“حزب الله” خسر الحرب؟

| خضر طالب |

لا مجال للإنكار أن العدو الإسرائيلي نفّذ ضربة موجعة لـ”حزب الله”.

عملية تفجير أجهزة الـ”بيجر” لدى ما يقارب 4000 عنصر من “حزب الله”، هي أقرب إلى “أفلام هوليود” منها إلى الواقع، وهي عملية نوعية غير مسبوقة في تاريخ الحروب، إذا كان يمكن اعتبارها “عملية حربية”، لأن المعايير تضعها في إطار عملية إرهابية بحتة استهدفت أشخاصاً يحملون أجهزة الكترونية، وهي أقرب إلى “إبادة جماعية” منها إلى “جريمة حرب”، وهو ما يدفع مسؤولي كيان الإحتلال الإسرائيلي إلى التحصّن بالصمت الرسمي، وإن كانت الاحتفالات قد عمّت مراكز القرار في كيان الاحتلال، لأن تفجير الـ”بيجر” هو عدوان على لبنان وسيادته وأمنه ومواطنيه، مع كل تبعات ذلك من ناحية صورتها في العالم، وخشية من التبعات القضائية.

لكن، هل حققت هذه العملية هدف العدو الإسرائيلي؟

هل يمكن القول إن “حزب الله” أصيب بهزيمة عسكرية، وبالتالي سيرفع الراية البيضاء، أو أنه سيأتي إلى طاولة مفاوضات لتسوية من موقع الضعف؟

لا نقاش في أن “إسرائيل”، ومن خلال “العملية القذرة” التي نفّذتها، قد أصابت “حزب الله” بجرح عميق، بل وقد يكون هو الجرح الأعمق في جسد الحزب، لأن الدماء التي نزفها الحزب من الآلاف من عناصره، ومن مواقع مختلفة، كانت غزيرة جداً.

ولا نقاش في أن “حزب الله” سيحتاج إلى وقت للملمة جراحاته، ودراسة ما حصل، وإجراء التحقيقات التي تكشف الوقائع المخفية، بدءاً من نقطة أساسية تتعلّق بقرار شراء هذه الأجهزة، وصولاً إلى المكلفين بشرائها، والوسطاء، والاتجاه نحو هذا النوع من الـ”بيجر”، والاتصالات مع الشركات، وتحديد الشركة التي سيتم الشراء منها، والتفاوض على سعرها، والاتفاق على مواصفاتها، ثم على شرائها، وشحنها… وصولاً إلى حسم الجدل حول كيفية حصول التفجير.

الوقائع التاريخية تفيد بأن “حزب الله” كان ينجح دائماً في “عزل” جراحاته وتخفيف وطأة تأثيراتها على مسيرته وعمله، لا بل إن كل جرح أصاب “حزب الله”، ومهما بلغ عمقه وأذاه، كان يمنحه مزيداً من القوة ومن المناعة ومن التوغل أكثر في مسيرته بعزيمة أقوى وقوة أكبر. والأمثلة على ذلك كثيرة، من اغتيال الأمين العام السابق الشهيد عباس الموسوي إلى اغتيال القادة الشهداء، وخصوصاً الشهيدين عماد مغنية وفؤاد شكر وغيرهم الكثير.

والواضح أن “حزب الله” قد قرّر بالفعل أن يتعامل أيضاً مع الجراحات التي أصابته هذه المرة، بالطريقة نفسها، وهو لذلك سارع إلى اتخاذ القرار بإطلالة الأمين العام السيد حسن نصر الله يوم الخميس، خصوصاً بعد أن أنجز تحقيقاته الأولية بسرعة قياسية وتوصّل إلى خلاصات وصياغة شبه مكتملة لرواية تفجير الـ”بيجر”.

تلقى “حزب الله” ضربة موجعة، وهي كانت صدمة كبيرة، لكن الواضح أنه يحاول الخروج منها سريعاً، وهو ما يؤكد بالتالي الاستنتاج بأن “حزب الله” خسر جولة في الحرب، لكنه لم يخسر الحرب، ما يعني أن الضربة التي تلقاها هي ضربة “تكتيكية” ومعنوية وليس “استراتيجية” ولن يكون لها تأثير على قوة الحزب العسكرية وفاعليتها. بمعنى أن الحزب تعرّض لجرح عميق، لكنه لم يسقط، بل وهو يستعد للرد…

ماذا تغيّر بعد الضربة الإسرائيلية؟ لا شيء.. لم يعد المستوطنون إلى شمال فلسطين المحتلة.. لم تتوقف جبهة الإسناد من جنوب لبنان.. لم تتغير “قواعد الاشتباك.. لم يتراجع “حزب الله” ولم يخضع للشروط الإسرائيلية…
عادت “إسرائيل” لتعيش التوتّر في انتظار رد “حزب الله” على “العملية القذرة”.

ما هو هدف “إسرائيل” من هذه العملية؟ ولماذا لم تنفّذها قبل أشهر عندما وصلت أجهزة الـ”بيجر” إلى “حزب الله”؟

الاستنتاجات الأولى ترجّح أن “إسرائيل” كانت تعدّ العدّة لعملية عسكرية برية سريعة بعد تفجير الـ”بيجر” مباشرة، مستغلة حالة الإرباك التي أصابت “حزب الله” في مختلف مستوياته القيادية والعسكرية، وتنهي من خلالها “حرب الاستنزاف” التي استدرجها “حزب الله” إليها، وترمّم هيبتها العسكري، وتستعيد قوة الردع، وتفرض واقعاً جديداً في جنوب لبنان، وتغيّر قواعد الاشتباك، وتؤمّن عودة المستوطنين النازحين من شمال فلسطين المحتلة، وهو ما كان ألمح إليه قادة العدو خلال الأسبوعين الماضيين مراراً وتكراراً، والتي كان أبرزها تعليمات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بـ”الاستعداد لتغيير الوضع في الشمال”، وكلام وزير الحرب يوآف غالانت عن التصعيد على جبهة لبنان، فضلاً عن تصريحات المتطرفين المقربين من نتنياهو والتي أوحت بأن شيئاً ما يتم تحضيره لجبهة لبنان.

ثم جاءت التطورات الميدانية لتعطي مؤشراً حاسماً بأن “إسرائيل” تستعد للقيام باجتياح بري، عبر المنشورات التي ألقتها قوات الاحتلال في عدد من القرى والبلدات، والتي تدعو الأهالي إلى مغادرتها وإخلائها من أثاث منازلهم، ثم عادت قوات الاحتلال وتبرأت من هذه المنشورات زاعمة أن قائد لواء في جيش الاحتلال نشرها بـ”قرار شخصي” و”من دون العودة للقيادة”!

لم تحقق “إسرائيل” هذه الأهداف من خلال تفجيرات الـ”بيجر”.

في رواية مصادر دبلوماسية خاصة لموقع “الجريدة” أن الاستعداد للاجتياح البري كان جارياً على قدم وساق، لكن رسالة الإدارة الأميركية التي حملها قبل يومين آموس هوكشتاين، موفد الرئيس جو بايدن، بأن الإدارة الديمقراطية لا تستطيع تحمل نتائج أي اجتياح بري لأنه سيترك تأثيره المباشر على الانتخابات وسيؤدي إلى خسارة الديمقراطيين، جمّدت العملية البرية.

وفي اعتقاد هذه المصادر أن الموقف الأميركي الحازم الذي تبلغه نتنياهو ضد أي اجتياح للبنان، دفع الاحتلال الإسرائيلي إلى تنفيذ الجزء الأول من خطته العسكرية، بتفجير الـ”بيجر”، وتجميد خطته بتنفيذ اجتياح بري لجنوب لبنان، والتي كان هيأ لها بالمنشورات في عدد قرى الجنوب.

عملياً، تصبح عملية تفجير الـ”بيجر” بمثابة عمل انتقامي وثأري وتنفيس احتقان، وبالتالي، فإن تداعيات هذه العملية ستكون وخيمة على كيان الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً أن “الجبهة الداخلية” في كيان الاحتلال مرهقة ولن تستطيع تحمّل ضربات موجعة، بعد حرب طويلة تسبّبت باستنزافهم وبتكريس انقساماتهم.

وعلى الرغم من الضرر المؤلم الذي أصاب “حزب الله” من عملية “تحت الحزام”، إلا أن الاحتلال لا يستطيع الاستثمار فيها أو صرف نتائجها لا سياسياً ولا عسكرياً، وإنما وضع نفسه ـ مجدداً ـ لاختبار قدرته على تحمّل ردّ “حزب الله”، وهو رد سيكون مختلفاً جداً عن سابقاته، وقد ألمح الحزب إلى ذلك في بيانه عندما أعلن صراحة أن على العدو الإسرائيلي أن ينتظر الرد “من حيث يحتسب.. ومن حيث لا يحتسب”، وفي هذه العبارة ما يشير إلى أن الحزب سيستخدم أوراقاً جديدة في الحرب للرد على العدوان الإسرائيلي القذر.

وترى بعض المصادر أن فشل “إسرائيل” بتنفيذ خطتها التي كانت تعتمد على عملية كبرى في لبنان، متزامنة بين تفجير الـ”بيجر” وبين العمل العسكري البري، والخشية من انكشاف تفخيخ الـ”بيجر”، خصوصاً بعد أن علمت بأن بعض عناصر “حزب الله” استشعروا بارتفاع حرارة الأجهزة فبدأوا بالتخلي عنه، دفعها للمسارعة إلى تفعيل الجزء الأول من خطة الاجتياح البري، قبل انكشافها و”احتراقها.. لكنها لم تحتسب لـ”اليوم التالي” بعد العملية، ويبدو أن “اليوم التالي” لن يطول انتظاره هذه المرة بالنسبة لـ”حزب الله”، وقد يفاجئ كيان الاحتلال الإسرائيلي، في التوقيت والمضمون.. و”من حيث لا يحتسب”!