تعد السياحة من أهم القطاعات الاقتصادية التي تساهم بشكل كبير في الدخل المحلي للعديد من المدن. وتشهد معظم المناطق اللبنانية ثورة سياحية بحيث تعم المهرجانات وتنشط الحركة السياحية في مدن وبلدات لبنانية. ومع ذلك، فإن المناطق السياحية تواجه تحديات كبيرة تؤثر على جذب الزوار والمحافظة على مستويات عالية من السياحة. من بين هذه التحديات ارتفاع الأسعار وقلة الخدمات.
حيال هذا الواقع، رصدت جمعية تجار البترون وقضائها النشاط السياحي ونسبة رواد المؤسسات السياحية والعوامل التي تؤثر على استقطاب السياح إيجابا وسلبا، وعقدت الجمعية سلسلة اجتماعات تخللتها عملية رصد ومتابعة في سبيل التوصل الى دراسة علمية تساهم في تعزيز القطاع السياحي باعتبار أن “هناك عوامل عدة تتحكم في تنشيط او تراجع في الحركة منها مثلا ارتفاع الأسعار في المدن السياحية الذي قد يكون له تأثير سلبي على تدفق السياح وعندما ترتفع أسعار الفنادق والمطاعم والأنشطة الترفيهية، يبدأ السياح في البحث عن وجهات بديلة تكون أقل تكلفة” كما يؤكد رئيس جمعية تجار البترون وقضائها المهندس جيلبر سابا في حديث خاص لـ “الوكالة الوطنية للإعلام”، فيقول: “هذا الارتفاع في الأسعار يمكن أن يكون نتيجة لعدة عوامل منها التضخم، إرتفاع الإيجارات، زيادة تكاليف التشغيل، وزيادة الضرائب على القطاع السياحي بالاضافة الى قلة الخدمات التي تعد عاملًا آخر يؤثر سلبًا على تجربة السياح والخدمات تشمل النظافة العامة، البنية التحتية، وسائل النقل، والأمان. عندما يجد السياح أن الخدمات غير متوفرة أو دون المستوى المتوقع، فإنهم غالبًا ما يقررون عدم العودة إلى هذه الوجهات السياحية في المستقبل.”
يتحدث سابا عن “عوامل خارجية قد تؤثر سلباً على التوازن الإقتصادي السياحي الخدماتي في المدن السياحية من أهمها الأوضاع الأمنية ودخول مدن أخرى على سوق المنافسة. فالأوضاع الأمنية غير المستقرة تعتبر من أكبر العوامل التي تؤثر على السياحة. السياح يبحثون دائمًا عن الأمان، وعندما تكون هناك تهديدات أمنية أو عدم استقرار سياسي، فإنهم يفضلون تجنب تلك الوجهات.”
ولفت الى أن “المدن التي كانت تقليديًا تعتبر وجهات سياحية مشهورة تجد الآن منافسة قوية من مدن أخرى بدأت في الترويج لنفسها كوجهات سياحية جديدة. هذه المدن الجديدة غالبًا ما تقدم أسعارًا تنافسية وخدمات أفضل لجذب السياح.”
ويقول: “عند مواجهة اي سوق لمخاطر الدخول في دوامة رفع الأسعار وتناقص الخدمات والتميّز، لا بد من الشروع فوراً الى تنفيذ حلول أساسية منها: تحسين جودة الخدمات بحيث يتعين على المدن السياحية الاستثمار في تحسين جودة الخدمات المقدمة للسياح. هذا يشمل تحسين البنية التحتية، النظافة، وسائل النقل، والأمان. توفير خدمات عالية الجودة يمكن أن يعزز من رضا السياح ويشجعهم على العودة.” ويشدد على أهمية تقديم العروض والحسومات الخاصة التي لها تأثير إيجابي في جذب السياح. يمكن أن تشمل هذه العروض تخفيضات على الإقامة، في المطاعم والملاهي، والأنشطة الترفيهية.”
ويضيف: “التسويق الفعّال يلعب دورًا كبيرًا في جذب السياح. يمكن للمدن السياحية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإعلانات الرقمية للترويج لمزاياها الفريدة وجذب جمهور أوسع من السياح. كذلك تشجيع السياحة المستدامة يمكن أن يكون وسيلة فعالة لجذب نوعية جديدة من السياح المهتمين بالحفاظ على البيئة والثقافة المحلية. يمكن تطوير برامج سياحية تركز على التجارب البيئية والثقافية الفريدة التي تقدمها المدينة الى جانب تطوير الفعاليات المحلية مثل المهرجانات والمعارض الثقافية والفنية التي تعكس تراث المدينة وتجذب الزوار المحليين والدوليين. هذه الفعاليات لا تعزز السياحة فقط بل تدعم أيضًا الاقتصاد المحلي من خلال زيادة الإقبال على المتاجر والمطاعم والفنادق.”
ويتابع سابا: “إن التعامل مع التضخم في الأسعار، قلة الخدمات، وتناقص أعداد الزوار يتطلب جهودًا مشتركة من القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المحلي. من خلال تحسين الخدمات، التحكم في الأسعار، تعزيز التسويق، وتشجيع السياحة المستدامة، يمكن للمدينة إعادة جذب السياح وإعادة الاقتصاد المحلي إلى المسار الصحيح. السياحة تعتبر جزءًا حيويًا من اقتصاد المدينة، ولذا يجب أن تكون استراتيجيات تحسينها على رأس أولويات الجميع. لهذه الغاية تقوم جمعية تجار البترون وقضائها، بدراسة علمية ترتكز على إحصاءات وأرقام قد تسهم في تحقيق نتائج ملموسة لدعم الاقتصاد المحلي والقطاع السياحي عبر جمع البيانات حول الأداء المالي، عدد الزبائن، الأسعار، مستوى الرضا، وغيرها من المعايير ذات الصلة والمقارنة مع أسواق أخرى في لبنان. كما تحليل البيانات وتحديد الأنماط والاتجاهات لتقييم الوضع الحالي للسوق عبر تحديد نقاط القوة التي تشمل جودة الخدمات، الموقع الجغرافي، التنوع في المنتجات والخدمات، نقاط الضعف قد تشمل ضعف التسويق، نقص التمويل، البنية التحتية غير الكافية، تحديد الفرص مثل زيادة الطلب على السياحة، التطوير التكنولوجي، الشراكات الاستراتيجية بالإضافة الى التهديدات كالمنافسة القوية، التغيرات الاقتصادية، الأوضاع الأمنية.”
وختم سابا: “سنخرج بتوصيات مبنية على التحليل لتحسين الأداء ودعم النمو المستدام. يمكن أن تشمل هذه التوصيات: تحسين استراتيجيات التسويق، الاستثمار في التدريب والتنمية المهنية، تعزيز البنية التحتية السياحية. آملين أن نتعاون جميعاً من أصحاب مؤسسات وفعاليات المنطقة وسلطات محلية من أجل تحقيق الإقتصاد المستدام لما فيه من خير على المجتمع بأكمله”.