تُشكّل الاحتياطات القابلة للاستخدام أصلاً مهماً لدى المصرف المركزي في حال أراد الدفاع عن العملة المحلية. وتُظهر أرقام “ستاندرد آند بورز” أن هذه الاحتياطات قادرة على سداد مدفوعات لبنان في الحساب الجاري على مدّة 8 أشهر في عام 2024، في حين كانت قادرة على سداد هذه المدفوعات على مدة 7 أشهر في عام 2023.
لكن هذا المؤشّر لا يُعبّر كثيراً عن القدرة الحقيقية على سداد هذه المدفوعات، وخصوصاً في الواقع اللبناني اليوم، إذ إن الاحتياطات غير قابلة للاستخدام بعدما جرى التوافق على تخصيصها للمودعين.
يُعدّ المؤشّر المذكور واحداً من المؤشرات التي تُظهر الحجم الحقيقي للاحتياطات السائلة الموجودة في المصارف المركزية.
فالنظر إلى حجم الاحتياطات بشكل مُجرّد، قد لا يكون دليلاً على أن الاحتياطات الموجودة لدى المصرف المركزي كافية ليكون الوضع النقدي في البلد جيداً. لذلك، يحاول الاقتصاديون أن يقارنوا حجم الاحتياطات بشيء ما ليأخذوا مؤشراً أوضح عن حجم هذه الاحتياطات بشكل عام. وأحد هذه المؤشرات هي مدفوعات الحساب الجاري، وهي عملياً الأموال بالعملات الأجنبية الخارجة من البلد عبر عمليات استيراد البضائع والخدمات والتحويلات المالية إلى الخارج (سواء كانت أموالاً محولة من عمّال أجانب في البلد أو أجور لأشخاص يعملون من الخارج لمصلحة مؤسسات موجودة في البلد أو تحويلات من أفراد في الداخل إلى أفراد في الخارج). حجم كتلة الاحتياطات بالعملة الأجنبية نسبة إلى هذه المدفوعات تُظهر إذا ما كانت الاحتياطات كبيرة أم صغيرة نسبة إلى حركة الأموال الخارجة من البلد.
في لبنان، هذا المؤشّر لا يُعبّر كثيراً عن الواقع. لأن مصرف لبنان لا يتدخّل باحتياطاته، مع استثناءات بسيطة، بأي عملية من عمليات مدفوعات الحساب الجاري. وقد بلغ المركزي هذه المرحلة بشكل خاص عندما توقّف عن سياسة الدعم التي امتدت على مدى السنوات الأولى من بداية الأزمة. اليوم، يظهر من الحديث السائد أن أموال الاحتياطات موجودة فقط من أجل تغطية الودائع، مع العلم أنها لا تكفي لتغطية 10% من الودائع. غير ذلك، يتصرّف مصرف لبنان كأنه لا يستطيع أن يمسّ هذه الاحتياطات من أجل أي هدف.
الاحتياطات الحقيقية في البلد هي تلك الموجودة في السوق، فهي التي تُغطّي عمليات الاستيراد، إذ يقوم التجّار بتجميع النقد الأجنبي من السوق لتأمين المبالغ المُخصصة للاستيراد، وهي التي تُغطي تحويلات العمّال الأجانب إلى الخارج. والنقد الأجنبي الموجود في السوق مصدره النقد الأجنبي القادم من الخارج، والذي يأتي على شكل 6.7 مليارات دولار تحويلات قادمة من الخارج، ونحو 3 مليارات دولار صادرات، ونحو مليارين مساعدات، وأخيراً ما يقرب من المليارين إلى ثلاثة مليارات إيرادات من الحركة السياحية. عملياً هذه الأموال هي التي يُمكن أن تُقاس نسبة إلى حجم المدفوعات الجارية إلى الخارج. مع افتراض أن رقم “ستاندر آند بورز” واقعي، يظهر أن المدفوعات الجارية الشهرية تبلغ نحو 2.11 مليار دولار، ما يعني أن حجم الكتلة الموجودة في السوق على مدار السنة (والتي تبلغ نحو 15-16 مليار دولار بحسب الأرقام المطروحة سابقاً) تستطيع أن تؤمّن نحو 7.8 أشهر من مدفوعات الحساب الجاري.