أخبار عربية – مقالات
كتب مستشار العلاقات الخارجية السابق في حملة ترشح الرئيس الأميركي دونالد ترمب للعام 2016، وليد فارس، لموقع “إندبندنت عربية”:
باعتقادنا أن الوقت قد حان لعقد قمة استراتيجية للتحالف العربي لمواجهة التحديات المختلفة في منطقة الشرق الأوسط بعد ثلاث سنوات على القمة الأميركية – العربية في الرياض، التي حددت خطوطاً عريضة لمجابهة الإرهاب والتطرف والأخطار التي تحدق بالمنطقة.
لائحة الضرورات لعقد قمة استثنائية طويلة كهذه، وفيها من الملفات الضاغطة التي تتحكم بعدة حروب ومواجهات وتحديات وقرارات لا بد من اتخاذها، بينما ينقسم المجتمع الدولي عليها، منتجة إشكالات لا بد من تخطيها من أجل وضع حد للمجابهات وإحلال الأمن والاستقرار والسلام لمجتمعات المنطقة.
وهذه لائحة سريعة بالملفات الضاغطة التي تستوجب انعقاد هذه القمة، على الرغم من انعقاد قمم لجامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي ومناقشة هذه الملفات في أطر دولية بما فيها الأمم المتحدة.
ونبدأ بمقاطعة دول الخليج لقطر في مايو 2017، بسبب ما وصفه التحالف العربي وقتها بدعم الدوحة لتنظيمات تكفيرية (تسمى جهادية في الغرب)، ودعم وسائل الإعلام المرتبطة بقطر للأيديولوجيات المتطرفة، التي تنتج منها في معظم الأحيان أعمال توصف بالإرهابية. ملف المقاطعة لا يزال مفتوحاً، بينما استمر عملياً لمدة ثلاث سنوات، غير أن الولايات المتحدة التي شجع رئيسها خلال قمة الرياض على عمل العرب والمسلمين على عزل مصادر التطرف، لم تقف عند هذا الملف خارج إطار الدعوات الدبلوماسية إلى إنهائه، بالتالي حان الوقت لعرض الملف، من قبل التحالف، بعمقه وتعقيداته على واشنطن والعواصم الغربية كي يتم تحديد موقف نهائي من مسألة التطرف، فلا ينظر إلى هذا الملف كمسألة إقليمية وخلاف محلي. فكما تضع الدول الغربية وبخاصة أميركا ثقلها وميزانياتها وخطاباتها لمجابهة التطرف الفكري والسياسي، فلا بد أن يكون هناك توضيح حول موضوع قطر لدى دول التحالف مع شركائها الغربيين.
ثانياً، تصعيد الحرب في اليمن. فمنذ 2017 حتى صيف 2020 مر التحالف بمراحل متعددة في مجابهته لميليشيات الحوثي المؤيدة لإيران، التي تسيطر على أجزاء من اليمن، وتهدد بصواريخها ودروناتها عمق الجزيرة العربية، والممرات المائية الدولية في باب المندب. وهنا أيضاً على التحالف العربي أن يقرر المرحلة المقبلة، وأن يدرس خططاً عربية أولاً تضم مصر ودولاً عربية أخرى من ناحية وربما شركاء دوليين وأهمهم أميركا، ليكون هنالك قرار حاسم: هل سيُسمح للنفوذ الأمني الإيراني في أن تكون له قاعدة استراتيجية في إحدى أهم نقاط التواصل العالمي أم لا؟ وهذا يحتاج إلى حوار إقليمي-أميركي وليس إلى علاقات ثنائية عربية مع واشنطن فحسب.
ثالثاً، ملف “داعش”: إدارة الرئيس دونالد ترمب وضعت جهوداً كبيرة وهامة لعملية إنهاء إمبراطورية التنظيم التكفيري، وخلال عامين أنهي وجود الخلافة المزعومة، إلا أن نتائج هذا الحسم العسكري الناجح لواشنطن يجب أن تناقش بين التحالف العربي والولايات المتحدة والتحالف الدولي. وأهم بنود النقاش في هذا الإطار، هو انتشار ميليشيات مؤيدة لإيران في مناطق سيطرة “داعش”، لا سيما مناطق السنة في العراق وسوريا. والموضوع الآخر تحرير المجتمعات المدنية التي تخلصت من “داعش”، أكانت عربية أم كردية أو من الأقليات المسيحية والإيزيدية. فمرحلة ما بعد “داعش” يجب إعادة تقييمها.
رابعاً، انتشار الميليشيات المؤيدة لإيران في دول عربية عدة، لا سيما بعد انحسار “داعش”، وأهمها في العراق حيث سيطرت قوات الحشد الشعبي بأذرعها المختلفة، والحرس الثوري في مناطق عدة في سوريا، وصولاً إلى لبنان مع سيطرة حليف إيران، “حزب الله”، على الدولة. وعلى التحالف العربي البحث والتقرير في المرحلة المقبلة، وهي من دون شك مرحلة مقاومة الميليشيات، وعليه مناقشة هذا التحدي في ثلاث دول عربية من دون اليمن، مع واشنطن، التي تمتلك أوراقاً أساسية في هذه المواجهة.
خامساً، على التحالف العربي أن ينكب على ملف ازدياد سيطرة “حزب الله” على لبنان وسحقه للمعارضة، والتغييرات الديمغرافية والاستراتيجية التي يقوم بها على الأرض في ظل غياب أميركي وعربي. وفي هذا الإطار، لا بد للتحالف من درس خطة التواصل مع المعارضات من مختلف الطوائف والتوجهات، والتي تشكل غالبية الشعب اللبناني وتجلت بوضوح منذ ثورة الأرز عام 2005، التي أدت عملياً إلى انسحاب الجيش السوري من تلك البلاد، والتي عادت عبر ثورة أكتوبر 2019.
سادساً، على التحالف العربي البحث في سياسة حكومة رجب طيب أردوغان التي وضعت تركيا في مواجهة مع دول عربية عدة ومع مجتمعات مختلفة في المنطقة منذ أكثر من عامين. وهذا الملف يبدأ بعملية السيطرة على عفرين الكردية في سوريا، وبعدها في العام الماضي حيث تقدمت قوات أنقرة مع شركائها الميليشيات الإخوانية على طول الحدود التركية – السورية، ودفع المدنيين الأكراد والأقليات المسيحية والإيزيدية إلى العمق السوري. وفي الملف نفسه، لا بد من فحص احتمال ازدياد هذا التدخل في أكثر من دولة عربية، ومجابهة التحالف العربي في مسألة الخلاف الخليجي – الخليجي.
سابعاً، التوقف عند الثورات التي تفجرت في العراق ولبنان خريف 2019، التي سقط من جرائها مئات الضحايا وتم قمعها من قبل ميليشيات إيرانية. إضافة إلى ضرورة التوقف عند الثورة التي تفجرت في الداخل الإيراني عامة ومنطقة الأحواز بشكل خاص، والاتفاق على موقف موحد من هذه الثورات في طول وعرض مناطق نفوذ إيران، من أجل مساندة المجتمعات المدنية.
ثامناً، على التحالف توطيد التنسيق حيال التطورات الأخيرة في اليمن الجنوبي من أجل تأمين وحدة الموقف والتصدي لانتشار الميليشيات التكفيرية والأخرى الإخوانية المتمثلة بحزب الإصلاح، كي لا يؤدي ذلك إلى فتح جبهة إضافية للتدخل الخارجي بما فيها التركي من أجل الحفاظ على كل مناطق اليمن بما في ذلك الجنوبية، حيث سيقف مجتمعها مع التحالف بوجه الإرهاب.
تاسعاً، التوقف عند التغييرات التي حصلت في السودان وأدت إلى سقوط نظام مرفوض دولياً، ووضع حد للنفوذ الإسلاموي وفتح الأبواب أمام الشباب السوداني والأقليات لتغيير البلاد نحو الأفضل ووضعها على سكة التقدم والازدهار. إن التحالف بوسعه مساعدة عموم السودانيين والإسهام بحوار بينهم وبين العالم الخارجي ومواجهة المتطرفين.
عاشراً، من أهم مواضيع التحالف العربي البحث في استراتيجيات عما يجري في ليبيا من اجتياح لغربها من قبل القوات التركية التي نقلت حوالى عشرة آلاف مقاتل متطرف من شمال سوريا إلى الداخل الليبي وزجتهم في حرب كانت داخلية وباتت الآن إقليمية، حيث دخلت مصر على الخط من أجل مساعدة الليبيين بطلب من برلمانهم لمواجهة الاجتياح الميليشياوي.
وبشكل عام، على التحالف العربي تقييم العلاقات العربية-الأميركية بعد ثلاث سنوات من القمة التاريخية في الرياض، وأن يعيد تنشيط الحلف في قمة استراتيجية مع إدارة ترمب ومؤيديه في الكونغرس على ضوء عدم حسم أميركا لموقفها من مواجهة القوى المتطرفة في اليمن وليبيا من ناحية، ومواجهتها لهذه القوى في سوريا والعراق من ناحية أخرى. هذه القمة الاستراتيجية يجب أن تضم من الأعضاء الأساسيين مصر والإمارات والسعودية والبحرين وبرلمان ليبيا، إضافة إلى حكومات عربية وإسلامية أخرى إذا شاءت. ولكننا نقترح أن تدعو هذه القمة أكان بشكل جزئي أو كامل أعضاءً في حلف الناتو وأهمهم فرنسا واليونان للمشاركة في أعمالها، لا سيما في ما يتعلق بمحاربة الإرهاب في ليبيا.
ونقترح أيضاً أن تدعو القمة الإدارة الأميركية للمشاركة في أعمالها بسبب أهمية الدور الأميركي في المنطقة والعالم ومن أجل إيجاد أفضل تنسيق بين دول قمة الرياض من ناحية وواشنطن وعواصم أطلسية لإيجاد الاستراتيجية الجديدة المطلوبة لتأمين أمن واستقرار شعوب المنطقة. ومن الأفضل أن تعقد قمة كهذه قبل الانتخابات الأميركية، لكن لا بد أن تعقد بشكل موسع بعد انتخابات الثالث من نوفمبر المقبل.