| رنا منصور |
في صباح يوم 7 آب 2006، نفذ طيران العدو الإسرائيلي ضربة جوية أخيرة على جنوب لبنان، وتحديدًا في الأطراف الشرقية لمنطقة صور، وضربة على حي الحجاج في الشياح في الضاحية الجنوبية لبيروت، أدت إلى مجزرة راح ضحيتها أكثر من 40 شهيداً.
جاءت هذه الضربة قبل صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي أنهى الأعمال العدائية بعد حرب استمرت 33 يومًا.
نص القرار على وقف القتال بين الجانبين، الإحتلال الصهيوني والمقاومة الإسلامية، مع إضافة 15 ألف جندي إلى قوة “اليونيفيل”، وانسحاب القوات الإسرائيلية إلى الخط الأزرق، وعودة مقاتلي “حزب الله” إلى شمال نهر الليطاني، وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب.
بعد إعلان وقف إطلاق النار مباشرةً، شهدت الطرقات المؤدية إلى الضاحية الجنوبية ازدحامًا من النازحين الذين عادوا إلى منازلهم، اختلطت ملامحهم بين الفرح والعزم، ليعبروا عن انتصارهم المسمى بـ”النصر الإلهي”، بعد خوضهم معارك شرسة ضد العدو الإسرائيلي.
بالعودة إلى أسباب حرب تموز، ففي سياق الصراع العربي الصهيوني المستمر، تمسك العدو الإسرائيلي بعدد من الأسرى، بينما سعى “حزب الله” إلى تبني قضية تحريرهم، فقد احتُجز عدد من اللبنانيين، مثل سمير القنطار، لمدة تقارب الثلاثين عامًا، ومع الإحباط من المفاوضات غير المباشرة، قرر الحزب أسر جنديين كخطوة لتحرير المعتقلين.
في 12 تموز 2006، أطلق حزب الله عملية “الوعد الصادق”، التي أسفرت عن أسر جنود صهاينة.
ردًا على ذلك، نفذت القوات الصهيونية عملية اقتحام للأراضي اللبنانية، حيث أعد حزب الله كمائن للجنود، مما أدى إلى مقتل ثمانية منهم، بينهم إيهود غولدفاسر وإلداد ريغف، الذين أُسروا من دون تأكيد خبر مقتلهما.
في اليوم التالي، شنت القوات الصهيونية هجومًا جويًا على جنوب لبنان، مستهدفة البنية التحتية الحيوية مثل محطات الكهرباء ومطار بيروت، بالإضافة إلى عدد من الجسور والطرق والمباني السكنية، أسفر ذلك عن استشهاد العشرات من المدنيين، كما أُرسلت قوات بحرية معادية لتعزيز الهجوم، واستدعى جيش الإحتلال فرقة احتياط تضم ستة آلاف جندي لتعزيز الانتشار في الأراضي اللبنانية تحت شعار “إعادة الأسيرين”.
وفي مؤتمر صحفي، أعلن الأمين العام لـ”حزب الله” الشهيد السيد حسن نصر الله أن الجنديين قد نُقلا إلى مكان آمن، مؤكدًا أن العملية فردية يتحمل الحزب مسؤوليتها بالكامل من دون أي ارتباط بالحكومة اللبنانية.
دعا نصر الله حكومة العدو إلى إجراء مفاوضات غير مباشرة بشأن تبادل الأسرى، مهددًا بأن “حزب الله” جاهز للرد في حال تصعيد الهجمات المعادية.
تبع ذلك فرض العدو الإسرائيلي حصارًا بحريًا وجويًا على لبنان.
عُرفت العملية العسكرية التي نفذها حزب الله بعملية “الوعد الصادق”، بينما أُطلق على الهجوم الصهيوني لقب “الثواب العادل”.
ووصفت وسائل الإعلام العبرية هذه الأحداث بأنها “حرب لبنان الثانية”، والتي تُعتبر واحدة من أشد الصراعات بين العدو الإسرائيلي والشعب اللبناني.
تباينت الأهداف الصهيونية من العملية، إذ شملت إعادة الأسرى، ودعم القوات الصهيونية لمواجهة “حزب الله”، وتدمير بنيته التحتية، بالإضافة إلى الوصول إلى نهر الليطاني للحد من إطلاق الصواريخ، ومع مرور الأيام، ظهرت أهداف جديدة، إلا أن الحرب انتهت من دون أن تحقق أيًا من الأهداف المعلنة.
منذ بداية القتال، استهدف سلاح الجو الإسرائيلي مقر “حزب الله” في الضاحية الجنوبية لبيروت، مما دفع نصر الله إلى التهديد بقصف مدينة حيفا إذا استمر القصف، ليطلق “حزب الله” الصواريخ على حيفا، بعد أن استهدفت سابقًا بلدات وقرى أخرى في الأراضي المحتلة.
من اللحظات الفارقة في الحرب كانت عندما أعلن نصر الله عن استهداف البارجة الحربية “ساعر 5″، مما أدى إلى اعتراف العدو بمقتل أربعة جنود.
بعد هذا الهجوم، قامت قوات الاحتلال بسحب قطعها البحرية بعيدًا عن الشاطئ اللبناني لتجنب المزيد من الضربات.
في 11 آب 2006، صدر قرار مجلس الأمن رقم 1701 بالإجماع، بهدف إنهاء النزاع اللبناني الصهيوني.
وافقت الحكومة اللبنانية بالإجماع على القرار في 12 آب، وأكد نصر الله أن قواته ستحترم وقف إطلاق النار، معربًا عن استعداد “حزب الله” لوقف الهجمات الصاروخية على الأراضي المحتلة فور توقف الهجمات المعادية.
في 13 آب، صوت مجلس الوزراء الصهيوني على القرار بأغلبية 24 صوتًا مقابل لا شيء مع امتناع عضو واحد.
دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 14 آب الساعة الثامنة صباحًا بالتوقيت المحلي، بعد تصاعد الهجمات بين الجانبين.
ماذا في تفاصيل القرار 1701؟
يدعو قرار 1701 إلى وقف كامل للأعمال العدائية وسحب قوات الإحتلال من لبنان بالتوازي مع نشر الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل في الجنوب.
كما ينص على ضرورة نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في لبنان، بما في ذلك “حزب الله”، ويؤكد عدم وجود قوات مسلحة غير اليونيفيل والقوات اللبنانية جنوب نهر الليطاني.
يؤكد القرار أيضًا أهمية السيطرة الكاملة للحكومة اللبنانية على أراضيها، ويشدد على معالجة عاجلة لمسألة الإفراج غير المشروط عن الجنديين المختطفين الذين كانوا سببًا في اندلاع الحرب.
ويعزز أيضًا ضرورة احترام الخط الأزرق وسلامة لبنان واستقلاله داخل حدوده المعترف بها دوليًا، وعدم خرق سيادته براً أو بحراً أو جواً.
كما ينص القرار على “التنفيذ الكامل للأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف” الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990)، و”القرارين 1559 (2004) و1680 (2006)، والتي تنص على نزع سلاح كل المجموعات المسلحة في لبنان، حتى لا تكون هناك أي أسلحة أو سلطة في لبنان عدا ما يخص الدولة اللبنانية”.
ما أهمية نهر الليطاني في الصراع الدائر؟
يقسم نهر الليطاني الجنوب اللبناني إلى ما يشبه جزيرتين، تتصل ضفتاها عبر جسور رئيسية وفرعية. وتعرف المنطقة التي تقع قبل الجسور باتجاه العاصمة بيروت باسم منطقة شمال الليطاني، أما المنطقة باتجاه الحدود مع فلسطين المحتلة فتسمى منطقة جنوب الليطاني.
أما العمق الذي يفصل مجرى النهر عن الخط الأزرق فيبلغ في حده الأقصى 28 كيلومتراً في القطاع الأوسط، فيما يبلغ في حده الأدنى 6 كيلومترات في أقصى القطاع الشرقي.
يبدأ منبع نهر الليطاني في قرية العليق الواقعة على مسافة عشرة كيلومترات إلى الغرب من مدينة بعلبك، ويجري جنوباً حتى يملأ بحيرة القرعون الاصطناعية، ثم ينعطف غرباً ليصب في البحر الأبيض المتوسط قرب بلدة القاسمية في الجنوب اللبناني.
المطالبة الإسرائيلية بتراجع المقاومة إلى ما وراء الليطاني، ليست تصريحات جديدة ولا تخص “حزب الله” وحده.
ففي عام 1978، حينها لم يكن “حزب الله” قد تأسس بعد، اجتاحت إسرائيل للمرة الأولى جنوب لبنان، وأطلقت على حملتها العسكرية اسم “عملية الليطاني”.
جاءت “عملية الليطاني” رداً على “عملية كمال عدوان” التي نفذها مقاتلون فلسطينيون من منظمة التحرير الفلسطينية، عندما تسللوا إلى الأراضي عبر البحر وسيطروا على حافلة مدنية تقل إسرائيليين، ما أسفر عن مقتل عشرات الصهاينة.
سعى كيان الإحتلال ضمن “عملية الليطاني” لتدمير مواقع “منظمة التحرير الفلسطينية” الواقعة جنوب النهر، ودفع عناصر المنظمة وراء النهر. وسيطرت أيضاً خلال العملية على مناطق في الجنوب اللبناني وبقيت هناك حتى عام 2000، عندما انسحب جيش الإحتلال إلى ما وراء الخط الأزرق.
في عام 1982 اجتاحت إسرائيل جنوب لبنان حتى وصلت بيروت وحاصرتها بذريعة “التصدي لقذائف الفصائل الفلسطينية”، وردّاً كذلك على محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي، شلومو أرغوف، في بريطانيا، وخاضت حينها “اسرائيل” معارك عنيفة مع فصائل المقاومة اللبنانية آنذاك، ومنها حركة “أمل” و”الحزب السوري القومي الاجتماعي”، وخلال تلك الفترة ظهر اسم حزب الله كـ”مقاومة إسلامية”.
وفي عام 2006، حصلت حرب تموز.
خلال السنوات الماضية، استطاع “حزب الله” توسيع وتطوير ترسانته العسكرية. وبحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، يملك “حزب الله” ترسانة سلاح تتألف من 120 ألفاً إلى 200 ألفٍ من القذائف والصواريخ، ومنها على سبيل المثال الصاروخ الباليستي “قادر1” الذي يبلغ مداه (1350-1950 كيلومتراً).
إذاً ما الفائدة من دفع الحزب إلى شمال الليطاني؟
تستطيع إسرائيل صدّ صواريخ مثل قادر1 وفاتح 110 وغيرهما من خلال منظومة القبة الحديدية ومقلاع داود ومنظومة آرو 3، لكن حزب الله استخدم بنجاح خلال الحرب صواريخ مضادة للدروع من نوع كونكورس وكورنيت وألماس، وهذه يبلغ مداها 2- 8 كيلومترات، ولا يمكن لمنظومات الدفاع الصاروخي التصدي لها، لذلك تريد “إسرائيل” إبعاد الحزب وإخراج الصواريخ عن مدى رمايتها، إضافة إلى خلق منطقة عازلة لتأمين شمال الأراضي المحتلة.
يمتلك شبكة أنفاق كبيرة في الجنوب اللبناني تُمكّن مقاتليه من إطلاق الصواريخ وزرع العبوات الناسفة ونصب الكمائن ضد الجنود والآليات، لذا سيكون الثمن صعباً ومكلفاً على “اسرائيل”، مما يهدد أمنها وأمن المستوطنين.
كما أنه لا يمكن القفز فوق أطماع “إسرائيل”، التي تسعى من خلال إبعاد “حزب الله” إلى توسعة مجالها الجغرافي والوصول إلى مصادر المياه، إضافةً إلى حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط.
ما هو الخط الأزرق؟
الخط الأزرق هو خط رسمته الأمم المتحدة عام 2000 بعد انسحاب جيش العدو الإسرائيلي من جنوب لبنان، ويفصل لبنان عن الأراضي الفلسطينية المحتلة وهضبة الجولان المحتل.
يمتد الخط الأزرق على طول 120 كيلومترا على طول الحدود الجنوبية للبنان والحدود الشمالية لفلسطين المحتلة.
والخط الأزرق ليس حدودا، بل هو “خط انسحاب” مؤقت حددته الأمم المتحدة عام 2000 لغرض عملي يتمثل في تأكيد انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان.
لم يلتزم الطرفان بتطبيق كامل للقرار، فبقي “حزب الله” في المنطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، فيما استمرت “اسرائيل” بخرقه عبر خرق السيادة اللبنانية باستباحة الأجواء اللبنانية عبر طائرات الاستطلاع، وقصف سوريا من المجال الجوي اللبناني، بالإضافة إلى منع لبنان من البدء بتنقيب النفط من بحره، إضافة إلى خروقات برية متفرقة مسجلة بالبيانات لدى قوات “اليونيفل”.
اليوم، يبقى قرار 1701 مطروحًا على الطاولة، حيث تطالب الحكومة اللبنانية بإنهاء الحرب في غزة ولبنان، بينما يحاول الوسطاء الضغط على العدو الإسرائيلي لقبول القرار.