رأى رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع أن “مجد لبنان حققه البطريرك وأسلافه، ولم يُعطَ لهم من أحد”. وشدد على أن “محور الممانعة، وعن سابق تصوّر وتصميم، يعطل الانتخابات الرئاسية لسببين: الأول هو عدم قدرته على تأمين أغلبية لمرشحه، والثاني هو انتظار مجريات الأحداث في المنطقة لمعرفة كيفية التصرف في الداخل، باعتبار أن لبنان يأتي في المرتبة 17 في سلم أولوياتهم، فكل ما يحدث في المنطقة هو الأهم بالنسبة لهم، ولبنان يأتي بعد ذلك”.
وقال: “نحن أبناء هذا الوادي، ولسنا أبناءه بالقداسة والروحانيات فحسب، بل أيضاً في المواجهة”، لافتاً إلى أن “هدفنا ليس انتصار طرف على آخر، بل انتصار الحق. لذا لا نقبل بأي شكل من الأشكال أن يُنتزع حقنا أو يُهدَر، ونرفض أن يستولي أي طرف على حقوق الآخرين”. وأضاف: “نحن لا نريد الإنتصار على أحد ولكن في الوقت ذاته لن نقبل أن يستعمل أي طرف سلاحاً غير شرعي موجوداً معه، معتقداً أنه بهذا السلاح يمكن أن يطغى علينا أو أن يجبرنا على اتخاذ مواقف لا نريد اتخاذها، لا، فهذه الأيام قد ولّت إلى غير عودة”.
كلام جعجع، جاء في العشاء الذي أقامه رئيس اتحاد بلديات قضاء بشري ايلي مخلوف في دارته في بقاعكفرا على شرف البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لمناسبة عيد القديس شربل، في حضور النائبة ستريدا جعجع، النائب السابق جوزيف اسحق، النائب البطريركي على الجبة وزغرتا المطران جوزيف نفاع، المدبر العام للرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة الأب طوني فخري، قائمقام قضاء بشري ربى الشفشق، قائد منطقة لبنان الشمالي الإقليمية في قوى الامن الداخلي العميد مصطفى بدر، رئيس رابطة مخاتير قضاء بشري الكسي فارس، رؤساء بلديات: حصرون – المهندس جيرار السمعاني، بزعون – رامي بو فراعة، حدث الجبة – جورج شدراوي، قنات – أنطوان سعادة، عبدين – نبيل ابو النصر، بقرقاشا – جورج البطي، رئيس مجلس إدارة مستشفى بشري الحكومي أنطوان جعجع، قائد سرية أميون العميد ميلاد نصرالله، قائد مفرزة الشمال القضائية العميد ريمون خليفة، رئيس مكتب استقصاء الشمال المقدم بطرس سيدة، مدير مكتب اللواء الياس البيسري المقدم الفرد صغبيني، مدير مكتب مخابرات بشري المقدم ايلي زكريا، المقدم خليل الاشقر، آمر فصيلة بشري النقيب شربل انطون، مأمور نفوس بشري جان ايليا، لفيف من الكهنة، وحشد من الفاعليات الأهليّة والمدنيّة في البلدة.
في مستهل كلمته، تناول جعجع مسألة “التهجمات التي شهدناها خلال الأسابيع الأخيرة على البطريرك الراعي”. وقال: “في الواقع، عبارة “مجد لبنان أعطي له” غير دقيقة. العديد من الناس يرددون هذه العبارة، ولكن الحقيقة هي أن مجد لبنان لم يُعطَ له، بل هو من صنع مجد لبنان نتيجة عمل سلسلة البطاركة وجهودهم ونضالهم على مر العصور، ولو لم يسهموا في صنع هذا المجد، لما كان لأحد أن يمنحهم شيئاً، باعتبار أن الله وحده هو من يعطي، وبالتالي فإن التعبير “مجد لبنان أعطي له” لا يعبر بدقة عن الواقع، بل إن مجد لبنان هو ثمرة عمل البطاركة المتعاقبين على هذا الكرسي”.
وتابع معبراً عن رفضه التام للتهجمات على البطريرك، وقال: “سيّدنا، نود التأكيد أننا نرفض ونشجب أي شكل من أشكال الهجوم الذي تعرضت له، وأنا لن نقبل بما حصل تحت أي ظرف. صحيح أن البطريرك الماروني راهب عادي شأنه شأن بقية الرهبان، إلا أنه على الجميع أن يدرك أن هذه الدنيا فيها واجبات ولياقات وحدود أيضاً. مهما كان رأي البطريرك، فإنه ليس مقبولاً بأي شكل من الأشكال أن يتم الهجوم عليه بهذا الشكل. كل شخص لديه الحق في إبداء رأيه، ولكن الهجوم الشخصي والتخوين لمجرد اختلاف الرأي ليس مقبولاً. البطريرك حر في رأيه، وأي شخص يرغب في دعمه أو معارضته له كامل الحرية في ذلك، ولكن الهجوم والتجريح والتخوين، إنما هي أمور مشجوبة ومرفوضة بشدّة من قبلنا. أحببت أن أسجّل هذه النقطة سيّدنا، لأقول لك أن هذه التصرفات غير مقبوله من قبلنا. غبطتك تتخذ الموقف الذي تراه مناسباً، وتتكلّم على قناعاتك كما هي، وعليه أتمنى أنا شخصياً أن يكون 99% من الشعب اللبناني مؤيداً لهذا الرأي. ولكن من لا يؤيدون هذا الرأي لهم كامل الحريّة في ذلك، إلا أنه في الوقت عينه لدينا حريّتنا بأن يكون لنا رأينا”.
وتطرّق إلى الوضع في الجنوب اللبناني، مستعرضاً تساؤلاته حول مسار الأوضاع العامة وما سيؤول إليه المستقبل. وقال: “منذ 8 أشهر حتى يومنا هذا، نسمع نظريات جمّة، نظريات من هنا وهناك، أي من المقاومة إلى الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر وصولاً إلى مختلف أنواع النظريات الممكنة”، مشدداً على أهمية التركيز على الدفوع الشكلية في مناقشة النظريات المطروحة، وقال: “قبل الدخول في مناقشة هذه النظريات كلّها، أنتم تعلمون أنه في أي دعوى ترفع أمام أي محكمة من الممكن لأي محامٍ أن يبطلها في البداية قبل التطرّق إلى أساس الدعوى عبر ما يسمى بالدفوع الشكليّة، فعلى سبيل المثال إذا أقيمت دعوى واضحة موضوعها قيام فرد معيّن، لا سمح الله، بقتل فرد آخر، بشكل واضح وأمام أعين الجميع وامسكت به الشرطة القضائيّة وصوّروه وهو يرتكب جرمه واعترف به خلال التحقيق وإلى ما هنالك، وانبرى شخص ما، ليس صاحب مصلحة، وادعى على القاتل، يمكن لمحامي الجاني إبطال الدعوى بالشكل باعتبار أن المدعي لا يحق له الإدعاء لأنه ليس صاحب مصلحة في الدعوى. لذلك وانطلاقاً من هنا أود أن أتوجّه إلى جماعة “المقاومة” بالشكل، فقط بالشكل، لأسألهم: من أعطاكم الصلاحيّة أو كلّفكم بأن تشنوا حرباً نيابةً عن الشعب اللبناني برمته!؟ لم يكلّفكم أحد”.
وتابع مسلّطا الضوء على “آثار القرارات الأحادية لجماعة المقاومة”، وقال: “قبل ان نتطرّق إلى مضمون ما هو حاصل، صحيح أن هناك شهداء يسقطون، وأشخاصاً يتألمون ويتعذبون، وفي هذا الإطار لا تحاولوا اللعب على الوتر العاطفي معنا عبر محاولة “تحنين” قلوبنا لأن قلوبنا أصلاً تحن على ما يحصل من هذا الجانب. ولكن قبل ذلك، أود أن أقول: نحن ديمقراطيون، وكل 4 سنوات نذهب إلى الإنتخابات من أجل أن نختار نواباً ليتولّوا إيصال أصواتنا إلى مجلس النواب، ولكي يمنحوا أو يحجبوا الثقة عن الحكومة التي من المفترض أن تتخذ القرارات عنا، وهذا لكي نكون نحن كمواطنين مسؤولين بشكل من الأشكال عما سيحلّ بنا. نحن نتصرّف كالتلميذ الشاطر ونذهب إلى الإنتخابات، بكل تهذيب مطبقين القوانين المرعيّة الإجراء، وننتخب مجلس نواب، ومن بعدها ننظر فنرى أن القرار في مكان آخر، حتى في ما يتعلق بالقرارات الخطيرة جداً والمهمّة جداً”.
وانتقد الحكومة “لعجزها عن اتخاذ القرارات الضرورية”، وقال: “أنت أيتها الحكومة التي كلّفك الشعب اللبناني اتخاذ القرارات عنه ما الذي تقومين به؟ أنت لا تقومين بشيء ولا تحركين ساكناً. وبالتالي نحن اليوم واقعون بين مجموعة “فاجرة” تصادر قرار الشعب اللبناني “عينك بنت عينك” ويقولون بكل وقاحة “من يوافق يوافق ومن لا يوافق لن نهتم لرأيه فنحن “مقاومة” وسنكمل بما نحن نقوم به غير آبهين لرأي أحد”.
وأكد أن “هذا التصرف غير مقبول ومرفوض بشكل قاطع جملةً وتفصيلاً”، وقال: “لا يمكنكم القول “نحن مقاومة وسنكمل” لأن نتائج مقاومتكم هذه لا تترتب عليكم فحسب، فلو كان الأمر كذلك لكنا قلنا لكم حسناً افعلوا ما شئتم، وإنما الحقيقة أن نتائج أفعالكم هذه يتكبّدها الشعب اللبناني برمّته. حاولنا أن نقول لهم شيئاً من هذا القبيل عندما طرح موضوع التعويضات للجنوب، وقلنا من اتخذ قرار الحرب يفترض به هو أن يعوّض على أهل الجنوب، وقامت القائمة في حينه وبدأوا يهاجموننا على خلفيّة أن هذا الكلام مسيء للشهداء ودمائهم، في حين أننا جميعاً نعترف بغلاوة دماء الشهداء وبوجوب التعويض على ذويهم، ولكن ما نقوله هو أننا نريد أن نعرف من سيقوم بدفع هذه التعويضات؟ ليست الدولة اللبنانيّة هي من اتخذ قرار الحرب لكي تتكفّل بالتعويضات، فمن اتخذ القرار يجب أن يتحمل مسؤوليته.”
واستطرد جعجع: “لم تتخذ الحكومة القرار، ورئيس الحكومة صرح أكثر من مرة بأن الحكومة لم تكن على علم بهذا القرار ولا يمكنها فعل أي شيء حيال ذلك. نحن لا نتفق مع هذا المنطق لأنه من المفترض أن يكون رئيس الحكومة قادرًا على اتخاذ موقف، على الأقل أن يوضح أنه لا يدعم الحرب وما يحدث في الجنوب ليس ناتجًا عن قرار حكومي. في الماضي، تصرف رؤساء الحكومات بشكل مشابه، حيث أكدوا أنهم لم يكونوا على علم بما يجري ولم يتخذوا أي قرار بشأنه، ولكن، إذا نظرنا إلى تركيبة الحكومة الحالية، نجد أنها تتألف من قوى “الممانعة” و”التيار الوطني الحر”، وبالتالي “وافق شن طبقة”، ما أدى إلى تشكيل حكومة لا تعبر عن مصالح لبنان بشكل حقيقي. وبدلاً من التركيز على حل المشاكل الوطنية، ينشغل أعضاؤها بتقاسم المناصب العامة والتعيينات، بينما الأوضاع في البلاد وفي الجنوب غير موجودة أساساً من ضمن اهتماماتهم”.
وشدد على أن “الحرب في الجنوب أسفرت، حتى اليوم، عن مقتل أكثر من 500 شهيد، من دون وجود أي سبب واضح لهذه الحرب. نحن نعرف تمامًا الأطماع الإسرائيلية، ولكن كيفية اندلاع الحرب في الجنوب وأهدافها مسألة مختلفة. المفترض أن الحرب الحالية تهدف إلى دعم غزة، في حين ان الأخيرة تعاني من دمار شامل، ولم يعد فيها “حجر على حجر”، أي أنها لم تستفد بشيء من هذه المساندة. حتى الآن، لقد سقط أكثر من 40,000 قتيل في غزة، بالإضافة إلى 500 شهيد في لبنان، وكل هذا هدفه الحقيقي ليس دعم غزّة وإنما بقاء “حزب الله” وإيران ضمن المعادلة الإقليمية. المؤسف أن “حزب الله” ارتضى أن يلعب هذا الدور، في الوقت الذي يجب على إيران أن تتولى مسؤولية الحرب مباشرةً إذا ما كانت تريد البقاء ضمن المعادلة الإقليميّة بدلاً من استخدام لبنان كوسيلة لتحقيق أهدافها.