بلحيته الخفيفة ووقاره اللافت، نجح محمد هادي صالح، الشاب الثلاثيني، في التوغّل داخل بيئة “الملتزمين دينياً”، والمعروفة اختصاراً ببيئة “حزب الله” في الضاحية الجنوبية. شاركهم سهراتهم وطقوسهم، ولم يتخلّف عن حضور المجالس الدينية أو مواكب “الهريسة”، ولا عن الخواتم المزوّدة بالأحجار الكريمة، والتي باتت تُعرف بـ”عدّة النصب” في هذه الأوساط.
كل ذلك جعله شخصاً مقبولاً ومصدراً موثوقاً لمعلومات كان يجمعها من أصدقائه، بعضهم من القياديين في الحزب، وآخرون من العناصر العاديين. بصوته الشجي الذي اعتاد به تلاوة الأناشيد، نقل معلومات ساهمت لاحقاً في تصفية أصحابها.
العمالة بالصدفة
قبل أسبوعين، تم توقيف صالح بتهمة احتيال مالي، إثر شكاوى قدّمها أفراد استدان منهم مبالغ لاستثمارها في “البورصة”. غير أن التحقيقات الأمنية فتحت باباً آخر حين تم تفتيش هاتفه، لتتكشف عبره اتصالات ومراسلات مع جهات مشبوهة، بعضها مرتبط بأطراف إسرائيلية. هذه المعطيات دفعت الأجهزة الأمنية إلى توسيع دائرة التحقيق، لتكتشف أن تلك الاتصالات بدأت في أيلول 2024، في خضم العدوان الإسرائيلي على لبنان.
وقد تبيّن أن صالح قدّم معلومات حساسة عن قادة في حزب الله وشخصيات فاعلة داخله، مقابل نحو 23 ألف دولار أميركي، حصل عليها على مراحل. استغل علاقاته الوثيقة بأبناء هؤلاء القادة للحصول على تفاصيل دقيقة عن نشاطاتهم.
حسن بدير والشكوك المتأخرة
أهم علاقاته كانت مع القيادي حسن بدير، معاون مسؤول الملف الفلسطيني في الحزب، والذي استُهدف في غارة إسرائيلية فجر الأول من نيسان، في حي ماضي، وقُتل مع ابنه. المفارقة أن صالح نعاه بكلمات مؤثرة أظهرت “فجيعته”، رغم أن التحقيقات تُشير إلى احتمال تورّطه في تسريب معلومات أدّت إلى اغتياله.
علاقته ببدير لم تكن شخصية فقط؛ فقد كان يدير مطعم “Hamra Bey” المملوك من بدير في منطقة الحمرا، وهو ما يعزز فرضية اختراقه لدائرة القادة المؤثرين.
الصدمة عبر “فيسبوك”
انتشار خبر عمالة صالح شكّل صدمة بين أصدقائه ومتابعيه على “فيسبوك”، خصوصاً بعد بيان عائلته الذي نفى التهم، واعتبر توقيفه متعلقاً فقط بخلاف مالي. غير أن التحقيقات أثبتت لاحقاً تعاونه مع الاحتلال الإسرائيلي، مقابل دفعات مالية.
أحد المقرّبين وصفه” بأنه “شخصية كاريزمية وهمشري”، ماهر في الاندماج الاجتماعي، واسع الثقافة، ومُتقن لبناء العلاقات، ما سهّل عليه اختراق بيئات مختلفة. وقد شكّ كثيرون سابقاً بأنه ينتمي إلى فرقة أمنية، نظراً لما يملكه من معلومات وقدرته على خلق انطباع أمني.