استعرض “حزب الله”، في مقطع فيديو نشره مؤخراً، نموذجاً من شبكة أنفاق يضم، وفق الصور، منصات إطلاق صواريخ وأسلحة ثقيلة، ويرى خبراء أن هذه المنشآت قد تلعب دورا أساسيا في أي مواجهة مع “إسرائيل”.
ومنذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر، غداة بدء الحرب في قطاع غزة إثر هجوم غير مسبوق لحركة “حماس”، يتبادل “حزب الله” القصف مع “إسرائيل” بصورة يومية عبر الحدود اللبنانية.
لكن تزايدت المخاوف من اندلاع حرب واسعة مع توعّد “حزب الله” وإيران بالردّ على اغتيال القيادي في الحزب فؤاد شكر في ضربة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في ضربة في طهران.
يمتد الفيديو على أربع دقائق مع مؤثرات صوتية وضوئية، ويظهر منشأة باسم “عماد 4” محصّنة، يتحرّك فيها عناصر بلباس عسكري وآليات محمّلة بالصواريخ، ودراجات نارية ضمن أنفاق واسعة ومضاءة.
وحمل الشريط عنوان “جبالنا خزائننا”.
ولم تتمكّن وكالة “فرانس برس” من التحقّق من صحة الفيديو بشكل مستقلّ، لكن خبير الأدلة الجنائية الرقمية في جامعة كاليفورنيا هاني فريد قال ردا على سؤال لـ”فرانس برس” إنه “من المستبعد أن يكون الفيديو نُفّذ بتقنية الذكاء الاصطناعي”.
ويشير الخبير في شؤون “حزب الله” في مركز “أتلانتيك كاونسيل” للأبحاث نيكولاس بلانفورد إلى أن شبكة أنفاق “حزب الله” تستخدم في “تخزين الذخيرة وكمنصات مخفية لإطلاق الصواريخ”.
ويرى أن الفيديو قد يكون “رسالة تحذير” لـ”إسرائيل” في حال نفّذ “حزب الله” تهديده المتعلّق بـ”الثأر” لشكر، ما قد يستتبعه ردّ إسرائيلي عنيف.
ويقول إن الحزب يريد أن يقول لـ”إسرائيل” إنه قادر “على استخدام أسلحة أكثر قوة بكثير” من تلك التي استخدمها خلال الأشهر العشر الماضية.
يشرح العميد المتقاعد من الجيش اللبناني منير شحادة أن الفيديو أظهر “مدى عمق الأنفاق واتساعها وتشعبها، ومدى صعوبة أن تطالها إسرائيل”.
ويقول العميد المتقاعد هشام جابر إن لا معلومات كثيرة حول هذه المنشآت “السرية للغاية”.
ويضيف أن منشأة “عماد 4” قد تكون واحدة من عشرات، موضحا أن “طبيعة الأرض في جنوب لبنان حيث توجد جبال وتلال (…)، مثالية للحفر وتكون محمية لأنها في قلب الجبل”.
ويشير جابر إلى أنّ “الطائرات لا تستطيع أن تصل إلى هذه المنشآت المحمية من الأعلى”. ويمكن للمقاتلين البقاء داخلها “ما بين تسعة أشهر وعام لأنها تضمّ كل الإمكانات من طاقة وغذاء ودواء”.
ويضيف أن “إسرائيل يمكنها أن تواصل قصفها لأشهر وأن تواصل تدمير لبنان من دون أن تصل إليها”.
وتقول الخبيرة في شؤون “حزب الله” في “المعهد الإسرائيلي للدراسات في الأمن القومي” أورنا مزراحي رداً على سؤال لـ”فرانس برس”: “نعرف بوجود أنفاق (“حزب الله”) منذ فترة”، مضيفة أن جيش الاحتلال الإسرائيلي “اكتسب خبرة جيدة” حول الأنفاق من الحرب في قطاع غزة حيث لـ”حماس” شبكة واسعة منها، وسيكون عليه التعامل معها، في حال دخل لبنان مجدداً.
ومن المعروف أن هناك منشآت عسكرية تحت الأرض أيضا في إيران التي تدعم “حزب الله” بالمال والسلاح.
وإثر نشر فيديو “حزب الله”، كتبت السفارة الإيرانية في بيروت على حسابها على منصة “إكس” بالعربية “في اللغة الفارسية، نطلق على المنشآت الصاروخية الموجودة تحت الأرض وداخل الصخور والجبال ‘مدن الصواريخ’. وقالت السفارة إنها “موجودة في جميع أنحاء إيران ويمكننا، إذا لزم الأمر، مهاجمة العدو من أي نقطة في ايران”.
وذكرت وكالة أنباء “مهر” الإيرانية، إثر نشر الفيديو، أن المقطع يكشف عن “مدينة صواريخ تحت سلسلة جبل عامل”، في إشارة إلى جنوب لبنان. ويتركّز نفوذ “حزب الله” في جنوب لبنان خصوصاً، وفي منطقة البقاع شرقاً.
بدأ “حزب الله” العمل على شبكة أنفاقه منذ منتصف الثمانينيات، عندما كانت “إسرائيل” تحتلّ أجزاء من جنوب لبنان، وفق بلانفورد.
في العام 2010، افتتح “حزب الله” ما أسماه “المعلم الجهادي السياحي الأول عن المقاومة” في “مليتا” في جنوب لبنان، وهو عبارة عن نفق بطول 200 متر. وقال الحزب في حينه إن المكان كان قاعدة عسكرية استخدمت خلال الحرب مع “إسرائيل” في العام 2006 وفي المواجهات مع جيش الاحتلال الإسرائيلي قبل انسحابه من جنوب لبنان في العام 2000.
وعرض الحزب في “معلم مليتا السياحي” عشرات القذائف المضادة للصواريخ وصواريخ كاتيوشا وغيرها من الصواريخ والراجمات، بالإضافة الى غنائم من جيش الاحتلال الإسرائيلي بينها دبابات “ميركافا”.
ويقول بلانفورد إن الأنفاق التي بنيت في مطلع العام 2000 والتي تشبه معلم مليتا “صُمّمت لعدد صغير من المقاتلين ليرتاحوا ويأكلوا ويناموا فيها”، لكن المنشأة التي تظهر في الفيديو “أكبر بكثير من تلك المخابىء”.
ويشير الأستاذ في كلية العلوم السياسية في جامعة “غرونوبل” الفرنسية دانيال ميير إلى أن استخدام الحزب للأنفاق، ظهر إلى العلن خلال حربه مع “إسرائيل” في العام 2006.
وذكر أن مقاتلي “حزب الله” كانوا يتحرّكون “تحت الأرض” في مواجهة “إسرائيل” التي تملك تفوّقاً جوياً. وبعد حرب 2006، طوّر الحزب أنفاقه، وفق الخبراء.
وأعلنت “إسرائيل” في العام 2019 اكتشاف وتدمير أنفاق ل”حزب الله” حُفرت من لبنان إلى داخل فلسطين المحتلة.
ويرى ميير أن شبكة أنفاق “حزب الله” غير ممتدة بقدر شبكة “حماس” في قطاع غزة، لكن “احتمال أن يخرج العدو من الأرض، لا شكّ يبقى ماثلاً في الذهن الإسرائيلي”.