الحجار: ” الرئيس سعد الحريري رفض ان يكون شاهد زور على نحر الوطن لأسباب خاصة..”

كتبت دنيز رحمة فخري في “الأندبندنت عربية “

ما أسباب غياب الدور السني البارز وسط كل ما يحصل، وكيف يتطلع ممثلو هذه الطائفة، الروحيون والسياسيون، إلى الدور المستقبلي نتيجة التغيرات الكبيرة في لبنان والمنطقة، خصوصاً أن تراجع دور السنة يمثل تحدياً ليس فقط للسنة بأنفسهم، ولكن من أجل استقرار لبنان ككل؟

القيادة المفقودة التي انعكست موقفاً وسطياً رمادياً لدى الطائفة السنية في لبنان على رغم التحولات الجذرية التي حصلت في بلاد الأرز والمنطقة وخصوصاً في سوريا، هي ظاهرة استوقفت كثيرين. فعلى رغم التبدلات في الأوضاع التي كانت في أساس أسباب تراجع الدور السني، في انعكاس لمشروع إضعاف بدأ من العراق، وتوسع وتكرس في سوريا، وعلى رغم وجود فرصة لدى معظم القوى التي كانت خارج محور الساحات المرتبط بإيران إلى إعادة التوازن والدور، لا يزال الموقف العام السني “خجولاً” أو متردداً ومشتتاً، ويقتصر على مواقف فردية في بعض الأحيان غير مؤثرة.

ويتخذ السنة على سبيل المثال من استحقاق رئاسة الجمهورية اللبنانية موقفاً هو أقرب إلى المتفرج، كما بدا لافتاً تريث رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، المعتكف عن السياسة منذ عامين، قبل إعلان موقفه من تطورات سوريا وسقوط نظام بشار الأسد والضربات الكبرى التي تعرض لها “حزب الله” ومن ضمنها اغتيال أمين عامه السابق حسن نصرالله. وهنا فسر كثيرون هذا التريث بأنه “ضعف” في الموقف بخاصة أن الحريري الإبن كان يفترض، على حد قولهم، أن يكون أول المصفقين لسقوط الأسد المتهم باغتيال والده رفيق الحريري، وغيره كثيرون.

فما أسباب غياب الدور السني البارز وسط كل ما يحصل، وكيف يتطلع ممثلو هذه الطائفة، الروحيون والسياسيون، إلى الدور المستقبلي نتيجة التغيرات الكبيرة في لبنان والمنطقة، خصوصاً أن تراجع دور السنة يمثل تحدياً ليس فقط للسنة بأنفسهم، ولكن من أجل استقرار لبنان ككل.

يتخذ السنّة على سبيل المثال من استحقاق رئاسة الجمهورية اللبنانية موقفاً هو أقرب إلى المتفرج (رويترز)

الزعامة الواحدة لن تتكرر

عد نائب سابق من “تيار المستقبل”، عايش مرحلة الزعامة الحريرية، أن فهم الواقع السياسي داخل الطائفة السنية يتطلب معرفة تركيبتها الاجتماعية المختلفة عن باقي الطوائف اللبنانية، فالطائفة السنية هي “مدينية” بامتياز، إذ يسكن معظم أبنائها في مدن طرابلس وبيروت وصيدا، وقلة تسكن القرى في الجبال، مما يضفي عليها طابع الاهتمام بالتجارة والنقل البحري والعلاقات الداخلية والخارجية. وشرح النائب السابق، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أنه قبل رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري لم يكن في لبنان ما يعرف بالزعامة السنية الواحدة، وكانت زعامات مناطقية، ولم تتكون فكرة الزعامة السنية الواحدة إلا مع الحريري الأب، و”اليوم تغيب زعامة سنية قادرة على استقطاب العدد الكبير من الطائفة، بسبب الفروق الاجتماعية بين منطقة وأخرى في العادات والتقاليد على المستوى الاجتماعي والمادي”، ويضيف مشدداً على أن التشتت الظاهر اليوم داخل هذه الطائفة كان موجوداً أيضاً قبل زمن الحريري، وسط تعدد الزعماء المناطقيين أمثال رشيد كرامي (رئيس حكومة راحل) في طرابلس، وصائب سلام (رئيس حكومة راحل) في البسطة، وآل سعد في الجنوب، ووفق هذا النموذج المتعدد سيعاد تكوين الواقع السني.

وفي السياق نفسه يضيف النائب السابق “حتى الجماعة الإسلامية لم تتمكن من خرق الطائفة السنية، وهذا ما يفسر غياب الأحزاب السنية وغياب السنة في الأحزاب، بسبب الظاهرة الاجتماعية وبسبب ارتباط الطائفة تاريخياً بالدولة حيث كانت تعد نفسها من أيام الأمويين حتى اليوم أنها جزء من الدولة، ولم تشعر بضرورة أن يكون لديها نوع من وجود سياسي أو مواجهة سياسية مع السلطة بصورة أو بأخرى. وانطلاقاً من كل ما تقدم لن تكون هناك قيادة سنية واحدة في لبنان، والمرحلة الجديدة ستكون شبيهة بالمرحلة التي تلت الاستقلال حيث كانت في كل منطقة قوى سياسية سنية مختلفة. دور السنة لا يمكن أن يكون إلا تحت عنوان الدولة وبزعامات مختلفة، وفي عقلهم الباطني المرجعية السعودية بصفتها المرجعية الدينية والسياسية معاً”.
النواب الجدد

ينظر مراقبون باهتمام إلى تصويت النواب السنة في جلسة انتخاب رئيس للجمهورية في التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي، بخاصة أن تصويتهم قد يحسم هوية الرئيس المقبل، بعدما تيقن الثاني الشيعي كما المعارضة أن لا قدرة لديهم على إيصال مرشح إلى قصر بعبدا.

لا كتلة سنية نيابية واحدة حالياً على غرار كتلة “تيار المستقبل” في البرلمان السابق، ويتوزع النواب السنة في مجلس النواب عام 2022 بين قلة مع المعارضة وأخرى مع “الثنائي الشيعي” (حزب الله وحركة أمل)، وأكثرية وسطية تغييرية مستقلة غير موحدة، يسعى قسم منها إلى الالتقاء في كتلة وسطية جامعة أول اجتماعاتها سيكون الإثنين المقبل.

في صفوف النواب الجدد ممثل بيروت النائب إبراهيم منيمنة الذي استغرب الكلام عن ضرورة وجود قيادة سنية واحدة، ورفض القول إن الحريري لا يزال الممثل الوحيد للطائفة السنية، معتبراً أن هذا الأمر لن يتوضح إلا بعد الانتخابات النيابية المقبلة. وسأل منيمنة، “هل المنطلق الأصح يفترض وجود موقف سني موحد من التطورات والتغيرات في المنطقة”، مضيفاً “إذا كان الثنائي الشيعي يعبر عن موقف الطائفة الشيعية فإن الأمر مختلف على سبيل المثال لدى الطائفة المسيحية في ظل تنوع القيادات فيها على رغم أن مزاج المجتمع المسيحي في موقع واحد في غالبيته”.

ورأى منيمنة أن هناك توجهات عدة لنواب وقيادات سنية “ومن الطبيعي أن تتعدد المواقف، وهذه الظاهرة صحية إلا إذا كان المطلوب إعادة البلد إلى زمن حكمه من أربعة زعماء طوائف. المزاج السني متنوع لكنه في موضوع حرب الإسناد كان واحداً إذ تعاطفت الغالبية السنية مع غزة لكنها وقفت ضد إقحام لبنان بالحرب. وفي موضوع سوريا الغالبية الكبرى أيدت التحرر من نظام الأسد وسقوطه وهذا انعكس في احتفالات حصلت في مناطق ذات غالبية سنية، علماً أن جزءاً من القيادات التي كانت على ارتباط وثيق بالنظام السوري التزمت الصمت وهذا أمر طبيعي”.

لا يزال تيار المستقبل حاضراً بقوة في الشارع السني لكن انتقادات عدة طالت قياداته في السنوات الماضية (ا ف ب)
لا يزال تيار المستقبل حاضراً بقوة في الشارع السني لكن انتقادات عدة طالت قياداته في السنوات الماضية (ا ف ب)
يشدد منيمنة على أنه بعد تجربة الحرب الأهلية وتجربة استئثار”حزب الله” بالقرار وقبله الطوائف الأخرى وفشلت، فإن الدور السني المستقبلي هو المبادرة باتجاه كل المكونات اللبنانية لترسيخ قيم العيش المشترك والمساواة والدولة الحديثة ودولة المواطنة. وقال “السنة كانوا دائماً مع فكرة الدولة ونزعوا فعلياً عنهم فكرة الزعامة الطائفية والمحاصصة لمصلحة الدولة الحديثة، وهذه التجربة هي التي يجب أن تكون نموذج السنة في سوريا وفي كل المنطقة”.

تيار المستقبل والتحولات الكبرى
لا يزال تيار المستقبل حاضراً بقوة في الشارع السني في لبنان، وتحن غالبية أبناء هذه الطائفة إلى “الزمن الأول” قبل أن تعصف وتبدل المشهد الداخلي التحولات الكبرى التي تلت اغتيال رفيق الحريري عام 2005، لكن همساً يدور منذ سنوات في كواليس هذا الحزب كما مناطق شعبيته بأن قرارات لم تكن صائبة اتخذت من قبل القيادات السنية الكبرى في مراحل مصيرية، أدت إلى ما أدت إليه اليوم من ضعف في وحدتهم وقوتهم.

عضو “تيار المستقبل” النائب السابق محمد الحجار رد ( الحديث الكامل) على ما طال التيار من انتقادات قائلاً :
عمل الرئيس الشهيد رفيق الحريري و من بعده الرئيس سعد الحريري على تعزيز وتثبيت قناعة أساسية عند عموم اللبنانيين المسلمين السنة ترتكز على الإيمان بالدولة والولاء لها ولمؤسساتها الدستورية .رسالتهم هي الإعتدال والحفاظ على العيش الواحد في دولة عربية ديمقراطية مستقلة سيدة بقواها الشرعية فقط على كامل أراضيها ، عاملون دائما على تمتين الوحدة الوطنية بين مختلف الأطياف على قاعدة إحترام الآخر وحقه في الإختلاف تحت سقف الدولة الواحدة الجامعة لأبنائها.
. وهم تفهموا موقف الرئيس سعد الحريري بتعليق عمله السياسي بعد أن تيقن بأن الأغلبية الساحقة من القوى السياسية اللبنانية غير مستعدة لملاقاة يده الممدودة لهم على مدى أكثر من سبع عشرة سنة لتغليب مصلحة الوطن على أي مصلحة فئوية أو طائفية، ورفض ان يكون شاهد زور على نحر الوطن تحقيقاً لأهداف خاصة .وبالرغم من محاولات تزعّم البعض وإستغلال غيابه اثبت السنّة في لبنان انهم لن يقبلوا غير سعد الحريري قائداً لهم ، والقرار بوقف التعليق مرهون به.
وعن الحديث بأن تيار المستقبل تريث في إعلان موقف من التطورات السورية قال النائب السابق محمد الحجار:
تسارعت الأحداث من حولنا وفي سوريا بشكل كبير وبالتالي كان لا بد من اخذ الوقت الكافي لمراقبة الامور، ثم التفكير بها قبل الكلام عنها . وهذا ما حصل علماً أن هناك موقفان صدرا عن تيار المستقبل في نفس اليوم الذي سقط فيه نظام الأسد، الأول لأمين عام التيار أحمد الحريري والثاني عبّر عنه بيان رسمي صدر عن التيار، ثم كان بعد ستة أيام موقف للرئيس سعد الحريري رحّب فيه بسقوط النظام “الذي تاجر بفلسطين وباع الجولان ثم اكتمل المشهد وخرج السوريون ليدفنوا حقبة ويفتحوا أخرى”. وبالفعل لا أحد يمكنه أن يكون أكثر سعادة بسقوط نظام بشار من سعد الحريري ،الذي قال حرفياً “هذا هو اليوم الذي انتظرته منذ تلك الساعة السوداء “، وإن” سقوط الدكتاتور لا يعني شيئا، إلا إذا تم إسقاط نهجه الذي قام على الاستقواء على الأفراد كما الطوائف والتعسف في ممارسة السلطة ووحده دفن هذه الممارسات بعد سقوط النظام يضمن قيامة سوريا وطنا ودولة لكل سورية وسوري، واثبات للسوريين والعالم بان الثورة السورية اكبر وبعيدة كل البعد عن اي شكل من أشكال التطرف”.
وللحقيقة وكما قلت في مواقف سابقة فإنني لا أرى أخطاءً في الكلام ولا في الممارسة لقائد العمليات السيد أحمد الشرع والظاهر أن الأمور تحت السيطرة خصوصاً وأننا حريصون على سوريا موحدة وأن تحترم حقوق وواجبات الجميع في سوريا
كذلك مما لا شك فيه أنّ هذه التطورات تؤثر على كل المنطقة أخذاً في الاعتبار أنه لا يمكن لسوريا أن “تقلّع” لوحدها بدون الإحتضان العربي لها خاصة وأنها بلد دمره النظام البائد والحرب الهمجيه والوحشية التي شنها على الشعب السوري ، وأن لا إمكانيات مالية لديها بفعل الذي عانته على مدى السنوات الماضية .
وبما أن تيار المستقبل هو حركة سياسية وطنية لبنانية أعلن رئيسها عن تعليق العمل السياسي ، فإن الدولة اللبنانية مدعوة إلى إعداد ملفاتها والتواصل مع السلطة الجديدة خصوصاً وأن هناك ثلاثة ملفات أساسية يجب العمل عليها هي ملف المفقودين اللبنانيين ، وملف النازحين وملف الحدود بين البلدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *