وصل جشع التجار وانعدام ضمير البعض إلى تسميم فقراء مدينة طرابلس عبر إغرائهم بشراء لحوم بثمن أرخص بكثير من تلك الموجودة في السوق، ليُفاجأ أهالي المدينة بأنّ كلّ اللحوم التي تمّ تناولها مغشوشة وأنّهم أكلوا سموماً، وبين الذي تمكّن من اكتشاف اللعنة التي اقتحمت جسده وغيره الذي ما زال لا يُدرك حقيقة ما حصل، يقع الطرابلسي ضحية كارثة صحية وفضيحة غذائية تشير إلى انعدام الأخلاقيات المهنية والمعايير الأخلاقية الإنسانية.
في أسواق طرابلس، حيث تهمل القوى الرسمية كل ما يدخل أو يخرج من هذا السوق بحسب أصحاب المحلات فيها، حدثت بلبلة كبيرة بين المواطنين بعدما أخذت شرطة بلدية طرابلس عيّنات عشوائية من ملاحم عدة، لترسل إلى مختبر غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال، وبعد أسبوع أظهرت نتائج العينات أن هذه اللحوم غير مطابقة للمعايير الصحية، وأنها عبارة عن “رتش دجاج” يخلط بالصبغة لتجميل لونه وهو غير صالح للأكل.
فظاعة غذائية
للأسف، وقعت عائلات طرابلسية عدّة في قبضة هذا النوع من أنواع الفساد المستشري في البلاد، وتشير المعلومات إلى أن أكثر من 5 ملاحم وجد فيها هذا النوع من اللحوم، وأنّ أحد أصحاب الملاحم اعترف بصراحة أنّه يقوم ببيع هذه اللحوم بأرخص الأثمان بحجة تردّي الأوضاع الاقتصادية ورغبته في التأقلم معها.
يُمكن التأكيد، أن هذه الفضيحة ليست بجديدة، ووفق معلوماتنا فإنّ أكثر المحلات المنتشرة في سوق العطارين مثلًا، كان قد أشار أصحابها ومنذ أشهر عدّة إلى وجود أصحاب ملاحم يرتكبون مثل هذه الفظاعة الغذائية، دون حسيب أو رقيب ومنذ أيام، خرجت هذه الفضيحة إلى العلن لتؤكّد أن الرحمة غائبة عن قلوب الكثيرين.
مصدر طبي يُؤكّد لـ “لبنان الكبير” أن هذه اللحوم غير صالحة للأكل وهي خطيرة جدًا ولها انعكاسات صحية كبيرة، ولها عمومًا تداعيات سلبية حين لا توضع بعد الذبح في الثلاجة لساعات مثلًا، “فكيف إن تمّ خلطها ودمجها بهذه الطريقة؟”.
ضحية اللحوم الفاسدة
وقعت أماني (42 عامًا) وهي من باب التبانة ضحية هذه اللحوم، إذ قامت بشراء كيلو لحمة من إحدى الملاحم في السوق ودفعت حوالي 70 ألف ليرة لبنانية، وشعرت حينها أن مذاق اللحمة سيىْ للغاية ولأوّل مرّة في حياتها تشعر بالاشمئزاز منها، وتقول لـ” لبنان الكبير”: “وجدت نفسي مرهقة جدًا، حرارتي مرتفعة، وضغطي منخفضاً لدرجة أنّني لم أتمكّن من الوقوف، ثم بدأت ليلًا بالتقيؤ والإسهال ولم أشعر بالراحة بعدها أبدًا، بل استمرّت هذه الحالة معي لأكثر من 4 أيام مع غثيان مستمرّ، ونظرًا لعدم قدرتي على التوجه إلى المستشفى، لجأت إلى صيدليات عدّة لأخذ أدوية مختلفة، لأصبح تحت رحمة غياب الأدوية الأصلية وغياب الأدوية البديلة أيضًا”، مضيفة: “لقد عشت في جحيم بسبب هذه اللحمة وكرهتها، وكأنّهم يُريدوننا ألّا نأكل اللحمة أبدًا ولا نفكر كفقراء أن نشتريها”.
الملف خطير جدًا
ويُؤكّد محمّد العمر، وهو ناشط اجتماعي أن هذا الملف خطير جدًا ولا يجب السكوت عنه أو التغاضي عن الأخطاء التي ارتكبت بحقّ المواطنين. ويقول لـ “لبنان الكبير”: “إنّ شرطة بلدية طرابلس فتحت الملف وأجرت العيّنات والفحوصات على حسابها، وهي كانت أرسلت الفحوصات إلى رئيس البلدية رياض يمق، مؤكّدة أن نتائج الفحوصات تُشير إلى أن اللحمة غير صالحة ومسممّة، ليُرسل يمق بدوره كتابًا لمحافظ طرابلس والشمال القاضي رمزي نهرا ما يعني أن الملف سيبقى نائمًا في هذه الحال، ما دفعنا إلى الاتجاه نحو وسيلة تلفزيونية لفتح هذا الملف علّهم يتحرّكون”، مشيرًا إلى قيامهم بإبلاغ جهاز أمني لتولي الأمر في وقتٍ سابق، ولكن لم يتمّ التوصل إلى نتيجة.
وفي التفاصيل، يقول: “يستعمل صاحب الملحمة قوانص الدجاج ويدمجها بأنواع اللحمة كالمفرومة، النقانق، والبرغر، وغيرها من أنواع اللحوم التي تبدو مطحونة ويدمجها”، لافتًا إلى أن “سوق العطارين هو من أكثر الأسواق التي ينتشر فيها هذا النوع من الملاحم التي ترتكب هذه الجريمة بحقّ الناس وبأسعار زهيدة قد تصل إلى 40 ألف ليرة مقارنة باللحمة التي يتخطّى سعرها الـ 100 أو 120 ألف ليرة”.
ويُشدّد على ضرورة التحرّك الرسمي ضدّ هذه الظاهرة المميتة، ويُضيف: “في حال لم يتحرّك أحد، سوف نقوم بالتظاهر واتخاذ إجراءات تصاعدية”.
بدوره، يُؤكّد أحد المقرّبين من المحافظ، أن نهرا كان أرسل كتابًا للقوى الأمنية لمتابعة كيفية إيجاد حلّ مناسب لهذه الأزمة.
ويُشير متابعون لهذا الملف إلى أن “الحلّ يكمن في قيام الدولة بمهماتها الرقابية للأسواق الشعبية لا سيما بلدية طرابلس وذلك للحدّ من طمع التجار الذين يستغلون الظروف والشعب”، ويقول مقرب من الأوساط البلدية: “أنّ المشكلة الحقيقية تكمن في حصول خلاف بين رئيس البلدية وشرطة البلدية”، مشدّداً على أن “كلّ طرف في هذه البلدية ينتظر الآخر على أي غلطة لينقضّ عليه”.
المصدر: ” لبنان الكبير”