بقلم وفيق الهواري.
انها ليست المرة الأولى التي اكتب لوزير ما، لكنهم يبدو ان الوزراء مشغولون بقضايا اهم من شؤون الناس ومشكلاتهم في مختلف الميادين.لكن وزير الصحة د.فراس الأبيض، وفي خلال اجتماعه مع لجنة موظفي المستشفيات الحكومية يوم ٢٣ اذار ٢٠٢٣، وعدهم بزيارة الى المستشفيات للاطلاع على اوضاعها الفعلية، وطلب من أعضاء اللجنة تحضير لائحة بمطالب موظفي كل مستشفى ومن الطبيعي ان يكون المطلب الاساس هو انتظام دفع رواتب العاملين المتأخرة. وفي يوم الاربعاء ٢٩ اذار ٢٠٢٣ دفع نصف راتب لموظفي المستشفى الحكومي في صيدا بعد استلام إدارته تسديد حساب من وكالة الاونروا، وتقول المعلومات ان نصف المبلغ المستوفى من الانروا كان من نصيب الأطباء “اصحاب المستشفى” والنصف الثاني من نصيب الموظفين.
يوم الثلاثاء ٢٨ آذار ٢٠٢٣ كنت في زيارة لاحدى المؤسسات الاجتماعية التي تقدم مساعدات طبية للمحتاجين اليها، عندما دخل احد الشباب يسأل عن مساعدة مالية لان والدته بحاجة الى عملية سريعة، وأن احد المستشفيات الخاصة رفض ادخالها قبل تأمين مبلغ ٥٠٠ دولار أميركي، نصفها للطبيب والنصف الآخر للمستشفى، سألته:” لماذا لا تدخلها الى المستشفى الحكومي؟
“اجاب:” راجعنا المستشفى وقالوا لا توجد معدات لإجراء هذا النوع من العمليات، وهذا ما ايده الطبيب المعالج”.
راحت بي الذاكرة يوم دعيت الى البلدية لنقاش الخطة الاستراتيجية لمدينة صيدا، وذلك قبل ثماني سنوات، وكيف سألت عن سبب غياب الموضوع الصحي والاستشفاءي العام عن الخطة المقترحة، يومها اجاب احد المسؤولين: ” لماذا تطرح ذلك؟ وهل يموت احد على أبواب المستشفيات؟” الان يموت العديد من الناس.
ويوم الأربعاء ٢٩ اذار ٢٠٢٣، أصيبت احدى السيدات بعارض صحي استوجب إدخالها الى العناية الفائقة، كان جواب الادارة ان لا أسرة لاستقبالها، لكن بعد اتصال من احد النواب،صار السرير مؤمنا. لقد تحول المستشفى الى مكان للزبائنية السياسية بامتياز.مع العلم ان عدد المرضى في المستشفى الأحد الثاني من نيسان ٢٠٢٣ يبلغ ستة مرضى فقط.
في ٢١ اذار ٢٠٢٣ قبض احد “اصحاب” المستشفى اتعابه من الصندوق (٥٩ مليون ل.ل.)وحتما الى جانب الفريش دولار الذي يؤخذ من المرضى، والموظفون لا يملكون أجور تنقل.
لقد نجحت ادارة المستشفى في تعميم ثقافة الفساد، انها تقطر في دفع رواتب ومستحقات الموظفين وهذا دفع بعضهم الى تقليد سياسة الادارة والاستفادة من الفوضى وغياب الشفافية وعدم المحاسبة للقيام بخطوات مغطاة من الإدارة وبعض القوى السياسية مما يدمر المستشفى تدريجيا.
فقد شهد المستشفى عملية اختلاس مالية تعدت ٣٥ مليون ل.ل. وقد اجرت الادارة تحقيقا بذلك، وتقول المعلومات ان احد المشتبه بهم اوقفته الادارة عن العمل لمدة شهر ريثما يقفل الملف ولن يكون مصيره مختلف عن مصير من اعتقلهم جهاز امن الدولة بتهمة سرقة تيار كهربائي او من اوقفهم جهاز فرع المعلومات بتهمة تزوير مستندات.
وعلى الرغم من اكتشاف امر احد الموظفين بتزوير إفادة راتب للحصول على قرض سيارة فقد تسلم مسؤولية قسم في المستشفى المذكور.واخر ياتي يوميا ليسجل دخوله الى العمل ثم يخرج للالتحاق بعمل آخر.
كما تسمح الادارة لبعض الموظفين بالحصول على واردات غير قانونية وبعلمها بالكامل، مثل قضية الخبز، التموين، وموقف السيارات.
اما في قسم المحاسبة فالمخالفات لا تنتهي، آخرها ان مريضا دفع مبلغ ١٥٠ دولار أميركي فرق ضمان، وما سجل على الحاسوب هو مبلغ مليونين واربعماية الف ل.ل. اي نحو ٢٢ دولار والباقي توزع بين الطبيب والموظف.ويستلم عدد من المرضى او اهاليهم إيصالات اقل بكثير من المبالغ المدفوعة، وقد كشف احد الموظفين ا.ف. احدى العمليات لكن المختلس انكر ذلك ومشي الحال.
وقد انتشرت اخبار مفصلة حول محاولة احدى موظفات وزارة الصحة الاستيلاء على ادوية البنج التي اقترب موعد انتهاء فعالياتها، لكن موظفة اخرى منعتها واعادت الادوية الى وزارة الصحة، وذلك يوم ١٥ اذار ٢٠٢٣
وفي قسم العمليات، جرى تصليح بعض آلات العمليات ومعداتها، والسبب ان “اصحاب” المستشفى يستفيدون منها في عملياتهم من خلال الفريش دولار المأخوذ من المرضى، في حين ان خمس آلات في قسم غسيل الكلى ما زالت معطلة لأنها لا تدر دخلا اضافيا “لاصحاب” المستشفى.
ويفيد مصدر في المستشفى ان ابر الكزاز لعلاج عضة الكلاب والتي تقدمها وزارة الصحة مجانا، فان ادارة المستشفى تبيعها للمرضى، الذين يدفعون ثمنها عند كل مرحلة من مراحل العلاج الثلاث.كما ان “احدهم” يستولي على ابر وأدوية ويبيعها في منطقة محددة من الجنوب، الى جانب اخر يسرق ادوية ويبيعها وهو هارب من احد مستشيات بيروت بسبب ذات التهمة.
لا يختلف اثنان ان الانهيار الاقتصادي والمالي قد يدفع بعض الأشخاص لممارسة اعمال غير قانونية ويتم تبريرها بالحاجة.
لذلك فان احدى وسائل المعالجة هي انتظام دفع الرواتب وتعديلها والحصول على بدل تنقل عادل. لكن كل هذه الخطوات لا تلغي الفساد المستشري، وتشير المعلومات ان “اصحاب” المستشفى يقدمون خدمات لبعض المرضى بطلب من “الزعامات” وهذه الخدمات تقدم من حساب المستشفى وليس من اتعاب الأطباء.ويلاحظ ان ادارة المستشفى لم تتعاون بشكل جدي مع اللجنة الصحية في مبادرة صيدا تواجه، ما دفع اللجنة الصحية الى رفع تقرير الى هيئة المتابعة منذ اكثر من شهرين، ولم يحصل شيء، وقالوا انهم سيطلبون من وزارة الصحة التدخل والتحقيق والتدقيق ولم يحصل شيء حتى اللحظة، والان فان د. فراس الأبيض يعد لجنة الموظفين انه سيحضر ليستمع الى المطالب، فهل يمكن ان يأخذ وزير تصريف الاعمال القرار المناسب؟ والقرار الوحيد المناسب هو اقالة الادارة وكف يد “اصحاب” المستشفى، واعادة هيكلة المستشفى وتشكيل لجنة إدارية جديدة ذات كفاءة ونظافة كف، هل يقدم وزير الصحة على ذلك؟ في مرة سابقة وردا على احد التقارير التي ارسلتها اليه، اجاب انه مقدر الجهد ومتشكر للمعلومات بدون اي نتيجة. يبدو في المرة القادمة علينا ارسال رسالة الى منظمة الصحة العالمية بصفتها الأعلى عالميا، لأن جواب رئيس الحكومة لن يكون أكثر من ” بدنا نتحمل بعضنا”.
وهنا في صيدا هل من يتابع الموضوع دفاعا عن المواطنين الذين باتوا يموتون عند أبواب المستشفيات؟.