سلام: بيروت قلب لبنان وروحه

قال رئيس الحكومة نواف سلام، إنه “يطيب لي أن نلتقي في هذا المساء الرمضاني المبارك، حيث تجتمع القلوب في رحاب الخير والعطاء، وتلتقي الأيادي البيضاء على مائدة الرحمة والتآخي، في هذه المناسبة العزيزة على قلوبنا جميعًا: إفطار دار الأيتام الإسلامية في بيروت، إنها لحظة تعبر عن معاني التضامن والتكافل، وعن روح المحبة التي تميز مجتمعنا.

وأضاف في كلمة خلال إفطار في دار الإيتام الإسلامية، أن وجودهم اليوم في دار الأيتام الإسلامية هو تجسيد لهذا المعنى السامي، حيث يقفون إلى جانب أبنائهم الذين فقدوا أهلهم، للقول لهم إننا جميعًا أهلهم، وإن هذه الدار هي بيتهم، وإن في قلوب أهل بيروت مكانًا خاصًا لهم، لأنهم جزء لا يتجزأ من نسيج مجتمعنا.

ولفت إلى أن بيروت، هذه المدينة العريقة، التي لطالما احتضنت الجميع، وحملت عبر تاريخها الطويل رسالة المحبة والانفتاح، كانت وما زالت نموذجًا للعيش المشترك، وحاضنة للقيم النبيلة التي تربينا عليها جيلاً بعد جيل.

وأشار إلى أن بيروت ليست مجرد عاصمة سياسية وادارية، إنها قلب لبنان وروحه، وهي المنارة التي أضاءت العالم العربي بفكرها وحيويتها وحداثتها، موضحاً أنها “مدينة العلم والثقافة، التي أنجبت الأدباء والمفكرين والعلماء، وفتحت أبوابها لكل باحث عن المعرفة، ولكل ساعٍ إلى النجاح، إنها مدينة الصحافة الحرة، ومنبر الكلمة الصادقة، وموئل الفن والإبداع، حيث تنبض الحياة في أزقتها وشوارعها بكل معاني الجمال والتاريخ.


لكن بيروت ليست فقط مدينة الفكر والثقافة، بل هي أيضًا مدينة التكافل والتضامن الإنساني، كم من مرة نهضت من الأزمات، وكم من مرة أعادت بناء نفسها بروح التحدي والإرادة الصلبة. واليوم، رغم الصعاب التي تواجهها، تظل بيروت وفية لتاريخها، حاضنة لأبنائها، مشرعة أبوابها للمحتاجين، ساعية إلى الخير، متمسكة برسالتها السامية.

وأفاد أن دار الأيتام الإسلامية في بيروت “ليست مجرد مؤسسة اجتماعية، بل هي صرح إنساني عريق تمتد جذوره أكثر من قرن، قدم خلاله خدمات جليلة للأيتام والمحتاجين، وأسهم في بناء أجيال متعاقبة من الشباب الذين أصبحوا اليوم عناصر فاعلة في المجتمع”.

واعتبر أن رعاية الأيتام ليست مسؤولية فردية فحسب، بل هي واجب مجتمعي، وتكليف شرعي، وعمل إنساني نبيل، مشيراً إلى أن رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال: “انا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين”

وذكر أن الدعم الذي يقدمونه للأيتام هو استثمار في المستقبل، فكل طفل يتيم نرعاه، وكل يد نمدها إليه، وكل فرصة تعليمية نوفرها له، هي خطوة نحو بناء مجتمع أكثر تماسكًا، وأكثر عدلاً وأكثر إنسانية.

ودعا الجميع إلى المساهمة في هذه المسيرة المباركة، سواء بالدعم المادي أو المعنوي، أو بالمشاركة في المبادرات التي تهدف إلى تعزيز حياة الأيتام وتطوير إمكانياتهم، معتبراً أن اليتيم لا يحتاج فقط إلى الطعام والشراب، بل يحتاج إلى الحب والاحتضان، يحتاج إلى أن يشعر بأنه جزء من مجتمع يقدره ويحترمه، ويؤمن بقدراته، ويفتح الأبواب أمام طموحاته.

وأضاف: “دعوني أقول لكم بأن عهود الفرص الضائعة ولّت، وعلينا جميعاً أن نتعاون لإنجاح فرص الإنقاذ المتاحة في هذا العهد الجديد، لنكون على مستوى الثقة التي أولانا إياها اللبنانيون في الداخل، والأشقاء والأصدقاء في الخارج، والذين لن يبخلوا علينا بالدعم والمساعدة، إذا عرفنا نحن أن نساعد أنفسنا أولاً وأخيراً”.

وأوضح: “​لن أتحدث عن برنامج أولويات لحكومتنا التي أطلقت عليها تسمية “حكومة الإصلاح والإنقاذ”، فمعالجة كل أمراض جسمنا العليل تعتبر أولوية، لذلك سنعمل بطريقة الخطوط المتوازية لنستطيع إنجاز أكثر من ملف في أسرع وقت ممكن”.

واعتبر أن “تأمين الإنسحاب الإسرائيلي أولوية، وإطلاق ورشة إعادة الإعمار في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت أولوية، وتأمين الكهرباء أولوية، والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي أولوية، واستقلال القضاء أولوية، وإصلاح الادارة اولوية، وانصاف المودعين وهيكلة المصارف وإعادة رسملتها واستجلاب المستثمرين أولوية، والتزام برنامج مساعدات العائلات الفقيرة أولوية، على أن الأولوية المطلقة تبقى للعمل على إعادة بناء الدولة، بإداراتها ومؤسساتها، وبسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية بقواها الذاتية، كما نص عليه اتفاق الطائف، مما يشعر مواطنينا بالأمن والأمان، ويعزز الاستقرار، ويطمئن بيئة الاعمال، وهي كلها شروط ضرورية للنهوض باقتصادنا وتوفير فرص عمل لأبنائنا”.

​وقال إن “أهم مقومات الإستقرار الإجتماعي العمل بجدّية لتحقيق الإنماء المتوازن، خاصة في المناطق المحرومة تاريخياً، من عكار شمالاً إلى الناقورة والقرى المنكوبة جنوباً، وصولاً إلى بعلبك والهرمل شرقاً، ونريد لأبناء هذه المناطق أن يعيشوا في كنف الدولة العادلة والقادرة على تلبية حاجاتهم الإنمائية، ويتمتعوا بحياة كريمة في مناطقهم”.

​ وذكر أنهم يستعدون في الشمال لتفعيل المنطقة الإقتصادية وتشغيل مطار القليعات الذي يوفر آلاف الوظائف لأبناء المنطقة، وفي الجنوب “سنعيد إعمار القرى المهدمة بأسرع مما يتصوره كثيرون من خلال دعم ومساعدات الأشقاء والأصدقاء، وفي البقاع سنشجع الزراعات ذات الإنتاجية المميزة والمردود المالي العالي لأهلنا في محافظة بعلبك والهرمل، ليعيشوا حياة هانئة، بعيدة عن أجواء القلق والخوف التي عانت من ويلاتها أجيال وأجيال.

​وكل ذلك لا يعني أننا سنهمل المناطق اللبنانية الأخرى، التي تبقى بحاجة لوجود الدولة في يومياتها، وخاصة بيروت الحبيبة التي تعاني، وللأسف كثيرا، من تدني مستوى الخدمات فيها، بما لا يليق بعاصمة الوطن التي تحتضن مع ضواحيها نصف سكان لبنان”.

وقال: “أيها الأحبة، وللشباب حصة كبيرة من تفكيرنا، حيث يعتبر لبنان أحد أهم الدول التي تصدر الكفاءات العلمية الشابة إلى أسواق العمل الإقليمية والعالمية، ونادراً ما نجد عائلة في لبنان تعيش مع أولادها بعد تخرجهم من الجامعات، حيث يحمل الشباب شهاداتهم بيد، وحقيبة السفر باليد الأخرى، بحثاً عن فرص عمل واعدة، وحياة آمنة ومستقرة. أن التركيز على إيجاد فرص عمل للشباب، ليشاركوا في بناء الوطن وتطوره يجب أن يكون في صميم المهمات الوطنية لأية حكومة لبنانية.

ووعد سلام في البيان الوزاري باستكمال تطبيق ما لم ينفذ بعد من اتفاق الطائف ومنه الهيئة الوطنية المولجة البحث في سبل الإلغاء التدريجي للطائفية السياسية، التي نصت عليها المادة ٩٥ من الدستور، وذلك للعمل على إستئصال آفة الطائفية الذي تضرب الحياة الوطنية، وتعطل طموح الشباب في الوصول إلى دولة القانون والمؤسسات القائمة على العدالة والمساواة بين المواطنين، والتي تعتمد الشهادة العلمية والكفاءة في الوظائف العامة، بدل الهوية المذهبية، والزبائنية السياسية. ​​

واستكمل: “في هذا الشهر الفضيل، حيث تتجلى معاني الرحمة والكرم، نسأل الله أن يبارك جهود القائمين على دار الأيتام الإسلامية، وأن يجزيهم خير الجزاء على ما يقدمونه من رعاية وعناية، ولكل من وضع يده في يد اهل هذه الدار لنرسم البسمة ليس على وجوه أطفالنا وحسب، بل على محيا كلٍ اللبنانيين.
ونسأل الله أن يحفظ لنا بيروت، هذه المدينة الغالية، وأن يعيد إليها بهاءها وتألقها، وأن تبقى دائمًا المدينة العربية الرائدة في الفكر والثقافة، ومدينة العطاء والتسامح والإنسانية.
وأردف: “نجدد العهد بأن نبقى دائمًا إلى جانب كل لبناني يؤمن بأن الدولة هي الملاذ الأول والأخير، وأن نعمل معًا من أجل مستقبل أكثر إشراقًا لأبنائنا، وأكثر استقرارًا لمجتمعنا، وأكثر ازدهارًا لوطننا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *