قال رئيس جهاز الموساد، دافيد برنياع، اليوم الثلاثاء، إن الهجوم الذي استهدف أجهزة البيجر وأجهزة الاتصالات اللاسلكية التابعة لحزب الله في خضم الحرب على لبنان، شكّل نقطة تحول في الحرب، مشيرًا إلى أن “حزب الله تلقى ضربة حطمت معنوياته”.
وأضاف برنياع، خلال مؤتمر لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، أن البنية التحتية لعملية تفجير أجهزة البيجر تشكلت عام 2022، وأن الشحنة الأولى التي ضمت 500 جهاز وصلت إلى لبنان قبل أسابيع قليلة من هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وقال إنه عند تنفيذ العملية، تم تفجير عدد أكبر بكثير من الأجهزة مقارنة بما كان يمكن تحقيقه لو تم تنفيذها في بداية الحرب، وذلك في إشارة إلى أن تنفيذ العملية في موعدها كان الخيار الأفضل بالنسبة لإسرائيل، وليس في بداية الحرب كما اعتقد وزير الأمن السابق، يوآف غالانت.
وبحسب برنياع، فإن “إن “تنفيذ عمليتي البيجرات والأجهزة اللاسلكية في بداية الحرب لم يكن ليحقق الإنجاز القوي الذي وصلنا إليه عند تنفيذها في موعدها”. وأضاف “عند تنفيذ عملية البيجرات، تم تفجير عشرة أضعاف عدد الأجهزة مقارنة بما كان بحوزتنا في بداية الحرب، وضعف عدد الأجهزة اللاسلكية”.
وأشار رئيس الموساد إلى أن “جميع أجهزة الاتصال اللاسلكية والبيجرات التي تم استخدامها احتوت مجتمعة على كمية من المتفجرات أقل من تلك التي يحتوي عليها لغم واحد”، مشيرا إلى التخطيط لتفجير الأجهزة اللاسلكية بعد عملية البيجرات بيوم واحد “منذ أكثر من عقد”.
وأوضح برنياع أن عملية البيجرات تُعتبر حديثة مقارنة بعملية أجهزة الاتصال اللاسلكية، التي بدأ تطويرها خلال العقد الماضي، في عهد رئيسي الموساد السابقين، تامير باردو ويوسي كوهين، وبمشاركة شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي (“أمان”).
وقال إن فكرة استخدام البيجرات نشأت بعد التوصل إلى استنتاج مفاده أن عملية أجهزة الاتصال اللاسلكية “ليست فعالة في كل سيناريو قتالي”، مما دفع الموساد إلى البحث عن وسيلة أخرى لـ”ضرب عناصر حزب الله عبر جهاز ملازم لهم باستمرار”.
ولفت برنياع إلى أن قرار تنفيذ الهجوم في 17 أيلول/ سبتمبر 2024 “كان محل نقاش داخلي كبير، حيث طُرحت وجهتا نظر متعارضتان، وكلتاهما كانتا صالحتين في حينها”، لكنه أوضح أن “رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، اتخذ القرار النهائي بخلاف الرأي السائد في المناقشات”.
وفي 17 أيلول/ سبتمبر الماضي، فجّرت إسرائيل أجهزة البيجر في جميع أنحاء لبنان من خلال إرسال رسالة مشفّرة. وفي اليوم التالي، فجّرت إسرائيل أجهزة الاتصال اللاسلكي، ما أدى إلى استشهاد نحو 70 شخصًا وجرح أكثر من 3 آلاف آخرين في العمليتين.
“نقطة تحول في الحرب وكسر معنويات حزب الله”
وقال برنياع إن “عملية البيجرات مثال واضح على تحقيق هدفنا”. وأشار إلى “شعار الموساد يتضمن الآية التوراتية ‘حيث لا توجد حيلة يسقط الشعب، والخلاص يكون بكثرة المشورة‘، وأضاف “انطلاقًا من هذا المبدأ، يحقق الموساد دوره في ضمان أمن إسرائيل”.
وأضاف أن “عملية البيجرات تم التخطيط لها بذكاء وإبداع من قبل كوادر الموساد، باستخدام الحيلة والتكنولوجيا المتقدمة”، مشددا على أنها تعكس “اختراقًا استخباراتيًا وفهمًا عميقًا للعدو، إلى جانب تفوق تكنولوجي وقدرات عملياتية من الدرجة الأولى”.
وشدّد برنياع على أن العملية تمثل “نقطة تحول في الحرب على الجبهة الشمالية، وبداية لعشرة أيام قلبت الموازين أمام أعدائنا. يمكن رسم خط واضح ومباشر في الحرب على الجبهة الشمالية، من عملية البيجرات إلى اغتيال (الأمين العام لحزب اله، حسن) نصر الله، وصولًا إلى الاتفاق”.
وتابع أن “اليوم الذي انفجرت فيه آلاف أجهزة البيجر في أيدي عناصر حزب الله سيُذكر كيوم مفصلي في الحرب. إنه اليوم الذي تفوقت فيه الحيلة على القوة العسكرية المباشرة. كمية المتفجرات التي احتوتها هذه الأجهزة مجتمعة لم تتجاوز تلك الموجودة في لغم عادي، لكن تأثيرها النفسي كان هائلًا”.
وأضاف أن الضربة التي تلقاها حزب الله كانت “ضربة حطمت معنوياته. النصر في الحرب لا يُقاس بعدد القتلى أو الصواريخ التي دُمرت، بل في القدرة على تحطيم معنويات العدو وإرادته القتالية”.
وقال برنياع إن حزب الله هو “الذراع التنفيذية لإيران على حدودنا الشمالية”، موضحًا أن “الموساد يستعد منذ عام 2006 لحرب لبنان الثالثة”. وقال: “جمعنا على مدار سنوات طويلة معلومات استخباراتية دقيقة، وعزّزنا التعاون مع شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) في مجموعة واسعة من الأنشطة العملياتية والاستخبارية. بادرنا إلى تخطيط عمليات وقدرات خاصة داخل أراضي العدو، وفهمنا أن الحرب المقبلة ستكون مختلفة عن كل الحروب التي خضناها سابقًا”.
وكان عميلان للموساد قد ظهرا في برنامج “60 دقيقة” على شبكة “سي بي اس نيوز” الأميركية في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، مع إخفاء وجهيهما، وادعيا أن العملية بدأت قبل 10 سنوات من تنفيذها باستخدام أجهزة “ووكي توكي” لاسلكية تحتوي على متفجّرات مخفية.
وتحدثا عن كيفية تطوير الموساد مجموعة معقّدة من الشركات الوهمية حول العالم لبيع الأجهزة لحزب الله. وقال أحدهما إن بطاريات هذه الأجهزة تم تصنيعها في إسرائيل في منشأة تابعة للموساد، وكانت تحتوي على عبوة ناسفة.
وذكرا أنه في عام 2022، بدأ الموساد في تطوير أجهزة الاستدعاء (البيجرات) المفخّخة، بعد أن علم أن حزب الله كان يشتري أجهزة الاستدعاء من شركة “غولد أبوللو” (Gold Apollo)، وأشارا إلى التعامل مع بائعة من شركة “غولد أبولو” التي اعتاد حزب الله على العمل معها.
وفي هذا الإطار، أنشأ الموساد شركات وهمية للتسلّل إلى سلسلة التوريد، بما في ذلك واحدة في بلغاريا، لخداع “غولد أبولو” ودفها للعمل معه دون معرفة. وقامت الشركة الوهمية بتصنيع أجهزة الاستدعاء بالكامل، بعد حصولها على شراكة ترخيص مع “غولد أبوللو”.
ووفقا لعميلي الموساد، فإنه بحلول أيلول/ سبتمبر 2024، الشهر الذي نفذت فيه العملية، كان لدى حزب الله حوالي 5 آلاف جهاز استدعاء (بيجر) موزعة على عناصره.