الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة تدعم فلسطين: اعتراف دوليّ بأبعاد سياسيّة

بغالبية 143 صوتاً اعتمدت الجمعية العامّة للأمم المتحدة قراراً يدعم طلب فلسطين الحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، ويوصي مجلس الأمن بإعادة النّظر في الطلب. كما يحدّد طرائق لتوفير حقوق وامتيازات إضافية تتعلّق بمشاركة فلسطين في الأمم المتحدة. صوّت لمصلحة القرار، الذي قدّمته دولة الإمارات العربية المتحدة، بصفتها رئيسة المجموعة العربية خلال الشهر الجاري، 143 عضواً وعارضه 9 وامتنع 25 عن التصويت. اعتماد القرار اقتضى الحصول على تأييد ثلثي عدد الدول الأعضاء الحاضرة التي تقوم بالتصويت. يؤكّد القرار اقتناع الجمعية العامّة بأنّ دولة فلسطين مؤهّلة تماماً لعضوية الأمم المتحدة وفقاً لميثاقها، ويشير إلى التأييد الواسع من الدول الأعضاء في المنظمة لقبول فلسطين عضواً فيها. في مستهلّ الجلسة، استعرض السفير محمد أبو شهاب الممثل الدائم لدولة الإمارات العربية المتحدة مشروع القرار. وقال إنّ المشروع “لا يمثّل في ذاته إنصافاً لدولة فلسطين لأنّها، وإن منحت حقوقاً إضافية، ستبقى دولة مراقبة لا تتمتّع بحقّ التصويت في الجمعية العامّة أو الترشّح لهيئات الأمم المتّحدة”. ودعا الدول الأعضاء إلى التصويت لمصلحة مشروع القرار، وقال “إنّ تبنّي القرار سيمثّل خطوة تاريخية نحو تصحيح الظلم الذي عاناه الشعب الفلسطيني على مدى عقود، وسيعزّز مكانة فلسطين ومشاركتها في المحافل الدولية”. وأضاف: “أمّا التصويت ضدّ هذا القرار فسيكون بمنزلة تخلّ عن المسؤولية الأخلاقية والقانونية تجاه القضية الفلسطينية، وقد يفسّر على أنّه ضوء أخضر لإسرائيل من أجل مواصلة انتهاكاتها التي تقوّض حل الدولتين”.

وضع فلسطين الحالي بالأمم المتحدة في حديثه لـ”الصفا نيوز” شرح الصحافي والباحث السياسي محمد العلم “فلسطين هي دولة غير عضو لها صفة المراقب في الأمم المتحدة، وقد حصلت على هذا الوضع بعد قرار اعتمدته الجمعية العامة بغالبية كبيرة في 29 تشرين الثاني 2012. صدر القرار بتأييد 138 دولة ومعارضة 9 وامتناع 41 عن التصويت. وفي القرار أملت الجمعية العامة أن يستجيب مجلس الأمن الطلب الذي قدّمته دولة فلسطين في أيلول للحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد استخدمت حقّ النقض (الفيتو) الشهر الماضي في مجلس الأمن ضد مشروع قرار جزائري يوصي الجمعية العامّة بقبول دولة فلسطين عضواً في الأمم المتحدة. أيّد القرار 12 عضواً وامتنعت سويسرا والمملكة المتحدة عن التصويت”. يذكر أنّ فلسطين أرسلت في 2 نيسان إلى الأمين العام للأمم المتحدة رسالة تطلب فيها تجديد النظر في طلبها للانضمام إلى عضوية الأمم المتحدة، وهو طلب كانت قد قدّمته عام 2011. وبعد تسلّم الطلب، أحاله الأمين العام إلى مجلس الأمن، الذي تناول هذه المسألة في 8 نيسان في جلسة مفتوحة. ووفقاً للنّظام الداخلي المؤقت للمجلس، أحال مجلس الأمن الأمر إلى لجنته المعنية بقبول الأعضاء الجدد، ولكنّهم لم يتوصلوا إلى اتفاق. وأضاف العلم “قرار الأمم المتحدة الأخير يؤكّد قبول فلسطين عضواً في الجمعية العامّة للأمم المتحدة، مع بعض التوصيات بأنّه عند إحالة القرار إلى مجلس الأمن، قد يكون هناك تحرّكات إيجابية، وإعراب عن الأسف لعدم تمرير القرار في المرّة الأولى، إلّا أنّ كفّة الترجيحات تميل لأن يتكرّر سيناريو “قرار الجزائر”، وبالتّالي قد يعاود الأميركي استخدام الفيتو لعرقلة إتمام المهمّة، خصوصاً في ظلّ معركة رفح ودعم الكونغرس غير المحدود لإسرائيل”.

كيف تنضمّ الدول إلى عضوية الأمم المتحدة؟ هنا، ينبغي التوضيح بأنّ الاتفاق بين الجمعية العامّة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ضروري لقبول أيّ دولة عضواً فيها. طلب عضوية الأمم المتحدة يُرسل إلى الأمين العام للأمم المتحدة ثم يُحال إلى مجلس الأمن والجمعية العامة. ويقرر المجلس المكوّن من 15 عضواً قبول الدولة أم لا بعد تداول لجنة قبول الأعضاء الجدد الأمر، ثم يُرسل القرار إلى الجمعية العامّة المكوّنة من 193 عضواً. ينصّ ميثاق الأمم المتحدة على أنّ عضوية الأمم المتّحدة مفتوحة لجميع الدول المحبّة للسلام التي تقبل الالتزامات الواردة في هذا الميثاق والقادرة على تنفيذها والراغبة في ذلك. ويمكن المجلس التصويت على مقترح الانضمام إلى عضوية الأمم المتحدة، ويجب أن يؤيد ذلك تسعة أعضاء على الأقل، وألّا يستخدم أيّ من أعضائه الدائمين – الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة – حق النقض.

إسرائيل أصبحت منبوذة عالمياً بالعودة إلى الأهمّية السياسية لخطوة الجمعية العامة للأمم المتحدة، لفت العلم إلى أنّ “هذه الخطوة تعطي انطباعاً عاماً بأنّ هناك إجماعاً دولياً وعالمياً على أنّ لفلسطين الحقّ في حلّ الدولتين، والحقّ في الاعتراف الدولي، وأنّ الأحداث الأخيرة أكّدت أنّ الاستقرار في الشرق الوسط مستحيل من دون حلّ الدولتين، وأن يكون للفلسطينيين دولتهم الخاصّة، وسيادتهم الخاصّة من دون وصاية إسرائيلية مثلما كان الوضع في السابق. كما أنّ العالم أجمع أصبح متفقاً على فكرة الحقوق الفلسطينية، وإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة مرّة أخرى، وتأكيد الدول عدم إمكان استمرار العالم خاضعاً لحكم القطب الواحد ، أي حكم الولايات المتحدة الأميركية، وأنّه يجب التوجه إلى تعددية الأقطاب، وحكم مختلف، وهذا ما سيؤثّر إيجاباً في القضية الفلسطينية، وهو موقف تاريخي يضاف إلى تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي عموماً، والإسرائيلي – الفلسطيني خصوصاً، وهو سياسياً يدين إسرائيل ويؤكّد حقّ دولة فلسطين “. على أن حصول فلسطين على العضوية في الأمم المتحدة يعني بحسب العلم، “أنّ فلسطين أصبحت رسمياً وباعتراف العالم، دولة، لا غبار على وجودها، ولم تعد عضواً مراقباً، أو هيئة أو ممثلة ببعض الأشخاص في السلطة، إذ كانت إسرائيل تحصر فكرة فلسطين بالضفّة الغربية التابعة إليها، في محاولة لتقليص دور السلطة الفلسطينية، في حين تجعل العضوية فلسطين دولة مستقلّة، وتكون سابقة في تاريخ الصراع، وتعيد الحقّ إلى الشعب الفلسطيني”. وشدّد على أنّ “ما يحصل اليوم في الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية، هو هدم للفلسفة الإسرائيلية، التي اعتمدت على تصدير فكرة الديمقراطية الإسرائيلية، وعلى أنّ الإسرائيليين هم أصحاب الحقّ والرواية الكاذبة التي عملوا على ترويجها حول العالم، الذي ينظر إلى ما تفعله إسرائيل على أنّه إبادة جماعية، كما تخلّصه من فكرة عداء السامية، التي كانت تستخدمها إسرائيل حجّة واهية، كما أنّ الشعب الفلسطيني أعاد إحياء القضية الفلسطينية، التي كاد العالم ينساها. وحالياً أصبحت إسرائيل دولة منبوذة عالمياً”.

الاعتراف بفلسطين دولةً من جهته، اعتبر الخبير في العلاقات الدولية، د. وليد عربيد أنّ “الجمعية العامة للأمم المتحدة شهدت انتصاراً للديبلوماسية الفلسطينية، في نزاعها القائم على الكيان الإسرائيلي المحتل. ونتيجة التصويت ثَبُت ربح فلسطين واحدة من الجولات. وهذا يعني أنّ هناك أملاً بأن تصبح دولة ذات سيادة، ولكن السؤال الأهم هو ماذا سيحصل عندما ترفع الجمعية العامة هذا القرار إلى مجلس الأمن وتطالبه بالاعتراف بالقرار، فهل يُواجه بفيتو أميركي؟ علينا الانتظار والمتابعة عن كثب”. وقال عربيد لـ”الصفا نيوز” إنّ “هذه الخطوة قد أسست لمفاوضات مباشرة أو غير مباشرة بين الكيان الصهيوني وفلسطين المحتلة، للاعتراف بفلسطين كدولة، بدفع من المجتمع الدولي، طبعاً بعد إيجاد حلّ لأزمة غزّة. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ تمزيق ميثاق الأمم المتحدة من قبل سفير إسرائيل في الأمم المتحدة، يعني أنّ هذه الدولة لا تعترف بالمنظمات الدولية، بل بحماية الولايات المتحدة الأميركية”.

تأثير التظاهرات الطالبية وأضاف عربيد “لا شكّ في أنّ التظاهرات في الدول الغربية، وتحديداً الأميركية والأوروبية، دعماً للشعب الفلسطيني في غزة، ورفضاً للإبادة والمجاعة وقصف المستشفيات، والاعتراف بحماس حركة مقاومة (على الرغم من تبنّيها الأيديولوجية الإسلامية، لم يمنع ذلك من اعتراف هؤلاء المتظاهرين بأنّها حركة تحرّر وطني تدافع عن تحرير أرض فلسطين)، تلك التظاهرات هي انتصار للشعب الفلسطيني، الذي نراه للمرّة الأولى مدعوماً من طلاب الجامعات، وهو ما ذكّرنا بالعام 68 عندما انتفض الشعب الأميركي على الرئيس الأسبق ليندون جونسون، رافضاً الحرب في فييتنام. وبالتالي، هو انتصار معنوي ديبلوماسي في القانون الدولي والعلاقات الدولية بين الشعوب”. وشرح معنى أن تكون الدولة عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، قال “العضو المراقب لا يشارك في القرارات المصيرية، ولا يحقّ له التصويت، ولا يكون ملزماً بقرارات الأمم المتحدة، إلاّ أنّ هذه خطوة أولى سمحت لفلسطين بأن تكون موجودة في الجمعية العامّة لهيئات الأمم المتحدة” . وتابع عربيد “فلسطين، وهي من الدول الثلاث في العالم التي تريد التخلّص من الاستعمار (إلى جانب الصحراء الغربية العالقة في الأزمة بين المغرب والجزائر، ومنطقة كشمير التي استندت إلى قرار صادر عن الأمم المتحدة عام 1949 بحقّ تقرير مصيرها أو الاستفتاء حول مستقبل هذه المنطقة) . وبحسب القرار 181، يحقّ لها بأن تنشئ فصائل فلسطينية تقاوم الاستعمار أو الدولة المحتلّة لأراضيها، وهذا يؤكّد أنّ وجود فلسطين ككيان مستقلّ داخل الأمم المتحدة هو الخطوة الثانية للوصول إلى دولة مستقلّة قابلة للحياة (ترتكز إلى القوانين المتصلة بالعلاقات الخارجية، والاقتصادية، والتجارية، وأن يكون فيها مرفأ…)”.

الهيمنة الأميركية على الأمم المتحدة وأشار عربيد إلى أنّ “انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة سيجعلها تسهم في تثبيت السلم العالمي، وإيجاد التعاون المشترك مع باقي المنظمات. وفلسطين عانت وتعاني همجية اليمين المتطرّف في إسرائيل، برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي يقود المنطقة نحو العنف المسلّح. وفي حال انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة، سيمكّنها من رفع صوتها في المحافل الدولية، والمحاكم الدولية، كمحكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية. كذلك سيمكّنها من الاستفادة من الاستثمارات الدولية، والتعاون الدولي المشترك من أجل الإنماء والصحّة والتربية، وهو ما تتطلع إليه فلسطين التي تعاني منذ العام 1948 من الاحتلال الإسرائيلي”. ورأى عربيد أنّ “الدول التسع التي صوّتت ضدّ قرار الهيئة العامة للأمم المتحدة، هي دول صغيرة جداً تحتاج إلى الاستثمارات من البنك الدولي والشركات الكبرى، فيما الأمم المتحدة، على الرغم من أنها بدأت تشيخ تحت الهيمنة الأميركية (تأسست عام 1945، وكان مركزها الرئيسي نيويورك ، نظراً لتمويلها من الولايات المتحدة الأميركية)، بدأت تتحرّر دولياً بفضل تظاهرات الطلّاب الأميركيين الداعمين لحرّية الشعب الفلسطيني وحق العودة”.

بقلم:بولا عطية