هل تؤثر المتفجرات على حركة الفوالق وتحدث زلزالاً في لبنان؟

في 26 تشرين الأول، شهدت منطقة العديسة في الجنوب على حادث خطير لا يمكن المرور عليه مرور الكرام. 400 طن من المتفجرات تسببت في حدوث هزة أرضية في شمال إسرائيل، وما شعر به السكان ليس ناتجاً عن هزة طبيعية وإنما عن أنشطة بشرية كادت أن تُسبب كارثة لو كان المسار مختلفاً. ونعرف تماماً أن العبث بمقدرات الطبيعة وفي الأماكن الخاطئة قد يؤدي إلى احتثاث الزلازل.

خلال الحرب العالمية الثانية، تسبب القصف المكثف في لندن وهيروشيما بحدوث اهتزازات كبيرة، حتى لو لم تكن بقوة زلزال حقيقي، إلا أنها أثرت بشكل ملحوظ على البنية التحتية المحلية.

في صباح يوم 25 أيار ( مايو ) 2009، أعلنت كوريا الشمالية أنها اختبرت مكونًا نوويًا ثانياً (تم اختبار المكون النووي الأول عام 2006)، وفي غضون دقائق ظهرت أدلة داعمة لذلك على شكل موجات زلزالية جمعتها محطات رصد الزلازل حول العالم.

قبل أن يغوص الباحث والأستاذ المحاضر في الجيولوجيا وعلم الزلازل في الجامعة الأميركيّة في بيروت الدكتور طوني نمر في تأثيرات التفجيرات الإسرائيلية الضخمة التي قد تؤدي إلى احتثاث الزلازل، يوضح أولاً أهمية أن نعرف بوجود أنواع كثيرة من الهزات الأرضية الناجمة عن الأنشطة البشرية (Human induced earthquakes) التي أدت إلى تحفيز الزلازل أو الضغط على حركة الفوالق في دول عديدة حول العالم. هذه الأعمال البشرية أدت إلى توثيق أكثر من 1315 حالة حول العالم من سنة 1868 حتى الآن والتي أدت إلى إحداث هزات أرضية.

احتكاكات تولّد تموجات

ولنفهم أكثر منطق الهزة الأرضية أو الزلزال، يحاول نمر أن يرسم صورة واضحة ومبسطة تساعدنا على فهم هذا الموضوع. ماذا يعني الزلزال أو الهزة الأرضية؟ ليحدث ذلك يجب أن يكون لدينا انكسار في قشرة الأرض، ويكون هذا الشق هو الفاصل بين بلوكين صخريين، وعندما تتحرك البلوكات عبر هذا الشق يؤدي ذلك إلى حدوث احتكاكات التي بدورها تولد تموجات تدعى موجات زلزالية نشعر بها كاهتزازات عندما تصل إلينا.

وقد يكون مثال كوب المياه على طاولة ثابتة مفيداً لفهم الصورة أكثر. إذا وضعنا كوب الماء على الطاولة بعيداً عنا ووضعنا كف يدنا على الطاولة وقمنا بتحريكها. ماذا يحدث؟ نجد أن المياه في الكوب تتموج بالرغم من أن الطاولة ثابتة بشكل كامل. ويعود ذلك إلى احتكاك كف اليد على الطاولة الذي أدى إلى تولّد تموجات تمددت داخل الطاولة لتصل إلى كوب المياه وتحرّكه.

ماذا يحاول أن يقول لنا البروفيسور نمر؟ ببساطة يحاول أن يشرح لنا كيف تحدث الهزات الأرضية. فبمجرد أن يكون لدينا بلوكات صخر تحتك مع بعضها، فذلك يوّلد اهتزازات.

كيف تتحرك الفوالق؟

لكن ما الذي يؤدي إلى تحرك الفوالق؟ من المهم أن نعرف أن الفالق لا يتحرك بالضرورة من باطن الأرض، إذ يمكن أن تنطلق الحركة من على وجه الأرض ومن بعدها تتمدد عبر الفالق أفقياً ونزولاً. ويستشهد نمر بمثال آخر لتوضيح المفهوم أكثر. لدينا لوح زجاج ( مترين بمترين) وقمت بضربه عبر مطرقة، فأينما كان المكان الذي أضربه فيه سيؤدي إلى كسره وتمدد الكسر على لوح الزجاج حسب قوة الضربة.

كذلك تكون حركة الفالق متغيرة، وليس من الضرورة أن تبدأ من وسط الفالق أو من آخره أو من طرفه، فيمكن أن تبدأ من وجه الأرض أي مكان الشق، وعندها يمكن للحركة أن تتمدد أفقياً أو عمودياً.

ومن هذا الشرح ننطلق لنفهم مخاطر ما حدث في الجنوب وتسليط الضوء على خطورة تكرار هذه التفجيرات وما قد تحمله من مخاطر في إحداث زلزال.

حادثة خطيرة

منذ نحو أسبوعين، شهد الجنوب وتحديداً منطقة العديسة على تفجيرات متتالية ومهولة ( استخدمت فيها نحو 400 طن من المفتجرات) من قبل الجيش الإسرائيلي أدت إلى تفعيل أجهزة رصد الهزات الأرضية في “الشمال الإسرائيلي”.

هذه الحادثة دفعت بالبروفيسور نمر إلى إطلاق تحذير علمي في لحظتها قبل أن يُعلق على ما حدث مشيراً إلى أن “الناس في شمال إسرائيل شعروا بهزة أرضية نتيجة التفجيرات التي حصلت في منطقة العديسة. وقد رصدتها بعض المراكز الألمانية والتركية، إلى جانب تحريك صفارات الإنذار في شمال إسرائيل، حيث سجلت الهزة على عمق 8 كيلومترات. هذه التفجيرات قامت بها إسرائيل في جنوب لبنان في منطقة العديسة حيث رأينا من خلال فيديو وزّعه الجيش الإسرائيلي تفجير نفق كبير أدى إلى تحريك الأرض من الأسفل قبل تصاعد الدخان واهتزاز الأرض”.

انكسار نجهل كيفية تمدده

هذه الواقعة يجب الانطلاق منها لمعرفة خطورة ما قد يحدث في حال تكررت التفجيرات في مناطق أخرى، خصوصاً إذا كانت قريبة من خطوط الفوالق. ولحسن الحظ كما يُعبّر نمر أن “التفجيرات استحثت هزة على بعد 9 كيلومترات من جهة الغرب وليس الشرق، وعلى عمق 8 كيلومترات كما رصدها المركز الأورومتوسطي، علماً أن منطقة العديسة تبعد 3 كيلومترات فقط عن أحد فوالق البحر الميت الذي ينفصل إلى فالقين هما روم واليمونة.

ولو حصل الاحتثاث لجهة الشرق، كنا عملياً شهدنا على انكسار نجهل كيفية تمدده على الفوالق الزلزالية المذكورة. ويُذكّر نمر بأنه في العام الماضي شهدت تركيا زلزالاً على فالق يبلغ طوله 350 كيلومتراً. وعليه، بدأت الحركة بنقطة واحدة ( نقطة الارتكاز) على الفالق ومن ثم تمددت شمالاً وجنوباً وفي كل الجهات التي يمر بها الفالق.

وانطلاقاً من هذا الواقع، يشدد نمر على أهمية عدم تحريك الفوالق الموجودة في لبنان، وتجنب القيام بتفجيرات ضخمة بالقرب منها. ومن المهم جداً عدم العبث بمقدرات الطبيعة لأننا نجهل ما يمكن أن يحدث بعدها.

تغيير قوة الضغوطات

نعرف جيداً أن خطورة الموضوع تكمن لحظة التفجير، ولكن المشكلة أن هناك ضغوطات في الأرض، وبمجرد أن تقوم بتفجيرات، حتى لو لم يتزحزح الفالق مباشرة، نكون قد قمنا بتغيير الضغوطات عليه. لذلك عند القيام بأي تفجير قوي بالقرب من فالق زلزالي، نحن عملياً قمنا بتغيير قوة الضغوطات وأثرنا عليها ما يمكن أن يؤدي إلى حدوث هزة أرضية أو زلزال كبير نتيجة هذا التغيير.

إذاً، لا يمكن التشكيك بالزلازل الناجمة عن الأنشطة البشرية والتي تحدث نتيجة تفجيرات ضخمة كالتفجيرات النووية، أو التفجيرات التي حصلت في الجنوب، أو نتيجة ملء البحيرات الاصطناعية خلف السدود، وفي حال تسرب المياه سيؤدي ذلك إلى تمييع الحركة وتحريك الفالق، أو في المناطق التي تقوم على استخراج الحرارة من جوف الأرض لتدفئة بعض الأماكن مثل إيسلندا، أو استخراج المياه الحامية لاستخدام البخار وتوليد كهرباء. فعندما نحفر آباراً في هذه المناطق ونخفف من الضغوطات داخل الأرض، فإن ذلك قد يؤدي إلى احتثاث الحركة الزلزالية.

أمثلة سابقة دقت ناقوس الخطر

في العام 2006 في سويسرا، حُفرت آبار بهدف توليد كهرباء من المياه الساخنة التي تخرج من جوف الأرض، واكتشفوا أن المياه الساخنة الموجودة غير كافية، فعمدوا إلى ضخ المياه من سطح الأرض إلى باطنها لتسخينها طبيعياً ومن ثم ضخها إلى السطح لإستخدام البخار. ونتيجة هذه العملية شهدوا على حركة زلزالية في المنطقة، ما أدى إلى إلغاء المشروع فوراً.

في العام 2017، سعى فريق إلى استخراج المياه الساخنة من جوف الأرض لتوليد الطاقة في كوريا الجنوبية، ما تسبب بحدوث هزة أرضية بقوة 5.5 درجات وأدى إلى دمار كبير.

ولكن ما هي المناطق التي تعتبر عالية الخطورة في حال تعرضت لتفجيرات أو قصف ممنهج وبقوة ضخمة؟ وفق الخريطة التي نشرها البروفيسور نمر على حسابه على منصة “إكس” تظهر جيداً الفالق الذي يأتي من شمال فلسطين وهو فالق بحر الميت والذي ينفصل إلى فالقين في منخفض حولا. وكل فالق من الفالقين عندما يدخل إلى لبنان ينفصل بدوره إلى فالقين، بحيث ينفصل الفالق الشرقي إلى “راشيا” و”سرغايا” وينفصل الفالق الغربي إلى “اليمونة” و”روم”.

كيف تتغير حركة الفوالق؟

ويُعيد نمر بالتذكير أنه “كلما كنا قريبين من هذه الفوالق كلما كان خطر احتثاث الحركة الزلزالية أكبر. إذا قمنا باستخدام 400 طن من التفجيرات في مكان قريب، عندها يكون الخطر كبيراً، وفي حال أعيدت الكرّة في مكان آخر قريب نكون بذلك قد تسببنا في تغيير الضغوطات في مكانين مختلفين، ما يؤدي إلى تغيير الحركة. وبالتالي إذا كنا نشهد على قصف بوتيرة عنيفة وضحمة في أماكن قريبة من الفوالق، فنحن نخاطر بما قد يحدث من احتثاث أو تغيير في حركة الأرض، أما إذا كان القصف في أماكن مختلفة وبوتيرة بطيئة يكون تأثيره ضعيفاً خصوصاً إذا كنا بعيدين عن الفوالق المذكورة”.

ولكن كيف يمكن للارتجاجات الناتجة من القصف والتفجيرات أن تغيّر حركة الفوالق؟ يعود نمر إلى زلزال تركيا في 6 شباط (فبراير) 2023، أدى إلى اختلال الفوالق في لبنان وشهدنا على حركة غير اعتيادية عليها. كذلك الأمر بالنسبة إلى التفجيرات العنيفة عبر استخدام قنابل خارقة للتحصينات والتي تولّد موجات نشعر بها خلال العملية العسكرية، في حال كانت هذه القنابل قريبة من الفوالق الزلزالية تكون الموجات الصادرة عنها حية وبالتالي تؤدي إلى هز الفوالق. وعليه، يمكن أن نشهد على حركة غير اعتيادية ويمكن أن تتطور أكثر، وأن تُحدِث هزات أكبر.

لحسن الحظ، وفق نمر، أن استخدام القنابل الخارقة للتحصينات لا تحصل بالقرب من الفوالق الزلزالية والموجات الناتجة من هذه القنابل يكون قد خف مفعولها وزالت قبل أن تصل إلى الفوالق، لأن الموجة الزلزالية لا تبقى بالقوة نفسها عند انطلاقها. وكلما ابتعدت عن نقطة انطلاقها كلما خفت قوتها.

لذا التفجيرات التي تحدث في الضاحية الجنوبية مثلاً هي بعيدة عن الفوالق الزلزالية وبالتالي الموجات الناتجة عنها تتلاشى قبل أن تصل إلى الفوالق وتؤثر عليها. ولكن في حال تم استخدام هذه القنابل العنيفة في أماكن قريبة من الفوالق فيمكن أن يؤدي ذلك إلى احتثاث حركة زلزالية غير اعتيادية عليها.

ليلي جرجس – النهار