اليوم. ومن يجب أن يسعى لكل هذا؟ إنّها الدولة يا سادة! والدولة منذ سنين متوارية عن هموم الناس وحاجاتهم، تقبع في نومٍ سريري على حرير الصروح وعروش القصور غير آبهةٍ بأحد إلا بنفسها. دولتنا غائبة تماماً، وكلّ ما يحتاجه اللبنانيون، ولا سيما الفئات الشابة، هو دولة محترمة تصغي لأبنائها، تشعر بألمهم ومعاناتهم وتجول العالم بحثاً عن راحتهم وكرامتهم. ونسأل… أين الدولة من شبابها اليوم؟!