| خلود شحادة |
من بين الحشود المؤيدة، والأيادي المرفوعة تلبية، أطل “العائد”.
ظهر الرئيس سعد الحريري بـ”نيو لوك”، مرتاحاً، على عكس الصور التي كانت تنشر له خلال سفره، مما يعكس مدى التأثير الإيجابي لحضوره على “أرضه” وبين “ناسه”.
قبل “يوم العودة” بأسابيع، بدأت التحضيرات الضخمة جداً، واستنفار على صعيد تيار “المستقبل”، وشوارع تحضّرت بكل زواريبها لاستقباله بيافطات حملت اسم “أهلك وناسك”، إضافة إلى العمل الدؤوب لتأمين الحشد الشعبي في 14 شباط.
تحضيرات نُفذت على قدم وساق، هدفها الأساسي كان تثبيت مبدأ أن الحريري هو “الممثل الأول” للسنّة في لبنان، وهو الذي يمتلك “مشروعية” التحدّث بإسم “الشارع السني”، دوناً عن كل “الزعامات” الأخرى.
غياب الحريري، لم يغيّبه، بل كان حاضراً في كل محاولات البعض صعود سلم الزعامة السنية، بدءًا من الرئيس نجيب ميقاتي، مروراً بالوزير السابق أشرف ريفي، وليس انتهاء برجل الأعمال بهاء الحريري الذي حاول استغلال اعتكاف سعد خلال الانتخابات النيابية عام 2022.
محاولات ملء فراغ الغياب “الحريريّ” لم تنجح، رغم التدخل الخارجي بالمال والأفعال، إلّا أن حضور سعد الدين رفيق الحريري في وجدان الشارع السني لم يستطع إلغاءه أي غياب، وإن كان قد تأثّر هذا الحضور.
ومن التحضيرات، إلى اليوم الموعود، حيث تحولت ساحة الشهداء في بيروت إلى “مرج أزرق”، بعد أن احتشد المؤيدون للحريري في ذكرى اغتيال والده.
أطلّ الحريري بمشهد عائلي، متوسطاً عمه شفيق وعمته بهية، بعيداً عن الحضور السياسي لأي شخصية اعتاد الناس ظهورها في 14 شباط.
كان واضحاً على ملامح الحريري الفرحة عند شعوره بـ”نشوة” الزعامة، وهذا ما ظهر جلياً من خلال سلامه باليد على الحضور، وإلقاء التحية على كل الموجودين باستدارة 360 درجة في الساحة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل كان الحشد الشعبي بالمستوى المطلوب؟
البعض يعتبر أن الحشد كان جيداً من حيث العدد، وأن الجمهور “الأزرق” لبّى النداء، وكان على قدر التوقعات.
وآخرون اعتبروا أن الحشد لم يكن على قدر التطلعات، ولا يوائم حجم الحملة الضخمة التي نُظمت قبل وصول الحريري.
إلّا أن الثابت الوحيد في لعبة القوة الشعبية، أن الحريري ما زال الأكثر شعبية في الشارع السني، وإن لم يكن هو الزعيم السني الوحيد، رغم “الهجر السياسي” منذ ما يقارب العامين.
علاوة على السبب الأساسي، أي اعتكاف الحريري، فلا يمكن القفز فوق الاعتبارات الأخرى لحقيقة تراجع الشعبية لتيار “المستقبل”.
في الدرجة الأولى، لا ضرورة أن يكون العدد الذي احتشد في ساحة الشهداء هو الذي يظهر الواقع الشعبي للحريري، بل من الضروري من الإلتفات إلى أن عدداً كبيراً من الذين ما زالوا يؤيدون “المستقبل”، يشعرون بالخذلان، وبالتالي هم يوفّرون حناجرهم لهتافات التلبية يوم عودة الحريري إلى العمل السياسي من جديد.
إضافة إلى ذلك، فإن تراجع الشعبية لم تنحصر بـ”المستقبل”، بل إنها انعكست على جميع الأحزاب والقوى السياسية، بسبب الأوضاع الإقتصادية والمعيشية المزرية التي وصل إليها الناس، وخصوصاً بعد النقمة الشعبية التي كبرت عقب أحداث 17 تشرين الأول عام 2019.
سعد الحريري الذي أطل على الناس بـ”نيو لوك”، تحدث إلى الإعلام فقط ليقول “كل شي بوقته حلو”، ليعود ويطل على جماهيره التي لحقت به إلى بيت الوسط قائلاً “لبنان بحاجة لكم”.
بهذه الجملة الواحدة، وجه الحريري رسالة مزدوجة، إلى الداخل اللبناني والخارج.
رسالة الداخل، يقول فيها الحريري أنا الوريث الشرعي الوحيد للزعامة السنية، وهذا برهاني.
أما رسالة الخارج، فيقول فيها، ارفعوا الحظر عني، لأني ما زلت الأقوى سنياً، إن كنتم تريدون عودة الوزن إلى الطائفة السنية في التركيبة اللبنانية.
وبذلك، يكون الحريري قد شدد ورسخ معادلة جديدة، مفادها أن كل احتمالات التسويات يجب أن يكون هو شريك فيها.
هذه الرسائل المشفرة التي أطلقها الحريري في ذكرى والده، تحمل أبعاداً، حتى في موعد إطلاقها، فالحريري عائد اليوم إلى لبنان بعد أن هدأت عاصفة الانهيار في لبنان، وتأقلم الشعب اللبناني على الواقع المُعاش بالإكراه، وانتهاء مرحلة “كلن يعني كلن”، وشعارات الثورات وإسقاط النظام.
ومع نهاية يوم 14 شباط، والغياب “الفاقع” للسفير السعودي وليد البخاري، وكذلك كل سفراء دول الخليج، عن بيت الوسط الذي استعاد بعضاً من حيويته، تكون قد انتهت معه كل التوقعات بعودة الحريري إلى العمل السياسي، التي من الممكن أنها سوّقت للتجييش الشعبي، ويكون قد صُدّق ما أورده موقع “الجريدة” في مقال نشره مسبقاً يؤكد فيه أن الحريري لن يعود إلى لبنان إلا من مطار الرياض!
ولكن، ألا يعني غياب السفير السعودي عن المشهد في 14 شباط، وما قبله وما بعده، أن “الفيتو” السعودي على سعد الحريري ما زال نافذاً؟!
للسؤال جواب واحد.. وإن كان سعد الحريري حاول الدفع باتجاه إسقاط هذا “الفيتو”، ومنح طائرته الإذن بالهبوط في مطار الرياض!