عبير رحال… صحافيّة ضحيّة عنف أسري وجريمة هزت لبنان

مشهد مأساوي جديد يضاف إلى سلسلة الجرائم التي تهزّ المجتمع اللبناني، حيث قُتلت الإعلامية عبير رحال، يوم الخميس الماضي، على يد زوجها خليل مسعود داخل أروقة محكمة شحيم الشرعية – قضاء الشوف. الجريمة التي بدت وكأنها سيناريو لفيلم درامي كشفت عن تفاصيل مروعة، وجاءت مصحوبة بتساؤلات خطيرة حول الحماية الأمنية في المحاكم الشرعية ومدى إمكانية منع مثل هذه الجرائم قبل وقوعها.

بدأت القصة صباحًا، عندما دخل مسعود المحكمة حاملاً مسدسًا حربيًا تحت ثيابه. وبينما كانت عبير تهم بالدخول برفقة والدها لإنهاء إجراءات الطلاق، اعترض طريقها، أطلق النار عليها مباشرة، وأرداها قتيلة في لحظات أمام أعين والدها الذي عجز عن إنقاذها في مشهد لم يكن ليسهل تصديقه لولا أنه كان واقعًا مؤلما.

لكن القصة لم تنته عند هذا الحد نشر مسعود قبل تنفيذ جريمته مقطع فيديو على صفحته في “فيسبوك”، مدته حوالي 21 دقيقة، روى فيه روايته الخاصة عن الخلافات مع عبير حمل الفيديو اتهامات عديدة وجهها لزوجته، مدعيًا أنها كانت تخونه وتسرق منه، وذكر فيه أسماء أشخاص آخرين. ورغم أن العائلة سارعت إلى نفي هذه الادعاءات، بقي السؤال الذي طرحه الجميع: كيف تمكن من تحميل هذا الفيديو الطويل بهذه السرعة ؟ وهل كان لديه شريك ساعده في نشره؟

بعد الجريمة فرّ مسعود من المحكمة باتجاه منطقة المعنية في الشوف، وهناك داخل سيارته، أطلق النار على نفسه. كما عثرت القوى الأمنية على جثته بعد ساعات، لينهي حياته بطريقة مأساوية، تاركا وراءه تساؤلات لا تزال بلا إجابة.

في ردّ سريع وحاسم، أكدت عائلة عبير أن الفيديو الذي نشره الجاني مليء بالأكاذيب والتلاعب. أحمد رحال، شقيق الضحية، قال لـ”الديار”: “لقد حذرتُ عبير من الزواج به، لكن القاتل أغراها بكذبه، مدعيًا أنه رجل ذو نفوذ يعمل في مخابرات الجيش، الانتربول الدولي، وجهاز الأمن التركي. لكن الحقيقة كانت مرعبة: كان نصابًا وابتزها بفيديوهات قديمة تم تصويرها قبل أن تعرفه”. وأضاف: “عندما تركت عبير منزل الزوجية قبل شهرين وعادت إلى منزلنا، اكتشفنا حجم العذاب الذي عاشت فيه. فقد سرق مسعود ذهبات والدتها، وابتزّها بمبلغ 43 ألف دولار لم يسددها رغم المشكلات المتعددة، بالإضافة إلى تورطه في تبييض الأموال والعقارات. تم القبض عليه في مطار رفيق الحريري الدولي وهو يحمل مبلغًا ضخمًا من المال”. واستطرد قائلاً: “كان يضع أجهزة تجسس في سيارته ويُخيف عبير بالقول إن هناك من يراقبنا، وكان كل ما يقوله كذبًا. لكن عبير كانت تعرف أكثر مما يبدو. قبل وفاتها أخبرتني أنها تمتلك هارد ديسك يحتوي على معلومات خطيرة تخص مسعود”.

لكن ما هو الغموض الذي يحيط بهذه القصة؟ ولماذا لم يطلقها إذا كان كلامه صحيحًا؟ إذا كانت قد خانته بالفعل، فلماذا اختار القتل؟ تلك الأسئلة تظل بلا إجابة واضحة، لكن ما يزيد مأساوية القصة هو أن عبير كانت أمًا لثلاثة أطفال، أصغرهم رضيع لا يتجاوز عمره الثلاثة أشهر. ورغم كل الألم والمعاناة، كانت تحاول الحفاظ على أسرتها، لكن العنف المستمر الذي تعرضت له دفعها في النهاية إلى مغادرة المنزل وطلب الطلاق.

لكن المفاجآت لم تتوقف هنا. فقد حصلت “الديار” على فيديوهات من داخل منزل الضحية تُظهر حقيقة الفقر الذي كانت تعيش فيه عبير مع أطفالها، مما ينسف تمامًا مزاعم الجاني بأنها كانت تستغله ماديًا. وكشفت صديقتها المقربة أن عبير تعرضت للابتزاز من زوجها منذ عام 2019 بصور وفيديوهات خاصة، وكان يدعي دائمًا أنه يعمل في مخابرات الجيش اللبناني ليخيفها ويقيد حريتها. وأكدت الصديقة: “مسعود لم يتوقف عند ذلك، بل قام بإدخال زوجته السابقة، بتول فنيش، إلى مخفر حبيش، حيث سرق هاتفها ورفع عليها دعاوي قانونية. كما كان يدعي أنه يمتلك العديد من السيارات، في حين أن السيارة التي كان يقودها تعود لشخص من طرابلس يُدعى وسام”.

قبل أيام من وفاتها، تلقت الصديقة رسالة من عبير تطلب المساعدة: “help”. وعندما اقترحت عقد اجتماع في المكتب، قررت عبير الحضور رغم الظروف القاسية. وفي ذلك اليوم، ظهرت عليها آثار التعذيب والتعنيف، وبتصويرها، تأكدت الصديقة من حجم المعاناة التي كانت تعيشها. وكان مسعود يتجنب الحضور إلى المكتب خوفًا من أن تفر عبير من المنزل وتكشف أفعاله أمام الجميع.

مصادر قضائية أكدت لـ”الديار” أن المحكمة التي وقعت فيها الجريمة لم تكن مجهزة بحراسة أمنية كافية ما سمح للجاني بتنفيذ جريمته دون أن يعترضه أحد. القاضي رئيف عبدالله، الذي كان في المحكمة يوم الحادثة، قال:”عبير لم تدخل إلى مكتبي، ولم يكن لديها موعد يوم الجريمة. الجريمة وقعت في الممر المؤدي إلى المحكمة وليس في المحكمة بل داخل مبنى يضم مكاتب وعيادات ومحال تجارية والمحكمة تقع في الطابق الثاني حيث تم استئجار 3 مكاتب داخل السنتر منذ حوالي السبع سنوات وتم تشييد بوابة حديدية للمكاتب الخاصة بنا والمحكمة يحرسها حارس واحد وطالبت بزيادة عدد الحراس. مضيفا: “لقد سمعت صوت الرصاص، وعندما نزلت وجدت جثتها ووالدها يقف مذهولاً بجانبها”.

البلدة التي تنتمي إليها عبير ودعتها بجنازة مهيبة، لكن الغضب كان سيد الموقف. فالأهالي والناشطون طالبوا باتخاذ إجراءات صارمة للحد من ظاهرة العنف الأسري. كما أن الجريمة سلطت الضوء مجددًا على خطر استمرار غياب قوانين رادعة تحمي النساء في لبنان.

قضية عبير رحال ليست مجرد مأساة شخصية. بل هي جرس إنذار يدق في وجه مجتمع بأكمله.

فمن يحمي النساء من العنف؟ ومن يضمن أن ما حدث لعبير لن يتكرر مع ضحية أخرى؟ الأسئلة كثيرة، والإجابات تبدو حتى الآن بعيدة المنال.

أمل سيف الدين

الديار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *