أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت تنتظر قرار “الجنائية الدولية”

تقدم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بمذكرة من 49 صفحة، للرد على جميع الحجج التي تقدمت بها الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا والأرجنتين والمجر ومنظمات “إسرائيلية” وأخرى داعمة للاحتلال، بهدف تعطيل نظر المحكمة في طلب إصدار أوامر اعتقال لرئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت.

وطالب كريم خان في نهاية المذكرة بسرعة نظر طلب إصدار أوامر الاعتقال، وأن تلتفت المحكمة عن جميع الملاحظات التي تقدمت بها بعض الأطراف، بعيداً عن الجدل القانوني حول أثر اتفاقيات أوسلو، الموقعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين عام 1993، على ممارسة المحكمة الجنائية الدولية لاختصاصها القضائي على الإسرائيليين المتهمين بارتكاب جرائم ضد الشعب الفلسطيني.

وحددت المحكمة الجنائية الدولية يوم الاثنين 26 آب/أغسطس موعداً نهائياً لتقديم ملاحظات من بعض الأطراف، الأممية والدولية، حول أثر اتفاقيات أوسلو على ممارسة اختصاصها على الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، مما يشير إلى قرب نظر المحكمة في طلب إصدار أوامر الاعتقال التي شملت أيضا قائد حركة “حماس” الشهيد إسماعيل هنية ورئيس المكتب السياسي الحالي للحركة يحيى السنوار والقائد الميداني في غزة محمد الضيف.

ويتعرض الطلب، منذ صدوره من المدعي العام للمحكمة كريم خان، لمحاولات تعطيل وإبطاء بدأتها بريطانيا في عهد حكومة ريشي سوناك السابقة، عندما تقدمت بمذكرة للمحكمة تدعي أن اتفاقيات أوسلو تحرم فلسطين من الملاحقة القضائية للمواطنين الإسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم ضد الفلسطينيين، وأن هذا يعني بالتبعية منع المحكمة الجنائية الدولية من ذلك، حتى بعد انضمام دولة فلسطين لنظام روما الأساسي الذي جعلها عضواً بالمحكمة.

وعلى الرغم من سحب بريطانيا لهذا الطلب في عهد حكومة العمال الحالية، فإن المحكمة ارتأت فيه وجاهة وتأثيراً محتملاً على قرارها بشأن أوامر الاعتقال، ففتحت الباب لمؤيدي هذا الرأي ومعارضيه لتقديم مذكرات في مسألة انعكاس اتفاقية أوسلو.

وجاءت الولايات المتحدة وألمانيا والمجر والأرجنتين على رأس الأطراف التي طالبت بعدم إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو وغالانت، بحجة أن اتفاقيات أوسلو تحرم السلطة الفلسطينية وبالتبعية تحرم المحكمة الجنائية الدولية من ملاحقة المتهمين الإسرائيليين.

وزعمت أميركا في مذكرتها أن اتفاقيات أوسلو “أكدت الاختصاص الحصري للقضاء المحلي الإسرائيلي بالأفعال التي يرتكبها إسرائيليون على الأراضي الفلسطينية”، مدعية أن هذا الأمر “يقيّد حق الفلسطينيين في تفويض المحكمة الجنائية الدولية في الرقابة القضائية على الجرائم التي قد يرتكبها الإسرائيليون”.

وتبعت المجر والأرجنتين هذا الاتجاه تأكيداً على عدم صلاحية انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية سنداً لتفعيل سلطة المحكمة على أفعال الإسرائيليين، زاعمين أن “إسرائيل” لديها قضاء مستقل يختص بمعاقبة مواطنيها المتهمين بارتكاب جرائم ضد الفلسطينيين.

وتحاول هذه القراءة القانونية تكريس حصانة استثنائية للإسرائيليين طالما ارتكبوا أفعالهم المؤثمة بحق الشعب الفلسطيني أو على الأراضي الفلسطينية، وهو ما رفضته معظم الأصوات التي قدمت ملاحظاتها للمحكمة.

فعلى الجانب الآخر انبرى للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني للمطالبة بإصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو وغالانت كل من: النرويج وإسبانيا وأيرلندا وكولومبيا والبرازيل وجنوب أفريقيا وبوليفيا وبنغلاديش وجزر القمر وجيبوتي، بالإضافة إلى دولة فلسطين وجامعة الدول العربية.

اعتصم هذا الرأي بالقرار التاريخي الصادر من المحكمة الجنائية الدولية في شباط/فبراير 2021 بتأكيد اختصاص المحكمة على الوضع في فلسطين، استجابة لطلب قدمته المدعية العامة السابقة للمحكمة فاتو بنسودا في كانون الثاني/يناير 2020 لتأكيد نطاق ولاية المحكمة في فلسطين، وذلك بعد ست سنوات تقريباً من إعلان دولة فلسطين إقرارها لنظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة وقبول اختصاصها على الجرائم التي تقع على أراضيها أو من مواطنيها.

كما أكدت الدول المناصرة للشعب الفلسطيني، ومعها عدد كبير من المنظمات الحقوقية الدولية، أن اتفاقيات أوسلو لا تمنع ادعاء المحكمة الجنائية الدولية من مباشرة أي تحقيق يُشتبه أو يُتهم فيه إسرائيليون لأفعال ارتكبوها على الأراضي الفلسطينية.

وشددت النرويج وإسبانيا وإيرلندا على أن اتفاقيات أوسلو لا يجب أن تمنح “إسرائيل” وضعاً خاصاً أو استثنائياً يعفيها من موجبات اتفاقيات جنيف أو قانون الاحتلال أو أي معاهدات دولية أخرى، وبالتبعية لا يجوز الاحتجاج بها لإعفاء المتهمين الإسرائيليين من المحاسبة أو العقاب، نظراً لأن الاتفاقية لم تغير وضع الفلسطينيين كـ”مواطنين محميين” تحت الاحتلال الإسرائيلي.

وأكدت تلك الدول في مذكراتها أنه لا يجوز مقارنة الاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدولية بالاختصاص القضائي المحدد للمحاكم الفلسطينية، وأن القيود المفروضة على القضاء الفلسطيني المحلي تتعلق بالتنفيذ فقط لكنها لا تقيد اختصاص القضاء الدولي.

وفي مذكرته الأخيرة، أعاد كريم خان التأكيد على أن اتفاقيات أوسلو لا تمنع المحكمة من ممارسة اختصاصها في الشروع في التحقيق، كما لا تمنعها من إصدار أوامر اعتقال أو قرارات اتهام، بل يمكن أن تؤثر فقط على الإجراءات التنفيذية الخاصة بطلب المساعدة القانونية من دولة فلسطين، أي لأغراض ترقب دخول المتهمين الإسرائيليين أو اعتقالهم بناء على أمر المحكمة.

وأضاف كريم خان أنه لم يتم تقديم طلب مادي للتعاون مع فلسطين أو “إسرائيل”، ولم تثر “إسرائيل” مسألة اتفاقيات أوسلو كعقبة أمام هذا التعاون، بل إن بريطانيا هي التي “أساءت تفسير المنطق القانوني وأقحمت اتفاقيات أوسلو في القضية”.

وشدد كريم خان على مشروعية طلب اعتقال نتنياهو وغالانت بقوله: “لا تمنع اتفاقيات أوسلو ـ ولا تستطيع أن تمنع المحكمة الجنائية الدولية من ممارسة اختصاصها على الرعايا الإسرائيليين عن الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والقول بغير ذلك حجة لا أساس لها من الصحة”.

وعدد كريم خان صور مخالفة تلك الحجة للمنطق القانوني السليم، موضحاً أنها “تتعارض مع النظام الأساسي للمحكمة، وتسعى بشكل خاطئ إلى معاملة دولة فلسطين بصورة مختلفة عن كل دولة طرف أخرى، لا سيما وأن للمحكمة اختصاصاً قضائياً في ما يتصل بأخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي ككل”.

واستطرد كريم خان: “باختصار، عندما تصبح دولة طرفاً في النظام الأساسي، فإنها تقبل اختصاص المحكمة، وتتمتع المحكمة بالاختصاص في ما يتصل بالجرائم المرتكبة على أراضي الدولة أو من جانب مواطنيها. وهذا يخلق مخططاً بسيطاً وموحداً للمحكمة، بحيث يمكنها ممارسة الاختصاص وفقاً لمبادئ ثابتة ومستقرة بالنسبة للجرائم المرتكبة على أراضي كل من الدول الأطراف البالغ عددها 124 دولة”، قاصدا بذلك عدم جواز استثناء فلسطين من تلك القواعد.

ورداً على ادعاءات “إسرائيل” وحلفاءها بكفاية نظامها القضائي المحلي بدعوى “عدالته” و”استقلاله”، قال كريم خان إن “مجرد التأكيد على قدرة نظام العدالة الإسرائيلي وأن هناك تحقيقات جارية، أمر لا يكفي لوقف التحقيق الدولي أو تأجيله”، مشيراً إلى عدم تعاون “إسرائيل” في مرحلة التحقيق وتسويفها وطلبها للتأجيل دون مراعاة للمواعيد، مرجحاً أنها “لا تملك أي معلومات أو بيانات من شأنها تلبية استفسارات الادعاء أو البرهنة على ادعاءاتها”.