اعتبر “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”، أن سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد في دمشق يُعدّ أول صدمة ارتدادية رئيسية للأحداث التي بدأت مع عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
ورأى أن “صدمة” سقوط الأسد “قد تكون الأولى ضمن سلسلة من التغيرات والتحولات التي ستطال منطقة الشرق الأوسط في المستقبل”.
وجاء في بحث كتبه عضو المعهد زوهار بالتي، وهو الرئيس السابق للاستخبارات الاسرائيلية “الموساد”، والرئيس السابق لـ “مكتب السياسات والسياسة العسكرية” في وزارة الدفاع الإسرائيلية:
أثار سقوط دمشق هذا الأسبوع، مع مقاومة قليلة من بشار الأسد أو داعميه الأجانب، دهشة المراقبين. وفي الواقع، يُعد سقوط النظام أول صدمة ارتدادية رئيسية للصراع الزلزالي الذي اجتاح “إسرائيل” وغزة ولبنان بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر. ومع ذلك، من غير المرجح أن تكون الصدمة الارتدادية الأخيرة.
يُعد التطور الأخير في سوريا أحد التداعيات الأوسع نطاقاً الناجمة عن هجوم “حماس” على “إسرائيل” في عام 2023. فقد تسبب يحيى السنوار – القائد الراحل لـ “حماس” الذي تصوّر تدمير “إسرائيل” – عن غير قصد في رد فعل مضاد قوي كانت نتائجه واضحة في جميع أنحاء المنطقة، على النحو التالي:
• دمرت “إسرائيل” معظم قدرات “حماس” وقيادتها وبنيتها التحتية.
• تكبد “حزب الله” خسائر فادحة في لبنان، بما في ذلك القضاء على قيادته وتدمير ما يُقدر بـ 70-80 في المائة من ترسانته الصاروخية.
• شنت “إسرائيل” غارات جوية على الأراضي الإيرانية للمرة الأولى، مما أدى إلى تعطيل أنظمة الدفاع الرئيسية وترك النظام عُرضة لمزيد من الهجمات.
يمثل انهيار الأسد ضربة قاسية لـ “محور المقاومة” الإيراني، الذي كان يشكل دعامة أساسية للجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط لعقدين من الزمن، ولكنه يواجه الآن تفككاً استراتيجياً.
يرجع انتصار المتمردين في سوريا إلى حد كبير إلى غياب التحرك الروسي – حيث أن غالبية القوات الروسية مشغولة في أوكرانيا، ولم تكن موسكو راغبة أو قادرة على إنقاذ الأسد مجدداً، مما ترك النظام وجيشه المستنزف مكشوفين. وعلى نحو مماثل، لم يكن “حزب الله” وإيران في وضع يسمح لهما بالمساعدة بعد أن أضعفهما عاماً من القتال مع “إسرائيل”.
وعلى الرغم من أن المتمردين يسيطرون على معظم سوريا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما إذا كانوا سيحاولون السيطرة على بقية البلاد، وإذا كان الأمر كذلك، فهل سيتمكنون من الحفاظ عليها على المدى الطويل. وتشير التجارب الإسلامية والجهادية السابقة في المنطقة – من انهيار “خلافة” تنظيم “داعش” إلى فشل جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر – إلى أن تعزيز السيطرة قد يكون أمراً صعباً.
وبدلاً من ذلك، قد يختار المتمردون استقرار حكمهم في دمشق وانتظار التطورات على الساحة الدولية، بما في ذلك عودة دونالد ترامب إلى السلطة. ومن بين الاحتمالات الأخرى، قد تحاول إدارة ترامب التوصل إلى صفقة أوسع نطاقاً مع روسيا، تحافظ على سيطرة موسكو على ساحل البحر الأبيض المتوسط مقابل تنازلات في أماكن أخرى (على سبيل المثال، أوكرانيا).
الاستعداد لصدمات ارتدادية أخرى
مع تطور الأحداث في سوريا، سيتعين على الولايات المتحدة و”إسرائيل” وشركائهما اتخاذ قرارات استراتيجية على عدة جبهات إذا كانوا يأملون في منع أو مواجهة صدمات ارتدادية أخرى محتملة من السابع من تشرين الأول/أكتوبر:
التهديدات على الحدود السورية – الأردنية. أكملت “إسرائيل” بالفعل مناورة عسكرية واسعة النطاق تحاكي تدهور الأوضاع الأمنية في منطقة هضبة الجولان، وعززت انتشارها هناك، وأمّنت النقاط الاستراتيجية على طول الحدود. وكما فعلت قبل عقد من الزمن، قد تُقدّم “إسرائيل” مساعدات إنسانية (طبية في المقام الأول) للمدنيين والمتمردين في المنطقة، لكنها لن تتسامح مع أي تحدٍ لهيمنتها العسكرية على هذه الجبهة.
وإلى الشرق، قد تكون السيطرة على درعا أمراً حاسماً للاستقرار في الأردن والمنطقة الأوسع نطاقاً، لا سيما إذا ظهرت عناصر متطرفة في سوريا وحاولت تحدي حكم الملك عبد الله في البلد المجاور. إن استقرار الأردن أمر بالغ الأهمية لأمن “إسرائيل” ومصالح الولايات المتحدة على حد سواء، لذلك فإن الحليفين مستعدان للقيام بعمل عسكري على طول الحدود السورية – الأردنية إذا لزم الأمر.
لبنان: يشكل سقوط الأسد وضعف موقف “حزب الله” فرصة تاريخية للبنان لإعادة تحديد مشهدها السياسي. ومع تخفيف هذه التأثيرات الخبيثة، لم يعد لدى المسؤولين في بيروت عذراً للتقاعس عن أداء واجباتهم تجاه الشعب اللبناني والمجتمع الدولي، بما في ذلك تعيين رئيس جديد بعد شغور المنصب لمدة عامين، وتشكيل حكومة مستقلة عن “حزب الله”، ونشر الجيش على الحدود الجنوبية مع “إسرائيل” كما نصت اتفاقية وقف إطلاق النار الجديدة. ومع العزيمة الكافية، قد تطمح الحكومة حتى إلى تفكيك القدرات العسكرية لـ “حزب الله”، الأمر الذي قد يؤدي إلى استقرار داخلي بعد سنوات من الاضطرابات.
إيران: وسط جميع الانتكاسات المذكورة أعلاه التي لحقت بوكلاء طهران في الخارج، قد يواجه قادة النظام ضغوطاً متزايدة في الداخل، حيث شهدت البلاد موجات متتالية من الانتفاضات في السنوات الأخيرة. وإذا أشارت الجهات الفاعلة الخارجية إلى دعمها، فقد يرى الشعب الإيراني في الاضطرابات الحالية فرصة ذهبية للمطالبة مجدداً بالإصلاح الحقيقي.
وبطبيعة الحال، قد تدفع الاضطرابات الداخلية طهران أيضاً إلى اتخاذ قرارات متهورة في مجال السياسة الخارجية، مثل تسريع برنامجها النووي. ويتطلب ذلك مزيداً من اليقظة والاستعداد من “إسرائيل” والولايات المتحدة، مع قيام المسؤولين بإعداد وتنسيق خطط طوارئ لأي سيناريو من هذا القبيل.
الأكراد: تجد المناطق الكردية شبه المستقلة في العراق وسوريا نفسها حالياً عند مفترق طرق. فقد كانت آمالها في التوحد تعاني سابقاً من نقص في الرؤية السياسية، لكن مثل هذه الجهود قد تصبح الآن حقيقة واقعة. ومن الناحية النظرية، قد يمكّن سقوط الأسد الأكراد حتى من إنشاء ممر بري إلى البحر المتوسط لتصدير النفط والتجارة الأخرى، يمتد من “إقليم كردستان” في شمال العراق، عبر المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق سوريا، وعبر المناطق الكردية في غرب سوريا (على سبيل المثال، عفرين). ومع ذلك، لا تملك هذه الفكرة أي فرصة للنجاح إذا عارضتها تركيا وميليشياتها السورية الحليفة والفصائل المتمردة المحلية الأخرى (ناهيك عن الرفض المحتمل من الحكومة المركزية العراقية وعناصر ميليشياتها المدعومة من إيران بشأن السيطرة على عائدات النفط).
في جميع الأحوال، سيكون دعم فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة حاسماً في تحديد مستقبل الأكراد السوريين. يجب على دول حلف شمال الأطلسي أن تناقش هذه القضية بصراحة مع شركائها في التحالف في أنقرة، التي تعتبر “قوات سوريا الديمقراطية” التي يقودها الأكراد امتداداً لعدوها الرئيسي الداخلي، “حزب العمال الكردستاني” المصنف كمنظمة إرهابية. وفي العاشر من كانون الأول/ديسمبر، زار قائد “القيادة المركزية الأميركية” الجنرال مايكل كوريلا مسؤولين من “قوات سوريا الديمقراطية” في سوريا وأكد أن الولايات المتحدة ملتزمة بمساعدتها في مواصلة القتال ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”. وسوف تكون هذه التصريحات – مدعومة باستمرار انتشار القوات الأميركية في سوريا – أساسية للتعامل مع الارتدادات الناجمة عن السابع من تشرين الأول/أكتوبر وسقوط الأسد.