| كريستين بو ضرغم |
بعد 50 سنة على ذكرى وفاة “سيدة الغناء العربي” أم كلثوم، ما زالت أغانيها تعزف أجمل الذكريات للمستمعين خصوصاً الجيل القديم، وتشوق الجيل الحالي لأيام ما عاشوها قط.
برهن إنتشار أغنيات أم كلثوم المبالغ فيه على مواقع التواصل كـ “إنستغرام”، “تيك توك”، و”إكس”،
مدى خلودها الفني، وهي الباقية بفنها الراقي رغم “هرطقات” الموسيقى!
فما الذي يشجع جيل الـ “التيك توك” على سماع “كوكب الشرق”؟
من أجمل الإجابات التي برهنت النظرية السابقة كانت من شابة عشرينية حيث قالت: “ألتمس النضج بأغاني أم كلثوم، هو حب مجبول بعاطفة سرمدية، نستمع لها لنحافظ على إنسانيتنا، ولنخلد ذاكرة عمر جميل لم نعشه”، وأضافت: “لا يمكن مقارنة أغانيها بالأغاني الحالية، وقفة أم كلثوم على المسرح المليئة بالقوة والثبات لا يمكن تكرارها”.
وأخرى أكدت أن أغاني أم كلثوم لا تعنيها بمعناها الفني، لكن علاقة معنوية تجمعها بها إذ تذكرها بوالدها.
وفي المقابل، هناك الكثير من محبي الأغاني الحديثة، معتبرين أن “أم كلثوم” لا تعبر عنهم في كلماتها وألحانها، إذ تعتبر أغانيها صعبة لغوياً من الأغاني الجديدة في السوق الفني.
الآن قد يكون السؤال ما هي نظرة الجيل الأقدم لأغاني “سيدة الغناء العربي”؟
قد يكون شبه مستحيلاً أن تجد شخصاً من الجيل القديم لا يستمع لأغاني أم كلثوم ولا “يسلطن” مع ألحانها، ومن الآراء التي إلتمسناها: “أم كلثوم هي أيقونة للفن الجميل، شكلت حالة فنية على زماننا، وكانت الأكثر تميزاً بين الفنانات، هي الذاكرة والحب، لا زلت أحتفظ بالكاسيتات لأنها تذكرني بصباي”.
وكان لدكتورة في الأدب العربي في كلية الإعلام رأي آخر أيضاً: “تتشكّل علاقتي بأم كلثوم من خلال بعض أغانيها. وهي ذات ضدين متناقضين. بعض أغانيها تطربني حتى الثمالة، وبعضها يشعرني بالملل والضيق بما يتسلل من سطوة العاطفة في الأداء أكثر من رقتها”.
من هي أم كلثوم؟
“أم كلثوم” مطربة وممثلة مصرية، اشتهرت بلقب “سيدة الغناء العربي”، و”كوكب الشرق”.
قدمت نحو 320 أغنية، لتصُنف أغنيتها “الأطلال” ضمن أفضل مائة أغنية أنتجت في القرن العشرين.
ولدت فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي (المعروفة بأم كلثوم) يوم 4 مايو/أيار 1908، بحسب الوثائق الرسمية، (31 ديسمبر/كانون الأول 1898، وفقا لمصادر مقربة منها.، في قرية طماي الزهايرة بمصر.
وتزوجت في العقد السادس من عمرها، بطبيبها الدكتور حسن الحفناوي عام 1954، وظلت معه حتى وفاتها.
عمل والدها مؤذنا في مسجد القرية ومنشداً للموشحات في الموالد والمواسم الدينية، فحفظت القرآن الكريم وتلقت تعليماً دينياً تقليدياً، وفي سن مبكرة بدأت تشارك والدها في عمله الإنشادي.
وبدأت أم كلثوم مسيرتها الفنية وهي في سن العاشرة حين استمع والدها إلى أنشودة بصوتها، ليقرر أن تشاركه في إحياء الحفلات والمناسبات التي يُدعى إليها.
ووجدت هي الفرصة سانحة للغناء في فرقته الإنشادية.
وبدأت أم كلثوم تشارك في الحفلات، ولحن لها الشيخ أبو العلا محمد أغنية “الصب تفضحه عيونه” من كلمات أحمد رامي، ثم تعرف عليها الموسيقار محمد القصبجي 192، وبدأ في إعدادها فنياً.
بدأت شهرتها تتسع في 1928 بعد أن حقق مونولوج “إن كنت أسامح وأنسى الأسية” أعلى المبيعات، لكن لقاءها 1935 مع الملحن الشاب وقتها رياض السنباطي، الذي كان أول ألحانه لها “على بلد المحبوب وديني”، شكل قفزة نوعية كبيرة في مسيرتها الفنية.
وتعرفت على الملحن الشاب آنذاك بليغ حمدي في نهاية الخمسينيات، وقدم لها أول ألحانه “إنت فين والحب فين”، ثم “أنساك”، وغيرهما من شجي الألحان.
لا يمكن أن ننكر، أن أكثر ما علق الجمهور العربي بأغاني أم كلثوم، هو إهتمامها الواضح باللغة العربية وبانتقاء كلمات أغانيها بعناية.
يذكر، أنها شاركت بالتمثيل والغناء في ستة أفلام خلال 1935-1948، وهي: “وداد”، “نشيد الأمل”، “دنانير”، “عايدة”، “سلاّمة”، ثم “فاطمة”.
وتوفيت أم كلثوم يوم 3 فبراير/شباط 1975، بعد معاناة مع مرض التهاب الكلى،ودفنت بالقاهرة في جنازة مهيبة قدر جمهورها بالملايين، لتطبق النصف قرن على غيابها، راسمةً أجمل اللوحات الفنية في مخيلات جماهيرها.
في هذا الفيديو، نظهر مشاهد ملونة من حفل مدينة طنطا عام 1969.وتعتبر هذه اللقطات من اللقطات النادرة الملونة في أيام أم كلثوم.
وفي حفلاتها المصورة، تكاد أم كلثوم تستحوذ على المشهد البصري بشكل كامل، ذلك أن حضورها الباذخ صوتًا وغناءً، وطربًا وانفعالًا، لا يُبقي من عين المشاهد ولا ذهنه ما يتوجه إلى غيرها من مكونات الصورة. ربما انتبه كثير من المشاهدين للموسيقار محمد القصبجي وهو جالس خلفها على عوده، لما له من تاريخ ومكانة وما يثيره من تعاطف بشيخوخته ووجهه النحيل ونظارته الداكنة التي يخبئ خلفها أحزانه، لكن بقية أعضاء الفرقة يبقون في الهامش غير المرئي من الصورة.