| رندلى جبور |
كلما نظرتُ مِن حولي، تعود فكرة “عالم الفوكا” إلى ذهني.
ذاك العالم الذي سَعَت إليه الولايات المتحدة الأميركية، ليكون متقلّباً، غامضاً، بلا يقين أو تأكيد:
Volatility, uncertainity, complexity, ambiguity.
واليوم، وكأن جزءاً كبيراً من الشعب اللبناني دَخَل، عن غير معرفة ربما، في عالم “الفوكا”.
فهو إذاً عالم متقلّب، وجزء من شعبنا يعيش بالفعل زئبقية في المواقف وفي الأحاسيس. “كلمة بتاخدو وكلمة بتجيبو”. صورة ترفعه إلى فوق وصورة تحبطه.
وكأن إنساننا بلا ثبات في عقله وفي قلبه. وكأنه مُصاب بداء التأثر بما يتلقى سطحياً، واضعاً منطقه هو على جنب، وناسفاً التاريخ والتجارب وأحكام الجغرافيا، وغير متنبّه للاستراتيجيا وتحوّلاتها وللمستقبل، وغير واقف عند ثوابت عليا في الوطنية والسياسة.
هو في لحظة مهلِّل، وفي لحظة محبَط. ساعة مؤيد وساعة معارض. يوم مع هذا المشروع أو الفعل ويوم ضدهما.
يقف مع الواقف بسرعة، ويرمي نفسه في حضن “العصر الآتي” مهما كان، ثم يعود وينتبه أنه ليس حكماً الواقف إلى الأبد أو مع الحق، أو أنه ليس مَن يخدم مصالحه وقضاياه ولو ظنّ لبعض الوقت العكس.
اللبناني مرة علماني ومرة طائفي، ومرة داعي للوحدة ومرة للتقسيم.
يغني لهذا ثم يشتمه. يعقد تفاهمات ثم ينسفها… على أي أساس وعلى أي مبدأ؟ الله أعلم!
وعالم “الفوكا” هو عالم اللا تأكيد واللا يقين. واللبناني غير متأكد من شيء ولا يرى كيف هو غده.
هل نحن مع الاستقرار والازدهار تحت الوصاية، أم مع اللا استقرار كثمن للحرية والكرامة؟
هل ستتشكل الحكومة أم لن تتشكل؟
هل سيصطلح الوضع الاقتصادي والمالي، أم سيبقى على حاله؟
هل ستنسحب “إسرائيل” أم هي باقية في أرضنا؟
أي مشروع سينتصر في النهاية؟
هل التحولات في سوريا لصالحنا أم لا؟
وهل العهد الآتي سيحقق الوعود والقسم، ومن سيبقى بقوة في المشهد وإلى متى؟
كلها أسئلة بلا إجابات أكيدة عليها، ومستقبلنا يشوبه الغموض التام لأننا وكأننا لسنا أصحاب خيار وقرار.
وعالم “الفوكا” هو عالم معقّد. وفي لبنان كل شيء معقّد. من السياسة إلى الحياة اليومية، ومن الموقع الجغرافي والاستراتيجي إلى التفاصيل الداخلية، ومن الشأن العام إلى دخول مريض إلى المستشفى. ومن التحالفات الخارجية إلى العلاقات اللبنانية ـ اللبنانية.
فهل تُحقق الولايات المتحدة عالمها من لبنان، أم أن الشعب سينتفض بـ”فوكا” معاكسة من خلال Vision, understanding, clarity, agility، أي الرؤية والفهم والوضوح والقدرة على التكيف والمرونة، وفق نظرية بوب جوهانسن؟
بين عالمَي “الفوكا”، على اللبنانيين أن يختاروا ويقرروا قبل فوات الأوان…