كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
تمخّضت التعقبات القضائية التي أدت إلى إقفال الدوائر العقارية في جبل لبنان منذ 19 كانون الأول 2022، فأنتجت قرارين اتهاميين في دائرتي بعبدا وعاليه بعد الشوف، كرّست من خلالهما استقرار اجتهاد الهيئة الاتهامية برئاسة القاضي ربيع حسامي وسنداً للمادة 187 أصول المحاكمات الجزائية «على أنّ العطف الجرمي لوحده غير كافٍ للاتهام أو الظن إلا إذا اقترن بأدلة أخرى»؛ الأمر غير المتحقق، ما استدعى منع المحاكمة عن الجرائم المسندة إلى بعض الموظفين، وتغيير الوصف الجرمي بحق غالبية المدعى عليهم، من جناية إلى جنحة، ما خلا أمينة السجل العقاري في بعبدا.
وتكمن أهمية القرارين الصادرين عن الهيئة الاتهامية التي أصدرتهما غرفة القاضي ربيع الحسامي وعضوية المستشارتين معتوق وحيدر أحمد بتاريخ 18 نيسان 2024، في كونهما أعادا تصحيح ادّعاء النيابة العامة (قاضي التحقيق الأول نقولا منصور – ملف عقارية بعبدا، وقاضي التحقيق زياد الدغيدي – ملف عقارية عاليه)، وتشريح الظنّ بالادعاء على 35 موظفاً في أمانة السجل العقاري في عاليه، و35 آخرين في أمانة بعبدا، وإصدار قرار بمنع المحاكمة عن موظفَين اثنين في تلك الدائرة أيضاً، أي في أمانة السجل العقاري في بعبدا.
ومع إحالة ملف عقارية الشوف إلى غرفة القاضي المنفرد الجزائي في بعبدا لاستكمال مسار محاكمتهم أمام القاضية نضال الحويك قبل أسابيع، بجرائم تقع في خانة «الجنح»، لا تزال ملفات 3 دوائر عقارية عالقة عند قضاة التحقيق؛ حيث يستكمل قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان الاستماع إلى الشهود (السماسرة) والموظفين في أمانة السجل العقاري في جونية، كما يفعل أيضاً قاضي التحقيق نديم الناشف في أمانة السجل العقاري في جبيل وقاضي التحقيق حنا بريدي في أمانة السجل العقاري في المتن.
ووسط ترجيح المتابعين على أنّ المقاربات القضائية المستجدة لملف عقارية جبل لبنان، بعد طلب مجلس الوزراء من الموظفين العودة إلى مزاولة عملهم «كالمعتاد»، كفيلة بدفع قضاة التحقيق إلى اعتماد المقاربة التي آلت إليها الهيئة الاتهامية برئاسة القاضي ربيع الحسامي في الادعاء على موظفي أمانة السجل في المتن وكسروان وجبيل؛ برز تشديد على أنّ إقفال الدوائر العقارية في جبل لبنان، لم يكن من الأساس من أجل مكافحة الفساد وتعقّب المخالفين للقانون بل يحمل في طياته ما سيتكشف يوماً بعد آخر مع عودة الانتظام إلى عمل تلك الدوائر.
وعلمت «نداء الوطن» أنّ أمانتي السجل العقاري في جبيل والشوف وبعد تسليمهما غالبية المعاملات المتراكمة، بصدد الإعلان بعد الانتهاء من عطلة عيد الفصح لدى الطوائف الشرقية، عن البدء باستقبال الطلبات الجديدة يوماً واحداً في الأسبوع. في حين ترزح المكاتب الأخرى تحت عبء المعاملات المتراكمة، والنقص الناجم عن استقالة بعض موظفيها، و»تواري» آخرين عن الالتحاق بالعمل بسبب التعقبات القضائية الصادرة بحقهم (ما يقارب 16 موظفاً بينهم 5 في أمانة السجل في كسروان، 4 في أمانة المتن، 4 في أمانة عاليه، و3 في أمانة السجل العقاري في بعبدا).
وفي سياق متصل، أوضحت جهات حقوقية متابعة، أنه وعلى الرغم من كون ملف دائرة بعبدا سيسلك طريقه إلى محكمة الجنايات بعد أن تمّ اتهام المدعى عليها ن. ش. (أمينة السجل)، «بجناية المادة 352 عقوبات، وإصدار مذكرة إلقاء قبض بحقها وإحالتها لمحاكمتها أمام محكمة الجنايات في جبل لبنان، والظن بها بجنح المواد 351 و356 و373 عقوبات و10/14 من قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع»، فإنّ المدعى عليهم الآخرين في أمانتي السجل العقاري في بعبدا وعاليه، تمّ الظن بهم بجنحة المادتين 10/14 من قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع، في حين تفاوت الادعاء عليهم بجنح المواد 351 و356 و373 عقوبات.
ولفتت إلى أن ذلك يشكل مدخلاً أمام الموظفين الصادرة بحقهم مذكرات توقيف غيابية، للتقدم بطلبات استردادها أو وقف مفعولها مقابل كفالة من القاضي المنفرد الجزائي في الملفات التي أصبحت أمام القاضي المنفرد. أما موظفو المتن، كسروان وجبيل، فلا يمكنهم استرداد مذكرات التوقيف قبل انتهاء قاضي التحقيق من عمله وإصدار قراره الظني.
وبعد الضرر المتمادي الناجم عن إقفال الدوائر العقارية في جبل لبنان، تكشف جهات متابعة أن بعض «السماسرة» سجلوا تراجعهم عن الإفادات الأولية التي أدلوا بها بعد تلمسهم الحرج من الموظفين الذين عادوا إلى ممارسة عملهم، وذلك بعدما توصلت التحقيقات، وبما لا يقبل الشكّ، أن لا تزوير ولا إصدار سندات خلافاً للقانون أو إفادات ينجم عنها تغيير لواقعٍ ما في الدوائر العقارية، وأن جميع الملاحقات مرتبطة حصراً بـ»إكراميات» دفعت للموظفين من أجل تسريع إنجاز المعاملات.