| خلود شحادة |
“مساقبة إنّي برّي بحلّاش عالرّص”.. قالها رئيس مجلس النواب ورئيس حركة “أمل” نبيه بري، عندما حاول الأميركي، ومن خلفه الصهيوني، الضغط عليه في ملف التنقيب عن النفط وترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة.
يتردد في الأوساط السياسية اليوم، أن الأميركي يضغط على بري، عبر الوسيط غير الحيادي آموس هوكشتاين، والإسرائيلي عبر الغارات الصهيونية التي تستهدف “مناطقه”.
استهدف العدو الإسرائيلي مدينة صور، وهي التي يسميها جمهور حركة “أمل” بـ”مدينة الإمام موسى الصدر”، وهو مؤسس هذه الحركة وقائدها المغيب، حيث عمل العدو الإسرائيلي على محو ملامح “شارع الرئيس نبيه بري” في صور، والذي يعتبر من أهم الشوارع السياحية في المدينة.
تتوالى الاستهدافات لتصل إلى “شارع مارون مسك” في الشياح والمعروف بـ”قلعة حركة أمل”، بالإضافة إلى العدوان الهمجي على حارة صيدا، والذي أدى إلى مجازر بحق المدنيين، والذي اعتُبر رسالة مباشرة لبري في “منطقته”.
كما أن العدوان المباغت على منطقة الجناح، والذي أسفر أيضاً عن حصول مجزرة، اعتبرتها هذه الأوساط رسالة موجهة للرئيس بري، وليس انتهاء بالغارة التي شنها العدو أمام منزل نجله.
كل هذه الغارات وضعتها تلك الأوساط في خانة “الرسائل المباشرة” للرئيس بري، في سبيل الضغط عليه للتنازل في ملف المفاوضات، التي أكد بري منذ اليوم الأول أنها تجري بالتنسيق مع “حزب الله” وبتفويض من الأمين العام لـ”حزب الله” الشهيد السيد حسن نصر الله، وأنه سيستعين بـ”الكتمان” في هذا الملف، وهو ما أعاد تأكيده رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.
هذه الرسائل، بنظر بعض الأوساط، تستفز بري، لدفعه للضغط على الحزب لفصل جبهة لبنان عن غزة، وبالتالي القبول بالشروط الإسرائيلية، والتي تتضمن تعديلات على القرار الدولي 1701.
من جهة أخرى، تعتبر أوساط أخرى أن ذلك لا يتعدى “التحليل” و”إبداء الرأي”.
بري، واضح منذ البداية، ليس من بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان في 23 أيلول، بل منذ بداية “جبهة الإسناد” في الجنوب في الثامن من تشرين الأول من العام الماضي.
أكد بري منذ ذلك اليوم، تمسك لبنان بتطبيق القرار 1701، مشدداً على ضرورة التزام كيان الإحتلال الإسرائيلي فيه، والذي سجل آلاف الخروقات فيه براً وبحراً وجواً منذ اقراره.
الشائبة في اعتبار أن ما يجري مؤخراً هو رسالة لبري، أن حركة “أمل”، والتي يشغل بري منصب رئيسها، يرابط عناصرها منذ اليوم الأول على الجبهة الجنوبية، والتي أعلنت “أمل” عن مشاركتها في هذه المعركة بالدم، بعد سقوط شهيدها الأول القيادي علي داوود، بالإضافة إلى عشرات الشهداء الذين يسقطون قبل بدء العدوان الموسع وبعده.
“أمل” موجودة في عملية الإغاثة، عبر فرق الإسعاف التابعة لجمعية “الرسالة للإسعاف الصحي”، والتي تم استهداف طواقمها قبل استهداف طواقم “الهيئة الصحية الإسلامية” التابعة لـ”حزب الله”.
فهل اعتمد العدو الإسرائيلي توجيه الرسائل منذ اليوم الأول، أو أن ذلك يفضح حقيقته في القتل والإجرام، بالإضافة إلى قواعد الإشتباك التي تفرض سقوط شهداء في صفوف المقاتلين ضد الإحتلال؟
المعروف في البيئة الشيعية، أنه لا يوجد “فدرالية” في التوزع الديموغرافي بين “حزب الله” و”حركة أمل”. فقرى الجنوب التي تعرضت لعدوان همجي في 23 أيلول، لا تقل شأناً عند بري عن مدينة صور، ولا عن مدينة النبطية، ولا عن بعلبك “مدينة الشمس”، والتي تعتبر جميعها خزان الحركة والحزب الشعبي على حد سواء.
كما أن الضاحية، والتي تعتبر معقل الحركة والحزب سوياً، تعرضت جميعها من دون استثناء لغارات وحشية، معظمها من دون سابق انذار.
ولكن، من جهة أخرى، ربما يعتمد العدو الإسرائيلي، آلية توجيه الرسائل لبري، ومنها “مستشفى الساحل” التي يملكها عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب فادي علامة، بالإضافة إلى استهدافات طالت “مستشفى تبنين الحكومي”.. ذلك ممكن، ولكن يعلم العدو جيداً أنها “بدون جدوى”.
إلا أن العدو يعتمد هذه “السيمفونية”، ليجد مبرراً سياسياً ـ أقله ـ أمام المجتمع الدولي لعدوانه الهمجي والمتواصل على لبنان، من جنوبه إلى شماله، مروراً بعاصمته ووصولاً إلى بقاعه.
وعاد بري ليؤكد عبر حديث صحفي، أنه ليس بوارد تغيير أي نقطة أو حرف في القرار 1701، وهو ما يقطع الطريق أمام أي تحليل أو تسويق لفكرة قبول بري بالشروط الصهيونية.
إلا أنه لا يمكن القفز فوق جنون العدو الثابت قبل زيارات هوكشتاين، والذي يعمل على استهداف نقاط محددة، يعتبرها مكامن قوة بري الجغرافية، وغير معرضة لاستهدافات سابقة، في حرب الـ2006، على سبيل المثال، ليجعل التفاوض مع بري “المتشبّث برأيه” تحت نار الغارات، عبر جعل كل لبنان مُزنّر بغاراته.
في المحصلة، نبيه بري الذي قاد “انتفاضة 6 شباط”، حفاظاً على سيادة لبنان وحرية قراره، والذي حمل كوب الماء رافضاً التنازل عن مقداره من المياه اللبنانية، لن يقبل اليوم المساومة على أراضي الجنوب، وهو الذي يدرك جيداً الأطماع الصهيونية، منذ “وعد بلفور” وحتى اليوم، بالأراضي اللبنانية.
ينتظر أهل الجنوب والبقاع والضاحية، خطاباً يشبه خطاب الـ2006 للرئيس بري، حين قال “عودوا إلى دياركم وأرضكم، وإن لم تجدوا المنازل إفترشوا التراب”، ليعيد الكرّة تحديداً مع أهالي القرى الحدودية، مؤكداً “أن لبنان كل شبر منه مقاومة”.. هذا ما قاله في النبطية عام 2019، وهذا ما سيعيد تأكيده في النصر القريب.