” النساء العربيات في الازمات والحروب كسرن الكثير من القيود النمطية والتقليدية “
قاربت عميدة معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الدكتورة مارلين حيدر دور النساء العربيات في الازمات والحروب كسرن الكثير من القيود النمطية والتقليدية، مؤكّدة أنّ “التجارب التي عكستها قراءاتنا وأعمالنا الحقلية من خلال التجارب التاريخية التي استخلصناها من القراءات التي تناولت واقع المرأة العربية في نموذجين كانا منطلقًا لتقديم هذه النتائج”. فالنموذج الأوّل استعرضت فيه دور المرأة الجزائرية التي شاركت بشكل حثيث مع الرجل خلال الثورة، ولكن بعد الثورة، وضعت عليها الكثير من القيود وربما أكثر من قبل. وكأنّها لم تشارك كتفاً بكتف مع الرجل، ولم تضحي هي أيضاً حتى بأرواحها من أجل نصرة قضية الوطن
أمّا النموذج الثاني، فكان خلاصة لعمل حقلي، من خلال دراسة ميدانية نفّذت في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، وطال شريحة من النساء اللبنانيات، اللواتي عايشن الحرب الاهلية اللبنانية وتصدين لتأثيراتها وضغوطها وعنفها في حياتهن وحياة أسرهن اليومية.
ولفتت دكتورة حيدر، أنّ “قراءة مقدار حضور المرأة اللبنانية في المجال العام في فترة الحرب الاهلية اللبنانية. من خلال كتابة التأريخ للمعاش في يوميات من قابلناهن من النساء وقتها، من رصد كيفية ونوع المواجهة التي غيّرت خلال الثورة، في صورتها، كما وفي أدوارها التقليدية الموروثة في المجتمع والتي عادت إليها طوعاً بعد الحرب”.
واستخلصت من هذين المثالين “انّ النساء العربيات في الازمات والحروب استطعن كسر الكثير من القيود النمطية والتقليدية، ولكن هذه القيود سرعان ما تعود من جديد في حياتهن اليومية، وهذا ما يؤكّد اعتبارنا ان النساء الفاعلات في مجتمعاتنا لقضايا المرأة، ما زلن قافلة صغيرة من المناضلات التي تكبر تدريجياً بنضالاتها، لا بمساندة مؤسسات وطنية وقانونية فاعلة. والسبب حكماً هيمنة المؤسسات التقليدية التي ما زالت بحاجة للكثير من العمل والجهد والنضال لمواجهتها حتى تحقيق المساواة”.
في المحصّلة، أشارت العميدة حيدر “أنّ الحرب كانت مرحلة هامة في كسر الكثير من الادوار التقليدية التي اعتادت عليها المرأة قبل الحرب. فبعدما كان دور هؤلاء النساء محدودًا نسبيا في المجال العام، خرجن بسبب تداعيات هذه الحرب لأداء أدوار جديدة مغايرة للأدوار النمطية (التقليدية) التي طالما اعتدنا عليها، تخطّت تأمين التعاضد، والرعاية والخدمة لتطال الحماية، انطلاقا من الإحساس بالمسؤولية. فالأغلبية منهن قد اضطررن او لعبن أدورا بارزة وقتها. ولقد استطاع عدد مهم منهن من التمرّد على الاطر التقليدية”.
وتطرّقت الدكتورة مارلين حيدر إلى الأدوار المختلفة التي شغلتها النساء الشماليات في لبنان، خلال فترات الحروب، ومنها “أدوار في الحماية والتعاضد على المستوى الأسري التكافلي العاطفي والمادي وعلى المستوى العام الذي طال المنطقة والوطن: إن في مواجهة النزوح والتهجير، أو في تأمين الحماية (للأسرة والعائلة / للحي والمجتمع المحلي)، كما فيما خصّ تأمين الرعاية والخدمة الاجتماعية، أو الجرأة والمسؤولية في دعم وحماية السلم الأهلي، والجرأة وتخطّي العادات والتقاليد لتأمين الضروريات للاستمرار والبقاء، إضافة إلى جرأة النساء الشماليات ودورهن في تحقيق السلم الأهلي.
وكما في الجزائر، كذلك في لبنان، فقد واجهت المرأة خلال الحرب، بحسب العميدة حيدر، وناضلت وبيّنت قدراتها وامكانياتها إلا أنّها، لم تستطع ان تحصل على الكثير من حقوقها، وما زالت تعاني من العديد من المشاكل الجندرية على أكثر من صعيد. ولفتت إلى أنّ “هذا الواقع مرتبط بالثقافة اللبنانية التي ما زالت من أهم معوّقات المساواة بين الجنسين. فالمخيال الشعبي، كما تقول د. كيال، ما زال أقرب في دينامية تحوّلاته، للموروث ولاستمرار هيمنة السلطة البطريركية في المجتمع اللبناني”.
وأشارت العميدة إلى ضرورة إيجاد خطاب نسوي، تطال مفرداته أكثر من شريحة. خطاب واعٍ للتركيبة المجتمعية. وأكّدت “أنّنا نشهد خطاب تحرّري للنساء، وانما يواجه برفض وعدم تقبّل البعض”، لذا ترى دكتورة حيدر أنّ التغيير يجب أن يحصل من الداخل. وخلصت بالقول إلى إنّ ما انتجته الحرب يبيّن أنّنا قد بتنا أمام صورتين للمرأة اللبنانية: صورة لنساء عدن للتنميط الجندري بسبب التقليد والهيمنة الذكورية، وصورة لنساء استطعن تخطّي التنميط الجندري التقليدي للمرأة، وتابعن نشاطهن المدني على أكثر من صعيد.
كلام عميدة معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية دكتورة مارلين حيدر جاء خلال شبكة دراسات المرأة “صون” تحت مظلة الشبكة الدولية لدراسة المجتمعات العربية “إيناس”، لبرنامجها العام تحت عنوان” إعادة التفكير بالنسوية العربية بين الخطاب المعرفي والعمل النضالي” وترافق حفل الإطلاق مع حلقة نقاشية دولية تحت عنوان “النسوية العربية مقاربات مفاهيمية وتجارب ميدانية”. وأُطلق البرنامج بالشراكة مع مجموعة بسمة الدولية، وبالتعاون مع معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، والجمعية اللبنانية لعلم الاجتماع، ومركز دراسات المرأة في الجامعة الأردنية، ومخبر الدين والمجتمع في جامعة الجزائر ٢، وبحضور المؤسّسات العلمية والمنظمات الناشطة في قضايا المرأة الأعضاء في الشبكة.