ما علاقة تفجيرات الـ”بيجر” بـ”بيرل هابر”.. هل نحن أمام اجتياح للجنوب.. أم حرب عالمية؟

| زينة أرزوني |

بعد فشلها في جر “حزب الله” إلى حرب واسعة، اختارت “إسرائيل” الاستعراض تكنولوجياً، عبر أقذر عملية استخباراتية نفذتها في لحظة واحدة، أدت إلى إصابة أكثر من 4000 شخص وارتقاء 11 شهيد جراء تفجير أجهزة “بيجر” كانت بحوزة مدنيين وعناصر لـ”حزب الله”.

ومن الواضح أن “إسرائيل” مهدت لهذه العملية من خلال زعمها بأنها أحبطت محاولة اغتيال باستخدام عبوة ناسفة من نوع “كليماغور” زرعها “حزب الله”، وكانت ستستهدف مسؤولًا أمنياً إسرائيلياً.

وهنا يبرز السؤال الأهم: كيف تم هذا الخرق في التوقيت نفسه؟

في عملية إجرامية كهذه، ومع ارتفاع منسوب التهديدات باجتياح جنوب لبنان، من الطبيعي أن تكون “إسرائيل” المسؤولة عن ذلك، ولكن غالباً ما تحاول الإدراة الاميركية إيهام العالم بأنها تعمل على تهدئة الأمور بين “إسرائيل” ولبنان، وأنها غير معنية بالحرب، ولكنها في الوقت ذاته تسلح “إسرائيل” للاستمرار بالحرب لعدة أسباب، أبرزها ان الحزب الجمهوري يحتاج إلى إنجاز بعد فشله في حماية “إسرائيل” في حرب غزة، وهذا الانجاز يحتاجه في الانتخابات التي يرجح أنه سيخسرها.

وخير دليل على ضلوع أميركا في أكبر خرق أمني شهده لبنان، هو كلام الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الذي كان متخوّفاً قبل ساعات من الإعتداء الإسرائيلي، وقال لأحد السياسيين: “الأجواء ملبّدة والأمورُ تتجه إلى الجنون”.

الدليل الثالث، ماذا كانت تفعل أمس قبالة السواحل اللبنانية طائرة أميركية EC-130H التي تستخدم في الحرب الإلكترونية؟ وما يعزز هذا الدليل هو أن أميركا استخدمت نفس الأسلوب خلال غزوها للعراق، و”إسرائيل” لا تمتلك هذه التقنية العالية، وأقصى ما تملكه هو تحديد الحيز الترددي للأجهزة فقط، أما استهداف الأجهزة اللاسلكية بالموجات الكهرومغناطيسية، فهي عملية أميركية، لذلك فإن الولايات المتحدة تعد شريكة مع “إسرائيل” في تنفيذ العملية.

ومن يراقب حجم الإصابات البليغة بالوجه، وتحديداً مناطق العين والبطن واليدين، يتساءل عما إذا كان هذا التفجير ناتج عن انفجار بطارية “البيجر”، أم أنه عن عبوة ناسفة؟ فأكثر ما ممكن أن يحدثه انفجار بطارية هو حروق متفاوتة بين عادية وبليغة، ولكن أن يكون بين الحالات إحداث فتحات عميقة داخل البطن أو بتر اليدين وفقأ العينين، هنا تكون نظرية تفخيخ البطارية أقرب إلى الواقعية، والسيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن تفخيخ هذه الأجهزة حصل في سلسلة التوريد بطريقة ما، ومن المؤكد أن الشركة المنتجة لهذا النوع من الأجهزة مسؤولة أيضاً.

نظرية التفخيخ أكدها أيضاً محلل النظم إدوارد سنودن، الذي عمل في وكالة الأمن القومي الأميركي، والذي قال إنه من المرجح أن تكون متفجرات مزروعة، وليس اختراقاً.

وهنا يبرز السؤال الأصعب: كيف مرت هذه الشحنة على “حزب الله” الذي يعيد فحص الاأجهزة لحظة تسلمه إياها؟

وهنا ترجح مصادر أن “إسرائيل” طلبت من أحد العملاء الذين تم تجنيدهم من داخل “حزب الله” إحضار هذا الجهاز لهم لفك شيفرته واختراقه بسهولة، فكل جهاز يحتوي على رمز بروتوكول الوصول إلى القناة (CAP) الخاص به وهو عنوان تعريف فريد.

ما هي أهداف “تفجيرات البيجر”؟ وهل تمهّد “إسرائيل” لعملية واسعة النطاق في جنوب لبنان؟

من الواضح أنها لو كانت في هذا الوارد، لكانت أقدمت على اجتياح الجنوب لحظة تنفيذ التفجيرات، مستغلة حالة الإرباك والصدمة، والتي شكلتها في الشارع اللبناني ولدى الحزب، ولكانت اعتبرت نفسها انتصرت بالقضاء على سلاح الاتصالات للحزب. ولكنها تدرك جيداً أن “البيجر” لا يستخدم إلا للإستدعاء وبعض المهام الضيقة، ولا ترتبط بالإطار العسكري للحزب، فما أقدمت عليه “إسرائيل” ليس سوى حرباً معنوية وإعلامية وحربية بامتياز، هدفها إيصال رسالة الردع المجتمعي، ومحاولة ضرب الجبهة الداخلية للبنان، بأن “حزب الله” إذا استمر في جبهته المساندة للمقاومة الفلسطينية في غزة فإن ذلك سيؤثر على كل لبناني، وعملية سقوط الأشخاص في الشارع والسوبرماركت والسيارات وأمام أعين أطفالهم، هو ليسحب الثقة من القاعدة الشعبية لـ”حزب الله”، وخلق حالة من الصدمة لدى جمهوره بأن “إسرائيل” تستطيع أن تصل إلى أي مكان وأي شيء.

ولكن من يعود بالذاكرة إلى العام 1994، يوم أغار العدو الاسرائيلي على معسكر تدريب للمقاومة في عين كوكب بالبقاع، وأسفر عنه ارتقاء 26 شهيداً وعشرات الجرحى، يرى أن هذه الضربة حينها لم تكسر المقاومة، ولم تسمح له بفتح مسار جديد للحرب في وقتها، وبعد هذه الضربة استطاعت المقاومة تثبيت ميزان الردع مع العدو وحررت الأرض.

وعما إذا كانت هذه الضربة الأمنية المعقدة، يمكن أن تجر المنطقة إلى حرب عالمية ثالثة، على غرار ما حصل في الهجوم على “بيرل هاربر” وأدى إلى حرب عالمية ثانية، فـ”إسرائيل” من خلال عملياتها طيلة الأشهر الماضية، لم تنجح في سرقة الساعة من يد المقاومة، لا بالاغتيالات ولا بالعمليات الأمنية، والساعة لا تزال بتوقيت المقاومة، و”إسرائيل” هي من عليها ضبط ساعتها على هذا التوقيت.. وليس العكس.