| روان فوعاني |
بدأت الانتفاضة الفلسطينية الأولى أو إنتفاضة الحجارة، يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 1987، وكان ذلك في جباليا، في قطاع غزة، ثمّ انتقلت إلى كل مدن وقرى ومخيّمات فلسطين.
وسمّيت بهذا الاسم لأن الحجارة كانت هي أداة الهجوم والدفاع التي استخدمها المقاومون ضد عناصر “الجيش الإسرائيلي”.
واتخذ الاحتلال الإسرائيلي من القمع أداة لمواجهة راشقي الحجارة، فاستخدم الرصاص الحي والمطاطي والقنابل الغازية والصوتية، وساعدته في ذلك طائراته المروحية لإخماد الانتفاضة.
كما شاعت سياسة “تكسير العظام”، التي اتبعها الجنود بحق راشقي الحجارة في عهد وزير الجيش آنذاك إسحاق رابين.
وكانت الانتفاضة شكل من أشكال الاحتجاج العفوي الشعبي الفلسطيني، على الوضع العام الصعب في المخيمات وعلى انتشار البطالة وإهانة الشعور القومي والقمع اليومي الذي تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، واستمر تنظيمها من قبل القيادة الوطنية الموحدة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية في ما بعد.
ويعود سبب الشرارة الأولى للانتفاضة لقيام سائق شاحنة “إسرائيلي” بدهس مجموعة من العمّال الفلسطينيّين على حاجز “إريز”، الذي يفصل قطاع غزة عن بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1948.
وخلال الانتفاضة، اغتالت “إسرائيل” قادة بارزين ومحركين للانتفاضة، بينهم خليل الوزير (أبو جهاد) الذي اغتيل في تونس يوم 16 أبريل/نيسان 1988، وصلاح خلف أبو إياد الذي اغتيل أيضا في تونس في 14 يناير/كانون الثاني 1991، وكلاهما من قيادات حركة “فتح”.
وهدأت الانتفاضة في العام 1991، وتوقفت نهائياً مع توقيع اتفاقية “أوسلو” بين كيان الاحتلال ومنظمة “التحرير الفلسطينية” عام 1993.
ويُقدّر أن 1,555 فلسطيني استشهدوا أثناء أحداث الانتفاضة الأولى على يد الاحتلال الإسرائيلي، كما قتل 160 “إسرائيليّاً” على يد الفلسطينيين.
وأشار مدير مركز يبوس للبحوث سليمان بشارات، إلى أن الانتفاضة كانت “مرتكزا مهما في تاريخ الحالة النضالية الفلسطينية”.
وذكر لذلك أسبابا، في مقدمتها أنه “لأول مرة منذ الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 يستطيع المجتمع التحرك بشكل جمعي جماهيري في وجه الاحتلال بعد محاولة ترويض الفلسطينيين وإجبارهم على قبول الأمر الواقع”.
وأضاف بشارات أن انتفاضة 1987، شكلت انطلاقة الحركات الإسلامية كحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، وبالتالي ساهمت في إحداث حالة من المنافسة بين التنظيمات.
وفضلا عن ذلك، شكلت الانتفاضة “ذاكرة وطنية يمكن تناقلها بافتخار، واستطاعت أن تحدث فارقا على الأرض، وبالتالي استحضارها من باب التمجيد” حسب بشارات.
أمّا الانتفاضة الفلسطينية الثانية أو انتفاضة الأقصى، اندلعت في 28 سبتمبر/أيلول 2000 وتوقفت فعلياً في 8 فبراير/شباط 2005، بعد اتفاق الهدنة الذي عقد في قمة شرم الشيخ والذي جمع الرئيس الفلسطيني المنتخب حديثاً محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون.
وكانت شرارة اندلاعها دخول رئيس حكومة الاحتلال الأسبق أرئيل شارون، إلى باحة المسجد الأقصى برفقة حراسه، الأمر الذي دفع جموع المصلين إلى التجمهر ومحاولة التصدي له، فكان من نتائجه اندلاع أول أعمال العنف في هذه الانتفاضة.
وتميزت هذه الانتفاضة مقارنة بسابقتها بكثرة المواجهات المسلحة وتصاعد وتيرة الأعمال العسكرية بين المقاومة الفلسطينية و “الجيش الإسرائيلي”.
واستشهد خلالها حوالي 4412 فلسطينيًا و48322 جريحًا، أما خسائر “الجيش الإسرائيلي” تعدادها 334 قتيل ومن المستوطنين 735 قتيل، وليصبح مجموع القتلى والجرحى “الإسرائيليين” 1069 قتيل و4500 جريح، وعطب 50 دبابة من نوع ميركافا ودمر عدد من الجيبات العسكرية والمدرعات “الإسرائيلية”.
ومرت مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة خلالها بعدّة اجتياحات “إسرائيلية” منها عملية الدرع الواقي وأمطار الصيف والرصاص المصبوب.
ويعتبر الطفل الفلسطيني “محمد الدُرّة” رمزًا للانتفاضة الثانية فبعد يومين من اقتحام المسجد الأقصى، أظهر شريط فيديو في 3سبتمبر/أيلول 2000، مشاهد إعدام للطفل (11 عامًا) الذي كان يحتمي إلى جوار أبيه ببرميل إسمنتي في شارع صلاح الدين جنوبي مدينة غزة.
وتميزت الانتفاضة الثانية بكثرة المواجهات بين الفصائل الفلسطينية و “الجيش الإسرائيلي”، وتصاعدت وتيرة الأعمال العسكرية بين الطرفين، فنفذت الفصائل الفلسطينية العديد من العمليات الاستشهادية داخل المدن “الإسرائيلية”، فاستهدفت نقاط التفتيش الأمنية والمطاعم والحافلات، فتسببت بمقتل مئات “الإسرائيليين”، ووصلت ذروته عام 2002 بمعدل 22 من الوفيات شهرياً.
ويعتبر الكثيرون قمة شرم الشيخ في 8 فبراير/شباط 2005 نهاية الانتفاضة الثانية، باتفاق الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء “الإسرائيلي” أرييل شارون، على أن جميع الفصائل الفلسطينية ستوقف جميع أعمال العنف ضد “الإسرائيليين” في كل مكان، بينما توقف “إسرائيل” كل نشاطها العسكري ضد الفلسطينيين في كل مكان.
ووافق شارون على إطلاق سراح 900 أسير فلسطيني من بين 7500 محتجز في ذلك الوقت، والانسحاب من مدن الضفة الغربية التي أعيد احتلالها خلال الانتفاضة، إلا أن مراقبين يرون أن الانتفاضة الثانية لم تنته لعدم توصل الفلسطينيين و “الإسرائيليين” إلى أي حل سياسي، واستمرار المواجهات في مدن الضفة.
أما عن معركة “طوفان الأقصى”، ولدى “إسرائيل” عملية “السيوف الحديدية”، كما تشير إليها بعض المصادر بـ”الانتفاضة الثالثة”، هي عملية عسكرية ممتدة شنَّتها فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وعلى رأسها حركة “حماس” عبر ذراعها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسام، في أول ساعات صباح يوم السبت 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
إذ أعلن القائد العام للكتائب محمد الضيف، بدء العملية ردًّا على “الانتهاكات الإسرائيلية في باحات المسجد الأقصى المبارك واعتداء المستوطنين الإسرائيليين على المواطنين الفلسطينيين في القدس والضفة والداخل المحتل”.
وبدأت عمليَّة “طوفان الأقصى” عبر هجومٍ صاروخي واسعِ النطاق شنّته فصائل المقاومة، إذ وجَّهت آلاف الصواريخ صوبَ مختلف البلدات والمدن الفلسطينية المحتلة، من ديمونا في الجنوب إلى هود هشارون في الشمال والقدس في الشرق.
وتزامناً مع إطلاق هذه الصواريخ اقتحام برّي من المقاومين عبر السيارات رباعية الدفع والدراجات النارية والطائرات الشراعية وغيرها للبلدات المتاخمة للقطاع، حيث سيطروا على عددٍ من المواقع العسكريّة خاصة في سديروت، ووصلوا أوفاكيم، واقتحموا نتيفوت.
وخاضوا اشتباكاتٍ عنيفة في المستوطنات الثلاثة وفي مستوطنات أخرى كما أسروا عددًا من الجنود واقتادوهم لغزة فضلًا عن اغتنامِ مجموعةٍ من الآليات العسكرية “الإسرائيلية”.
وتشير التقديرات الأخيرة الى وصول عدد القتلى “الإسرائيليين” لـِ 1000، من بينهم 73 جندي بينهم 5 من لواء النخبة غولاني، وعدد الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية إلى أكثر من 150.
ولامست حصيلة الشهداء والجرحى منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” 436 شهيدا فلسطينيا منهم 91 طفلاً و61 سيدة، وإصابة 2271 بجروح مختلفة منهم 244 طفلاٍ و151 سيدة.