كتبت بولا اسطيح في “الشرق الاوسط”:
يضاعف التأجيل الثالث للانتخابات المحلية، المخاوف من أن يفاقم أزمات اللبنانيين، بالنظر إلى الشغور القائم في 164 بلدية من نحو ألف بلدية قائمة، يتولى تسيير أمورها القائمقام أو المحافظ، إضافة إلى عشرات البلديات المشلولة نتيجة خلافات بين أعضائها، وسط توقعات بازدياد البلديات المستقيلة في حال تأجيل الانتخابات.
وعشية جلسة تشريعية يتوقع أن تنتهي بتمديد ولاية المجالس المحلية، رفع القيمون على عدد من البلدات والقرى، خصوصاً تلك التي حُلت مجالسها في السنوات الماضية، الصوت نظراً للتداعيات الكبيرة لتأجيل جديد للاستحقاق على المواطنين وشؤونهم اليومية في ظل التداعي المستمر والمتواصل لمؤسسات الدولة.
ويصف معنيون بالملف المبررات التي تقدمها السلطة السياسية للتمديد بـ«الواهية»، في حين يطرح بعضهم، في حال تعذر إجراء الانتخابات في كل لبنان، إجراءها حيث البلديات منحلة وبحاجة ماسة لمجالس جديدة.
وكانت السلطة السياسية اللبنانية قد لجأت لتمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية مرتين، الأولى في عام 2022 بحجّة تزامنها مع الانتخابات النيابيّة واستحالة إجرائهما معاً، والثانية في عام 2023 بذريعة الصعوبات المالية.
«الثنائي الشيعي»: لا انتخابات قبل توقف الحرب
وأخيراً، عبّر رئيس مجلس النواب نبيه بري بشكل صريح عن رفضه إجراء الانتخابات البلدية التي يفترض أن تحصل الشهر المقبل من دون إجرائها في الجنوب، مؤكداً أن جبهة الجنوب لا يمكن فصلها عن جبهة غزة. وقد دُعيت الهيئة العامة للمجلس لجلسة لإقرار اقتراح قانون التمديد الخميس المقبل.
وبالرغم من قيام وزارة الداخلية بكل ما يتوجب عليها إجرائياً وتقنياً، وتحديدها مواعيد لإجراء الانتخابات، إضافة إلى نقل مبلغ ألف مليار ليرة من احتياطي الموازنة لحساب «الداخلية» لضمان إجراء الاستحقاق، فإن قوى السلطة، وعلى رأسها «الثنائي الشيعي» المتمثل بحركة «أمل» و«حزب الله»، يبدو حاسماً في رفضه إجراء الانتخابات ما دامت الحرب قائمة في الجنوب.
3 قوانين يجب إقرارها
ويعد الناشط السياسي المحامي ربيع الشاعر، أن «هذه الطبقة السياسية لا تريد تفعيل العمل البلدي لأسباب بنيوية، وبالتحديد لأن البلديات أداة لخلق نخب جديدة تنافس النخب التقليدية على السلطة. وبالتالي، ما دام القانون الحالي يحيل مهام البلديات المنحلة إلى القائمقام أو المحافظ، فبذلك يكونون قد أمنوا مركزية القرار ووضعوا أيديهم على البلديات وأموالها بشكل مباشر أو غير مباشر»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى عوامل أخرى تجعل قوى السلطة غير متحمسة للانتخابات، أبرزها ضعفها على الأرض، والخشية من انقسام بين مناصريها. ويضيف الشاعر: «حتى لو افترضنا أن هناك ظروفاً تحتم التمديد، وأنا لا أؤيد المبررات التي تساق راهناً، فالأحرى أن يتم تخصيص الجلسة التي خصصت للتمديد لبحث وإقرار 3 قوانين أساسية جداً لتقليص التداعيات السلبية لتأجيل الانتخابات، وهي: قانون اللامركزية الموسعة الذي تستمر المماطلة ببحثه منذ 8 سنوات، إضافة لقانونين مرتبطين بقيمة الرسوم وتفعيلها، وتطوير إجراءات التحصيل»، مشيراً إلى أن «الموازنة الحالية لحظت تعديل القيمة التأجيرية، وهذا جيد وسيؤدي لتحسين المخصصات البلدية، ولكن الأمر غير كافٍ».
وكانت «الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات» (لادي) قد وصفت الأسباب التي سيقت لتمديد أول وثانٍ للمجالس البلدية والاختيارية بـ«الواهية»، عادّة أن إرجاء الانتخابات للمرة الثالثة على التوالي لا يخدم الجنوبيين بأي شكل من الأشكال، بل يحرمهم وسكان لبنان جميعاً من المشاركة الفاعلة في تشكيل تلك المجالس، ترشيحاً واقتراعاً.
البلديات… بالأرقام
وبحسب الباحث في الشركة «الدولية للمعلومات»، محمد شمس الدين، يبلغ عدد البلديات حالياً 1064، 34 منها مستحدثة بعد عام 2016، لافتاً إلى وجود 164 بلدية يتولاها القائمقام أو المحافظ، إضافة لعشرات البلديات المشلولة نتيجة خلافات بين أعضائها وعدم توافر الإمكانات. ويبلغ عدد بلديات الجنوب اللبناني 271.
ويرجح شمس الدين في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن يؤدي التمديد الثالث إلى أن «يستقيل حكماً أعضاء جدد، فيرتفع بذلك عدد البلديات المنحلة لأنها غير قادرة على مواجهة الكثير من المشاكل التي تواجهها»، مشدداً على وجوب السعي لإجراء الانتخابات «مهما كانت الاعتبارات؛ لأن هناك مهام كثيرة ملقاة على عاتق البلديات لا تقوم بها، كضمان الأمن، وحل أزمة النفايات، وتوفير الخدمات الأساسية، وتحسين الطرقات الداخلية، كما ضبط النزوح السوري».
ويضيف شمس الدين: «البلدية بنهاية المطاف هي حكومة محلية، والشلل البلدي أمر خطير جداً».
الانتخابات للبلديات المنحلة حصراً
وتعد بلدية عرسال الحدودية (شرق لبنان) أبرز البلديات المنحلة، باعتبار أنها تؤوي آلاف النازحين السوريين منذ عام 2011، ما يفاقم المشكلات والاحتياجات فيها.
وتوضح ريما كرنبي، نائبة رئيس بلدية عرسال، التي تقدمت باستقالتها إلى جانب النصف زائداً واحداً من الأعضاء، بسبب ما تقول إنه أداء رئيس البلدية «السيئ»، أن «محافظ بعلبك الهرمل هو الذي يحل محل المجلس البلدي راهناً، ويساعده كاتب البلدية. لكن، وباعتبار أن هناك عدداً كبيراً من البلديات المنحلة التي يتولى مهامها المحافظ، فالبلدة تحتاج لا شك لمن يتابع مشاكلها الصغيرة والكبيرة عن كثب، لذلك قد يكون من المناسب في حال تأجيل الانتخابات مرة جديدة أن تتولى مجموعة من الأشخاص مساعدة كاتب البلدية، بما يشبه الإدارة المحلية التي تضم مجموعة من المخاتير والناشطين». وتشدد كرنبي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أنه «لا مبرر على الإطلاق للتمديد اليوم، والموضوع هو في السياسة ولا علاقة له بأي شأن آخر»، مقترحة على وزارة الداخلية «في حال ظلت القوى السياسية على موقفها، إجراء انتخابات استثنائية للبلديات المنحلة حصراً».
وفي إطار سعيها لتنظيم الوجود السوري في لبنان، أصدرت وزارة الداخلية في أيلول الماضي، مجموعة تعاميم لتنظيم الوجود السوري في القرى والبلدات والمدن، وكلفت المحافظات والبلديات بإحصاء النازحين السوريين الموجودين ضمن نطاقها، والتشدد في موضوع مواقع إقامتهم وعمالتهم، ورفع تقارير دورية كل 15 يوماً بالإجراءات التي قامت بها على صعيد قمع المخالفات وإزالة التعديات. وبالتالي، فإن تمديداً جديداً للمجالس البلدية في ظل وجود عدد كبير من البلديات المنحلة، سيؤثر تلقائياً على ملف النزوح، بحيث أن جمع «الداتا» بشكل مناسب قد لا يكون ممكناً، وكذلك اتخاذ الإجراءات المناسبة بحق المخالفين من النازحين السوريين.