تقدم، في خطوة مفاجئة تحمل دلالات سياسية وإدارية، 12 عضوا من مجلس بلدية طرابلس باستقالاتهم الرسمية لدى دائرة البلديات في سرايا طرابلس، في ظل أجواء من التوتر والخلافات المستمرة بين اعضاء المجلس البلدي التي أعقبت الانتخابات البلدية الأخيرة.
وجاءت هذه الاستقالة بعد سلسلة اجتماعات عقدها الأعضاء المنضوون ضمن “لائحة نسيج” مع محافظ الشمال بالإنابة إيمان الرافعي، بمشاركة ابراهيم عبيد، الفائز على لائحة “حراس المدينة”، وذلك للتداول في مسار العمل البلدي وإمكانية الوصول إلى تفاهمات تضمن شراكة متوازنة في إدارة المجلس.
وخلال الاجتماع حضر رئيس بلدية طرابلس المنتخب عبد الحميد كريمة، يرافقه عدد من الأعضاء الفائزين على “لائحة رؤية”، وعقدوا اجتماعا مع الرافعي، كما عقدت اجتماعات ثنائية بين رئيس لائحة “نسيج” وائل زمرلي وكريمة في محاولة لتقريب وجهات النظر، إلا أنّها باءت بالفشل، في ظل تعثر التفاهم حول البنود الخلافية الأساسية.
بداية خرج كريمة من الاجتماع، وأكد للاعلاميين “أن اللقاء جاء استجابة لدعوة السيدة الرافعي الكريمة”، مشددا على “الاحترام الكبير لشخصها ودورها”، وقال: “نلبي دعوة سعادة المحافظ الأستاذة إيمان الرافعي بكل ارتياح، فهي موضع ثقة وتقدير، وقد حضرنا بصفتنا أعضاء في المجلس البلدي لنناقش مجموعة من المواضيع التي طرحت علينا مسبقا، والتي كنا أساسا منفتحين عليها وموافقين على مضمونها”.
وأضاف: “لكن دعونا نكون واضحين: لا أحد يمكنه تجاوز موقع رئاسة بلدية طرابلس أو فرض أمر واقع من دون احترام الأصول والمقامات، فإما أن يكون هناك رئيس بلدية له كلمة وموقع واحترام، أو لا تكون هناك بلدية فعليا هذا موقف مبدئي وواضح”.
وشدّد كريمة على” أن أي اتفاق لا يمكن أن يتم خارج إطار المجلس البلدي”، وقال :””نحن مجلس بلدي شرعي، وأي اتفاق أو تفاهم يجب أن يتم داخل القصر البلدي، وتحت سقف مؤسساته الرسمية، ولا نقبل أن تعقد التفاهمات في المقاهي أو المكاتب الجانبية، مع احترامنا الكامل لجميع الأطراف”.
وختم بالقول: “لم نضع شروطا على أحد، ونحن منفتحون على التعاون الكامل مع الجميع، وكل عضو يملك الكفاءة نرحّب به في أي لجنة، وندعم تشكيل لجان فاعلة تخدم المدينة، كما أننا أكدنا دعمنا الكامل لعودة اتحاد بلديات الفيحاء إلى كنف بلدية طرابلس، وإذا توافرت الضمانات. لم نتخلّف عن أي ملف، ولكن لدينا ثوابت نحترمها ولن نتنازل عنها”.
استقالة جماعية
وفي أعقاب هذا الإخفاق، تقدّم الأعضاء المستقيلون بطلبات استقالتهم الجماعية، الى دائرة البلديات في المحافظة وهم من لائحة نسيج طرابلس: وائل زمرلي، مصطفى فخرالدين، ربيع حروق، أنس القاري، هيثم سلطان، باسم زودة، طه ميقاتي، عبدالله زيادة، سامر خلف، باسم عساف وجلال الست وابراهيم عبيد من لائحة حراس المدينة.
زمرلي
بعدها ،تحدث زمرلي امام وسائل الاعلام مؤكدا “أن القرار جاء بعد قناعة راسخة بأن المجلس المقبل سيكون “أعرجا وسيفقد القدرة على العمل بفعالية وتوازن، وقال:” قدّمنا استقالتنا لأننا لا نقبل أن نكون جزءاً من مجلس بلدي غير متكامل، يعاني من خلل في التمثيل والشراكة، وكنا لا نأمل ان نصل إلى هذه المرحلة، لكن الواقع فرض علينا هذا الخيار وانخذناه”.
وأضاف: “لم نكن نريد أن نقدم على هذه الخطوة، لكن أمام انسداد أفق الإصلاح وغياب الجدية في احترام الشراكة والاتفاقات، لم يعد أمامنا سوى الانسحاب احتراما لأنفسنا ولثقة الناس التي أولتنا أصواتها”.
بعدها اصدر الاعضاء المستقلون بيانا حمل توقيع “لائحة نسيج – طرابلس”، عبّروا فيه عن “خيبة أملهم من المسار الذي سلكته عملية انتخاب رئيس البلدية”، معتبرين أن “ما جرى شكّل التفافا على إرادة الناخبين، وأدى إلى انتزاع المنصب بأساليب تفتقر إلى النزاهة، وأثارت موجة من الاستياء والإحباط في الشارع الطرابلسي”.
وأوضح البيان أن الأعضاء كانوا قد حضّروا استقالاتهم سابقا، بعد تأكدهم من جهوزية وزارة الداخلية لإجراء انتخابات جديدة خلال مهلة لا تتجاوز الشهرين، لكنهم عادوا وعلّقوها إثر تدخل عدد من وجهاء المدينة الذين دعوهم إلى التريّث ومنح الفرصة لتجربة شراكة بلدية جديدة، مشروطة بتحقيق سلسلة من المطالب أبرزها:
• شراكة فعلية في صنع القرار.
• التزام حازم بمكافحة الفساد وترسيخ الشفافية.
• رفع الغطاء السياسي عن المجلس البلدي.
• تفعيل الأداء البلدي بما يلبّي تطلعات المواطنين.
غير أنّ المستقيلين أكدوا في بيانهم أن هذه المطالب لم تحترم، بل جرى التراجع عنها منذ اليوم الأول، بذريعة “الضغوط السياسية” و”صعوبة إقناع من أتى بالرئيس”، ما اعتبروه “نكسة للثقة ومؤشرا سلبيا على جدية الالتزام بالشراكة”.
وختم البيان بالتأكيد “أن هذه الخطوة لا تعبر عن انسحاب من الشأن العام، بل هي موقف مبدئي وأخلاقي، هدفه حماية تطلعات المواطنين والدفاع عن طرابلس من أي مسار يبتعد عن مبادئ الشفافية والمساءلة”.