نشرت صحيفة “هآرتس بالعربي” مقالاً لهليل شوكِن، نجل مؤسس صحيفة “هآرتس”، تحدث فيه عن فشل “إسرائيل” في المعركة الحالية في غزة، مؤكداً أنّه على “إسرائيل” الاعتراف بخسارتها.
ويقول شوكِن في مقاله: “إن مكانة الاحتلال الإسرائيلى الدولية تدهورت وبلغت حضيضاً غير مسبوق، وهذا ما يشكل خطراً ليس فقط على العلاقات التى تربطها بالدول الصديقة لها، وفى مقدمتها الولايات المتحدة، وإنما أيضاً على الجاليات اليهودية فى مختلف أنحاء العالم، مما يجعل “الإسرائيليين” فى خارج البلاد كـ “مرضى الجذام”، مُضيفاً: “أدرك الرئيس الأمريكي جو بايدن، ضعفنا أمام حزب الله اللبناني، فأرسل لنا على وجه السرعة قوة عسكرية كبيرة إلى البحر المتوسط”.
وفي ما يلي النص منقولاً إلى العربية:
لن ننتصر. ولا حتى معاً. هذه المعركة الحالية في غزة قد خسرناها منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. كل يوم إضافي في المناورة البريّة يعمّق الفشل أكثر. عندما تنتهي هذه المعركة الفظيعة، كما هو متوقع، خلال أسابيع معدودة نتيجة ضغط دوليّ، ستكون “إسرائيل” في وضع أشدّ صعوبة من الوضع الذي دخلت إليه فيه على إثر الهجوم الذي نفذته حماس. هل من المحتمل أن ينبت من قلب الفشل شيء جيد؟ نهاية الصراع، ربما؟
في يوم 16 تشرين الأول/أكتوبر أعلن “مجلس الحرب” الإسرائيلي أهداف الحرب: القضاء على سلطة حماس وتدمير قدراتها العسكرية، إزالة تهديد حماس من قطاع غزة على “إسرائيل”، جهود قصوى لحل قضية الأسرى وحماية الحدود والمواطنيين. في نهاية المعركة، لن نحقق أيّاً من هذه الأهداف.
حالياً، تشير استطلاعات الرأي إلى أنّ أداءنا في غزة يعزز مكانة حماس بين الفلسطينيين، ليس في غزة فحسب بل في الضفة الغربية أيضاً. مَن لم يقبل بحماس في غزة، سيتلقّاها في السلطة الفلسطينية أيضاً. ما كان يبدو لكثيرين أنه مساعٍ حثيثة قُصوى لتحرير الأسرى، لم تنجح سوى بصورة جزئية في تحرير أقل من نصفهم، وكل يوم إضافي تستمر فيه هذه المعركة يشكل خطراً على حياة أكثريتهم، الذين بقوا في الأسر. وإن تبلورت صفقة لتحريرهم، أصلاً، فعلاوة على أننا سنكون مُطالَبين بالإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين المسجونين لدينا، مع أو بدون “دم على اليدين”، فسوف نضطر أيضاً إلى الانسحاب من مناطق القطاع والتعهد بإنهاء الحرب. قادة حماس ليسوا أغبياء. لن يقبلوا بأقل من ذلك. الدول الصديقة لنا، التي ستبسط رعايتها على الصفقة، ستكون مُطالَبَة بتقديم ضمانات لئلا تعود “إسرائيل” إلى شنّ هجوم لاحقاً.
لقد تدهورت مكانة “إسرائيل” الدولية وبلغت حضيضاً غير مسبوق، مما يشكل خطراً ليس فقط على علاقاتها مع الدول الصديقة لها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة أساساً، وإنما على الجاليات اليهودية في مختلف أنحاء العالم أيضاً، ويجعل الإسرائيليين في خارج البلاد كمرضى “الجذام”. كذلك تراجعت مكانتنا، بصورة دراماتيكية، مقابل دول المنطقة. وخلافاً لـ “المفهوم” القائل بأنّ حزب الله مردوع عن مهاجمة “إسرائيل”، فإنّ “إسرائيل” هي الطرف المردوع. وقد تلقى ضعفنا مقابل حزب الله تأكيداً مجلجلاً حين أدرك الرئيس الأميركي، جو بايدن، حقيقة الوضع فأرسل على وجه السرعة قوة عسكرية كبيرة إلى البحر المتوسط.
وبالرغم من القوات الأميركية الرادعة، إلا أنّ حزب الله حوّل عشرات الآلاف من سكان الشمال إلى لاجئين في بلادهم، ويفلح اليمنيون في قطع التواصل البحري الإسرائيلي مع الجنوب. وبذلك، تضطر “إسرائيل” إلى القبول بما كان يُعتبر في نظرها في العام 1956 وفي العام 1967 سبباً يستدعي إعلان الحرب.
من دون تبرير الهجوم الذي نفذه الفلسطينيون على بلدات النقب الغربي، لزامٌ علينا اعتباره الذروة الحالية للكفاح الوطني الفلسطيني العنيف ضد مجرد وجود “إسرائيل” كوطن قومي للشعب اليهودي.
السنوات الطوال التي مرّت لم تثبط عزيمة الفلسطينيين ولم تُضعف معنوياتهم. قوة معارضتهم لمجرد وجود “إسرائيل” تجبي من كلا الطرفين ثمناً دموياً وثمناً اقتصادياً يزدادان باستمرار. كي لا تكون المعركة الحالية بمثابة مقدمة لانفجارات عنيفة أكبر بكثير ولضمان بقاء الوطن القومي للشعب اليهودي في “إسرائيل”، ينبغي على “إسرائيل” أن تعرِّف إلغاء المعارضة الفلسطينية لمجرد وجودها باعتباره الهدف الاستراتيجي الأعلى لسياستها.
تأمل الحركة المسيانية (الخلاصية) في “إسرائيل” في أن تحقق الهدف، بواسطة طرد جميع الفلسطينيين من مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة. ومن وجهة نظرها، فإنّ القتل المكثف في غزة واعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية، والتي يتم تنفيذها برعاية الشرطة و”الجيش” الإسرائيليين، إنما تهدف إلى “تشجيع” الفلسطينيين على الرحيل إلى خارج حدود المنطقة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، وهي خطوة تعني التطهير العِرقي لنحو 5 ملايين فلسطيني. من الصعب أن نتخيّل أن العالم – الذي سيُجبر “إسرائيل” قريباً على وقف الحرب في عزة حيال عشرات آلاف القتلى والجرحى والدمار المادي والإنساني على نطاق وحشيّ – سوف يسمح بهذا الحل.
إخفاق “يوم الغفران” وإنجازات المصريين في عبور القناة أعادت ترميم كرامة مصر وقادت إلى التوقيع على “اتفاقيات السلام”.
اعتراف “إسرائيل” بخسارتها في المعركة الحالية، كما أوضحناها أعلاه، من شأنه أن يساعد في إعادة ترميم كرامة الفلسطينيين الوطنية، التي “تُداس منذ 56 سنة”. هذه، على ما يبدو، مرحلة إلزامية في مسار يؤدي إلى وقف القتال في غزة وصفقة تبادل يتم من خلالها إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين مقابل جميع الأسرى الذين يبقى مصيرهم رهناً بالمدة الزمنية التي ستمر حتى تعترف “إسرائيل” بهذا الواقع. سوف تضطر “إسرائيل” إلى الاعتراف بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة وسيادية وإجراء مفاوضات مع أي قيادة ينتخبونها هم حول إنهاء الصراع على قاعدة قرارات الأمم المتحدة والمبادرة السعودية. فهل تكون كارثة 7 تشرين الأول/أكتوبر المُبشِّرة بأفق جديدة في الشرق الأوسط؟.